طلبة الهندسة والطب الفريسة الأسهل للتطرف
جو 24 : كشفت دراسة حديثة أن الغالبية العظمى من خريجي الجامعات الذين جندتهم الحركات الإسلامية المتطرفة في صفوفها، درسوا الهندسة والعلوم الطبيعية والطب، ولا أحد منهم تقريبا تخرج في كليات العلوم الاجتماعية والآداب.
وجاء في الدراسة التي أعدها خبير في المجلس الثقافي البريطاني، أن نصف من سمتهم "الجهاديين" -أي ما يعادل 48.5% منهم- الذين انخرطوا في تلك الحركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تلقوا نوعا من التعليم العالي، 44% منهم حاصلون على درجات في الهندسة. وترتفع هذه النسبة بين الجهاديين الغربيين إلى 59%.
وأظهرت دراسة عن "الإرهابيين" في تونس -التي أعمل فيها مهندس كهربائي قتلا للسياح على شاطئ سوسة في يونيو/حزيران الماضي- نسبا مماثلة. وأشارت دراسة أخرى إلى أن من بين 18 مسلما بريطانيا تورطوا في هجمات إرهابية، درس ثمانية منهم الهندسة أو تقنية المعلومات، وأربعة آخرون العلوم والصيدلة والرياضيات، في حين تلقى واحد فقط دروسا في العلوم الإنسانية.
كل ذلك لم يحدث من قبيل الصدفة، كما يستنتج معدّ الدراسة مارتن روز كبير مستشاري المجلس البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويحتوي التقرير الذي صاغه تحت عنوان "تحصين العقل" على جملة من الأفكار التي تدعم الزعم القائل إن تعليم العلوم الطبيعية فشل في غرس التفكير النقدي في أذهان الطلاب على النحو الذي تفعله الحوارات والنقاشات داخل قاعات الكليات الأدبية.
وابتدع روز فكرة "العقلية الهندسية" التي تجعل طلاب العلوم الطبيعية يقعون فريسة سهلة في أيدي "مجنديهم الإرهابيين"، على حد تعبير صحيفة غارديان البريطانية في تقريرها عن الدراسة.
واستفاد مارتن روز من سلسلة من الدراسات الأكاديمية وأحد ملفات المخابرات البريطانية الذي يصف المجند المثالي بأنه "ذكي وفضولي لكنه يطيع الأوامر من غير جدال".
ما أغفلته الدراسة هو أن ما يحتاجه هؤلاء الطلاب أفكارا يغرسها في أذهانهم أناس من ديانتهم تساعدهم على الانفتاح على الثراء الكامن في التعاليم التي شرعها الإسلام قبل ظهور الأصولية السلفية الغنية بالنفط "
وتتمحور ثقافة تدريس العلوم الطبيعية -كما يقول روز- حول فكرة غاية في السهولة تنظر إلى الأشياء عبر منظارين إما صواب وإما خطأ. وترى الدراسة أن هذه النزعة تضر بقدرة طلاب العلوم والهندسة على تنمية مهارات التفكير النقدي. وهذه ظاهرة لا تقتصر على الجامعات غير البريطانية، بحسب معد الدراسة الذي يلفت الانتباه إلى تقارير تتحدث عن ركون طلاب الطب من المسلمين البريطانيين على نحو متزايد إلى الأحكام المطلقة.
ربما هذا الاختلال في التوازن مَرَدُّه ببساطة إلى النداء الذي وجهه في سبتمبر/أيلول 2014 زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي إلى "القضاة والأطباء والمهندسين ومن لهم خبرات عسكرية وإدارية" للالتحاق بدولة الخلافة التي أنشأها. ومما لا شك فيه أن تنظيم الدولة بحاجة لمهندسي حقول نفطية وصانعي قنابل، لكن الشاهد أن العديد من المهندسين الذين التحقوا به أُسندت لهم أدوار غير فنية.
تقول غارديان إن هذا ربما يُعزى إلى أن الطب والهندسة والعلوم الطبيعية في العالم العربي هي كليات نخبة تستقطب أوائل الطلاب لأنها تضمن لهم وظائف وجيهة ومعتبرة.
ووفقا للدراسة التي أعدها روز، فإن 70% من الطلاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يدرسون علوما اجتماعية. ومع أن التدريس في تلك الأقسام الاجتماعية غالبا ما يكون متواضعا، فإن الطريقة التي ينتهجها والمعتمدة على الشرح والنقاش، تعمل على ما يبدو ضد يقينيات الفكر الجهادي العالمي الواضحة. ولربما هذا يفسر لماذا تخلت الجامعات في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة عن تدريس مناهج علم الآثار والفنون الجميلة والقانون والفلسفة والعلوم السياسية والرياضة إلى جانب الدراما وقراءة الروايات.
على أن هذا الأمر ليس بالجديد في بعض النواحي. ففي عام 2003 ورد في تقرير للأمم المتحدة عن التنمية أن مناهج التعليم العربية تساعد على ما يبدو نزعة الخضوع والطاعة والامتثال بدلا من التفكير النقدي.
إن ما فعله مارتن روز في دراسته هو تسليط الضوء على ثلاث سمات تميز "العقلية الهندسية"، الأولى أنها تسأل "لِمَ الجدال إذا كان هناك حل واحد هو الأفضل؟"، والثانية هي أنه "إذا كان الناس عقلانيين فإن العلاج يكون سهلا", والثالثة هي أنها تروق لأولئك التواقين لنظام مفقود أنه يكمُن في صلب الفكر السلفي والجهادي.
ويخلص روز في دراسته إلى أن على المجلس البريطاني -الذي تموله الحكومة لنشر الثقافة البريطانية حول العالم- أن يقحم نفسه في إصلاح التعليم بإضفاء "نزعة إنسانية" على تدريس المواد العلمية والفنية، ذلك أن تعليما ذا قاعدة عريضة من شأنه أن يمنح الطلاب ممن لهم طبيعة هشة أدوات فكرية تمكنهم من اكتساب نظرة استشرافية للأمور بعقلية منفتحة وفضولية تجعلهم لا يتقبلون الأفكار كمُسلَّمَات سواء كانت علمية أو سياسية.
بيد أنهم بحاجة لأشياء لا يمكن أن تأتيهم من خبراء ثقافة غربية، وأن ما أغفلته الدراسة -كما تشير غارديان في ختام تقريرها- هو أن ما يحتاجه هؤلاء الطلاب أفكارا يغرسها في أذهانهم أناس من ديانتهم تساعدهم على الانفتاح على الثراء الكامن في التعاليم التي شرعها الإسلام قبل ظهور "الأصولية السلفية الغنية بالنفط"
وجاء في الدراسة التي أعدها خبير في المجلس الثقافي البريطاني، أن نصف من سمتهم "الجهاديين" -أي ما يعادل 48.5% منهم- الذين انخرطوا في تلك الحركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تلقوا نوعا من التعليم العالي، 44% منهم حاصلون على درجات في الهندسة. وترتفع هذه النسبة بين الجهاديين الغربيين إلى 59%.
وأظهرت دراسة عن "الإرهابيين" في تونس -التي أعمل فيها مهندس كهربائي قتلا للسياح على شاطئ سوسة في يونيو/حزيران الماضي- نسبا مماثلة. وأشارت دراسة أخرى إلى أن من بين 18 مسلما بريطانيا تورطوا في هجمات إرهابية، درس ثمانية منهم الهندسة أو تقنية المعلومات، وأربعة آخرون العلوم والصيدلة والرياضيات، في حين تلقى واحد فقط دروسا في العلوم الإنسانية.
كل ذلك لم يحدث من قبيل الصدفة، كما يستنتج معدّ الدراسة مارتن روز كبير مستشاري المجلس البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويحتوي التقرير الذي صاغه تحت عنوان "تحصين العقل" على جملة من الأفكار التي تدعم الزعم القائل إن تعليم العلوم الطبيعية فشل في غرس التفكير النقدي في أذهان الطلاب على النحو الذي تفعله الحوارات والنقاشات داخل قاعات الكليات الأدبية.
وابتدع روز فكرة "العقلية الهندسية" التي تجعل طلاب العلوم الطبيعية يقعون فريسة سهلة في أيدي "مجنديهم الإرهابيين"، على حد تعبير صحيفة غارديان البريطانية في تقريرها عن الدراسة.
واستفاد مارتن روز من سلسلة من الدراسات الأكاديمية وأحد ملفات المخابرات البريطانية الذي يصف المجند المثالي بأنه "ذكي وفضولي لكنه يطيع الأوامر من غير جدال".
ما أغفلته الدراسة هو أن ما يحتاجه هؤلاء الطلاب أفكارا يغرسها في أذهانهم أناس من ديانتهم تساعدهم على الانفتاح على الثراء الكامن في التعاليم التي شرعها الإسلام قبل ظهور الأصولية السلفية الغنية بالنفط "
وتتمحور ثقافة تدريس العلوم الطبيعية -كما يقول روز- حول فكرة غاية في السهولة تنظر إلى الأشياء عبر منظارين إما صواب وإما خطأ. وترى الدراسة أن هذه النزعة تضر بقدرة طلاب العلوم والهندسة على تنمية مهارات التفكير النقدي. وهذه ظاهرة لا تقتصر على الجامعات غير البريطانية، بحسب معد الدراسة الذي يلفت الانتباه إلى تقارير تتحدث عن ركون طلاب الطب من المسلمين البريطانيين على نحو متزايد إلى الأحكام المطلقة.
ربما هذا الاختلال في التوازن مَرَدُّه ببساطة إلى النداء الذي وجهه في سبتمبر/أيلول 2014 زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي إلى "القضاة والأطباء والمهندسين ومن لهم خبرات عسكرية وإدارية" للالتحاق بدولة الخلافة التي أنشأها. ومما لا شك فيه أن تنظيم الدولة بحاجة لمهندسي حقول نفطية وصانعي قنابل، لكن الشاهد أن العديد من المهندسين الذين التحقوا به أُسندت لهم أدوار غير فنية.
تقول غارديان إن هذا ربما يُعزى إلى أن الطب والهندسة والعلوم الطبيعية في العالم العربي هي كليات نخبة تستقطب أوائل الطلاب لأنها تضمن لهم وظائف وجيهة ومعتبرة.
ووفقا للدراسة التي أعدها روز، فإن 70% من الطلاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يدرسون علوما اجتماعية. ومع أن التدريس في تلك الأقسام الاجتماعية غالبا ما يكون متواضعا، فإن الطريقة التي ينتهجها والمعتمدة على الشرح والنقاش، تعمل على ما يبدو ضد يقينيات الفكر الجهادي العالمي الواضحة. ولربما هذا يفسر لماذا تخلت الجامعات في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة عن تدريس مناهج علم الآثار والفنون الجميلة والقانون والفلسفة والعلوم السياسية والرياضة إلى جانب الدراما وقراءة الروايات.
على أن هذا الأمر ليس بالجديد في بعض النواحي. ففي عام 2003 ورد في تقرير للأمم المتحدة عن التنمية أن مناهج التعليم العربية تساعد على ما يبدو نزعة الخضوع والطاعة والامتثال بدلا من التفكير النقدي.
إن ما فعله مارتن روز في دراسته هو تسليط الضوء على ثلاث سمات تميز "العقلية الهندسية"، الأولى أنها تسأل "لِمَ الجدال إذا كان هناك حل واحد هو الأفضل؟"، والثانية هي أنه "إذا كان الناس عقلانيين فإن العلاج يكون سهلا", والثالثة هي أنها تروق لأولئك التواقين لنظام مفقود أنه يكمُن في صلب الفكر السلفي والجهادي.
ويخلص روز في دراسته إلى أن على المجلس البريطاني -الذي تموله الحكومة لنشر الثقافة البريطانية حول العالم- أن يقحم نفسه في إصلاح التعليم بإضفاء "نزعة إنسانية" على تدريس المواد العلمية والفنية، ذلك أن تعليما ذا قاعدة عريضة من شأنه أن يمنح الطلاب ممن لهم طبيعة هشة أدوات فكرية تمكنهم من اكتساب نظرة استشرافية للأمور بعقلية منفتحة وفضولية تجعلهم لا يتقبلون الأفكار كمُسلَّمَات سواء كانت علمية أو سياسية.
بيد أنهم بحاجة لأشياء لا يمكن أن تأتيهم من خبراء ثقافة غربية، وأن ما أغفلته الدراسة -كما تشير غارديان في ختام تقريرها- هو أن ما يحتاجه هؤلاء الطلاب أفكارا يغرسها في أذهانهم أناس من ديانتهم تساعدهم على الانفتاح على الثراء الكامن في التعاليم التي شرعها الإسلام قبل ظهور "الأصولية السلفية الغنية بالنفط"