الموت يحاكي الفن في باتاكلان
جو 24 : قديما قال أرسطو إن الفن محاكاة للواقع، ومحاكاة للطبيعة هدفها الأسمى الوصول بالإنسان إلى اللذة القصوى، التي تحمل المعنى الروحي لا المعنى الحسي فهي اللذة السامية التي تنطوي على متعة جمالية ويترتب عليها الشعور بنبل هذه الانفعالات الوجدانية التي تنقل الإنسان إلى حالة عجزت الطبيعة والواقع عن خلقها.
ويعتبر الرقص وفن الإيقاع من وسائل هذه المحاكاة، فالراقصون يحاكون عن طريق حركاتهم الموزونة والمنسجمة مع اللغة والإيقاع الانفعالات والمشاعر الإنسانية، وأحيانا يحاكون أفعالا أو سلوكيات إنسانية عن طريق حركاتهم الراقصة، أو يحاكون شخصيات معينة بأوصافها الخارجية الشكلية أو الداخلية العميقة.
وتعتبر المأساة شكلا من أشكال المحاكاة في نظرية أرسطو، وتهدف إلى التطهير من الخوف والانفعالات المرعبة، وهنا يأخذ الفن وظيفته السامية في تطهير انفعالاتنا وطرد المشاعر السلبية من نفوسنا وتحصينها من أية ردات فعل حادة يمكن أن تتعرض لها.
في مسرح باتاكلان في باريس العاصمة الفرنسية، الجمعة كانت نظرية أرسطو في المحاكاة على موعد مع تشكيل جديد، وصياغة جديدة، كان الفن نفسه يحاكي الطبيعة السوداء القاتمة للموتى الأحياء الذين أحالوا ببشاعتهم أضواء الإيقاع وحركات اللغة وهي تحاكي الحياة إلى هالات من العتمة المريرة.
في باتاكلان تشكلت واحدة من أشكال المحاكاة القاسية، وصيغت المأساة التي ركز عليها أرسطو كثيرا في نظريته، وأولاها الجزء الأكبر من دراسته، في نفس المسرح الباريسي كان الإيقاع الذي أراده أرسطو لتحقيق المحاكاة وكانت اللغة وكان الرقص، وكان هناك أيضا الكثير من الموت الذي خلق فن التراجيديا التي أرادها أرسطو لتطهير النفس من الشعور السلبي.
حضرت كل عناصر النظرية ولم يحضر التطهير بالمعنى الذي أراده واضع نظرية المحاكاة، كان الفن والرقص والغناء يحاكي الوجدان الإنساني، وفي لحظة مجنونة وقاتمة انعسكت النظرية كلها فقد تغلب السواد والموت على كل نظريات الفن في المحاكاة، وصاغت الرشاشات والرصاص نظريتها في البشاعة والعداء للحياة.
تحقق في تلك الليلة المرعبة هذا الشكل الفني لمحاكاة عكسية قلب فيها الموت كل موازين الفن والحياة، فظهر معمار المأساة في أوجع صورها لكن التطهير الذي أراده أرسطو في الفن، لم يتحقق في الحياة، فالأبطال من لحم ودم، وليسوا مجرد متقمصين ومجسدين للمأساة، فالعمل الفني الذي تكلم عنه أرسطو في نظريته يحرر النفس من الخوف والرعب.
أما ما حدث في مسرح باتاكلان من القتل والجرح والخراب فلم يستطع تحرير النفس إلا من الروح والحياة، وبقي الفزع والرعب يملأ جنبات هذا المسرح العريق وظل أرسطو بعيدا يتطلع إلى نظريته وهي تنهار على أيدي قتلة الفن والحياة.
لم يؤد الفن وظيفته كما يجب تلك الليلة، ففرقة "نسور الموت" التي كانت تحيي حفلا موسيقيا في مسرح باتاكلان مساء الاعتداءات على مدينة باريس، التي راح ضحيتها العشرات من الارواح البريئة، لم تستطع أن تؤدي معزوفة بصوت أعلى من صوت الأسلحة والرصاص، وعلى الرغم من اسمها الذي أظهر تلك الليلة مفارقة غريبة إلا أن الموت الحقيقي لا يعرف المفارقات في شكلها المجازي والفني، حيث للموت شكل واحد ولون واحد، ولا يعترف بفائض اللغة من استعارات وكنايات.
ولعل أرسطو كان يعني تماما هذه الحادثة المأساوية حين قال "ينبغي أن نستعين في المآسي بالأمور العجيبة والمخالفة للمألوف" أو ليست عجيبة هذه المفارقة حين تحمل الفرقة اسم الموت في حين تعزف للحياة، ويحمل الجمهور روح الحياة في حين يرتب لهم الموت وصفته المريرة على شكل مقطوعة موسيقية أخيرة، وكان الفن ليلتها صدى مفزعا لرقصة الأرواح البريئة الكثيرة التي علت مسرح باتاكلان.
ومن الجدير بالذكر أن هذا المسرح العريق يحمل اسم أوبريت شهير لأحد مؤسسي فن الاوبريت الفنان الفرنسي جاك اوفنباخ، الذي عرض في ديسمبر/كانون الأول عام 1855، وقد حقق هذا الاوبريت نجاحا كبيرا لاوفنباخ تلته أعمال كثيرة لاقت أيضا انتشارا وشهرة على مستوى عالمي.
باتاكلان الذي أصبح الجمعة مسرحا للموت، أٌقيم في بدايات القرن الماضي كمقهى غنائي على طراز صيني، وتكون من طابقين إذ ضم الطابق الأرضي منه مقهى ومسرحا، وضم الطابق الأول صالة كبيرة وهي ذات الصالة التي كانت تعزف فيها فرقة "نسور الموت" موسيقاها ليلة الحفلة الدموية، وفي هذه الصالة أيضا عرضت منذ بدايات القرن الماضي أهم المسرحيات العالمية والعروض الفنية والحفلات الموسيقية التي ظلت محفورة وخالدة في ذاكرة عشاق الفن من الجمهور العالمي والجمهور الفرنسي.
أما حفلة الجمعة وعرضه المرعب فسيظل حاضرا مثل وجع في خاصرة الفن، ولن ينس عشاق الحياة المسرحية التراجيدية التي مثلتها شخصيات لا تملك أدنى موهبة في عشق الجمال والفن والصخب، فأدوا أدوارا ممسوخة لكنهم حاكوا الموت بتفوق أعمى تتملكه غريزة العتمة الحالكة.
ويعتبر الرقص وفن الإيقاع من وسائل هذه المحاكاة، فالراقصون يحاكون عن طريق حركاتهم الموزونة والمنسجمة مع اللغة والإيقاع الانفعالات والمشاعر الإنسانية، وأحيانا يحاكون أفعالا أو سلوكيات إنسانية عن طريق حركاتهم الراقصة، أو يحاكون شخصيات معينة بأوصافها الخارجية الشكلية أو الداخلية العميقة.
وتعتبر المأساة شكلا من أشكال المحاكاة في نظرية أرسطو، وتهدف إلى التطهير من الخوف والانفعالات المرعبة، وهنا يأخذ الفن وظيفته السامية في تطهير انفعالاتنا وطرد المشاعر السلبية من نفوسنا وتحصينها من أية ردات فعل حادة يمكن أن تتعرض لها.
في مسرح باتاكلان في باريس العاصمة الفرنسية، الجمعة كانت نظرية أرسطو في المحاكاة على موعد مع تشكيل جديد، وصياغة جديدة، كان الفن نفسه يحاكي الطبيعة السوداء القاتمة للموتى الأحياء الذين أحالوا ببشاعتهم أضواء الإيقاع وحركات اللغة وهي تحاكي الحياة إلى هالات من العتمة المريرة.
في باتاكلان تشكلت واحدة من أشكال المحاكاة القاسية، وصيغت المأساة التي ركز عليها أرسطو كثيرا في نظريته، وأولاها الجزء الأكبر من دراسته، في نفس المسرح الباريسي كان الإيقاع الذي أراده أرسطو لتحقيق المحاكاة وكانت اللغة وكان الرقص، وكان هناك أيضا الكثير من الموت الذي خلق فن التراجيديا التي أرادها أرسطو لتطهير النفس من الشعور السلبي.
حضرت كل عناصر النظرية ولم يحضر التطهير بالمعنى الذي أراده واضع نظرية المحاكاة، كان الفن والرقص والغناء يحاكي الوجدان الإنساني، وفي لحظة مجنونة وقاتمة انعسكت النظرية كلها فقد تغلب السواد والموت على كل نظريات الفن في المحاكاة، وصاغت الرشاشات والرصاص نظريتها في البشاعة والعداء للحياة.
تحقق في تلك الليلة المرعبة هذا الشكل الفني لمحاكاة عكسية قلب فيها الموت كل موازين الفن والحياة، فظهر معمار المأساة في أوجع صورها لكن التطهير الذي أراده أرسطو في الفن، لم يتحقق في الحياة، فالأبطال من لحم ودم، وليسوا مجرد متقمصين ومجسدين للمأساة، فالعمل الفني الذي تكلم عنه أرسطو في نظريته يحرر النفس من الخوف والرعب.
أما ما حدث في مسرح باتاكلان من القتل والجرح والخراب فلم يستطع تحرير النفس إلا من الروح والحياة، وبقي الفزع والرعب يملأ جنبات هذا المسرح العريق وظل أرسطو بعيدا يتطلع إلى نظريته وهي تنهار على أيدي قتلة الفن والحياة.
لم يؤد الفن وظيفته كما يجب تلك الليلة، ففرقة "نسور الموت" التي كانت تحيي حفلا موسيقيا في مسرح باتاكلان مساء الاعتداءات على مدينة باريس، التي راح ضحيتها العشرات من الارواح البريئة، لم تستطع أن تؤدي معزوفة بصوت أعلى من صوت الأسلحة والرصاص، وعلى الرغم من اسمها الذي أظهر تلك الليلة مفارقة غريبة إلا أن الموت الحقيقي لا يعرف المفارقات في شكلها المجازي والفني، حيث للموت شكل واحد ولون واحد، ولا يعترف بفائض اللغة من استعارات وكنايات.
ولعل أرسطو كان يعني تماما هذه الحادثة المأساوية حين قال "ينبغي أن نستعين في المآسي بالأمور العجيبة والمخالفة للمألوف" أو ليست عجيبة هذه المفارقة حين تحمل الفرقة اسم الموت في حين تعزف للحياة، ويحمل الجمهور روح الحياة في حين يرتب لهم الموت وصفته المريرة على شكل مقطوعة موسيقية أخيرة، وكان الفن ليلتها صدى مفزعا لرقصة الأرواح البريئة الكثيرة التي علت مسرح باتاكلان.
ومن الجدير بالذكر أن هذا المسرح العريق يحمل اسم أوبريت شهير لأحد مؤسسي فن الاوبريت الفنان الفرنسي جاك اوفنباخ، الذي عرض في ديسمبر/كانون الأول عام 1855، وقد حقق هذا الاوبريت نجاحا كبيرا لاوفنباخ تلته أعمال كثيرة لاقت أيضا انتشارا وشهرة على مستوى عالمي.
باتاكلان الذي أصبح الجمعة مسرحا للموت، أٌقيم في بدايات القرن الماضي كمقهى غنائي على طراز صيني، وتكون من طابقين إذ ضم الطابق الأرضي منه مقهى ومسرحا، وضم الطابق الأول صالة كبيرة وهي ذات الصالة التي كانت تعزف فيها فرقة "نسور الموت" موسيقاها ليلة الحفلة الدموية، وفي هذه الصالة أيضا عرضت منذ بدايات القرن الماضي أهم المسرحيات العالمية والعروض الفنية والحفلات الموسيقية التي ظلت محفورة وخالدة في ذاكرة عشاق الفن من الجمهور العالمي والجمهور الفرنسي.
أما حفلة الجمعة وعرضه المرعب فسيظل حاضرا مثل وجع في خاصرة الفن، ولن ينس عشاق الحياة المسرحية التراجيدية التي مثلتها شخصيات لا تملك أدنى موهبة في عشق الجمال والفن والصخب، فأدوا أدوارا ممسوخة لكنهم حاكوا الموت بتفوق أعمى تتملكه غريزة العتمة الحالكة.