جوري الخالدي... الطفلة التي أيقظت شعباً بأكمله
جو 24 : أمام إحدى المولات الواقعة في منطقة شمال الرياض، نزلت أم عبد الرحمن (35 عاماً) من مركبتها برفقة طفلتيها، أمسكت بأيديهما بحزم ودخلت تبحث عن متطلباتها من الملابس والأحذية، وهي تردد بضع كلمات على مسامعهم "ممنوع تتحركوا بعيد عني فاهمين"، النظرات المتبادلة بين الطفلين كانت كفيلة لتوصيل الرسالة لها "نعم.. فهمنا".
في المول هناك الكثير من الأطفال يلهون برفقة خادماتهم، وبعضهم اتخذوا من ساحاته وممراته ملعبا لهم، في الزاوية الأخرى انشغلت الأم في البحث عن مقاس يناسب قوامها، وما أن التفتت على يمينها لم تجد طفلتها الصغرى مريم، حال من الذعر والهلع سيطرت عليها وبدأت بالصراخ والبكاء والمناداة عليها.
مرت دقائق معدودات قبل أن تتجمع الكثير من السيدات بجانب أم عبد الرحمن للبحث عن طفلتها، لكن مريم لم تبتعد كثيراً، فقد أسرتها رائحة الحلويات و"الفشار"، فجلست بجانب بائع البالونات تتنظر والدتها، وما إن رأتها "الأم الملهوفة" حتى سارعت إلى احتضانها وتقبيلها، لكن والدتها أصرت أن تلقي اللوم عليها "فين كنتي يا بنتي"، تارة تضمها وأخرى تنتفض بين يديها في محاولة للسيطرة على نفسها.
تقول أم عبد الرحمن: "في السابق كنا نترك أطفالنا يلهون مع بعضهم أمام البيت أو في الأماكن العامة دون رقيب، لكن بعد سماعنا ومتابعتنا لقصة خطف الطفلة جوري وهي برفقة والديها، أصبحت لدينا حالة من الخوف والهلع طوال الوقت على أطفالنا، حتى أنني أقوم يومياً بالإتصال مع مديرة المدرسة لأكثر من مرة للاطمئنان عليهم، وأنا على يقين أنهم داخل الفصل".
بعد مضي أكثر من 20 يوماً على اختطاف الطفلة جوري الخالدي، التي كانت برفقة ذويها في إحدى المستوصفات الخاصة، عادت فأعادت الأمل والفرح لذويها ومتابعي قصتها، بعد أن استطاعت الأجهزة الأمنية العثور عليها في منزل خاطفيها بحي إشبيلية شرق مديتة الرياض.
قصة الجوري لم تمر مرور الكرام، بل حركت مشاعر السعوديين وتسببت بحالة من الصدمة التي شكلت الرأي العام بالمملكة فيما بعد، فالبعض قرر ان يتطوع للبحث عنها، والبعض الآخر رصد مبلغا مالياً لمن يدلي بأي معلومة عن خاطفها، ومن تبقى رفعوا إيديهم للسماء يرجون الله أن يعيدها بصحة وعافية.
الخطف في أرقام
شهدت المملكة عام 2012م نحو 131 قضية اختطاف بمعدل 11 قضية شهرياً، وجهت أغلب التهم فيها إلى سعوديين، إذ بلغ عدد المقدمين على الاختطاف من السعوديين 103 ومن الأجانب 28. واحتلت مكة الصدارة بمعدل 42 قضية تلتها الرياض بـ 35 قضية ثم الشرقية 33 قضية، وحازت المدينة على المرتبة الرابعة بمعدل 10 قضايا، ثم جازان بـ 4 قضايا، وحائل والباحة بقضيتين لكل منهما، بحسب إحصاء نشرته صحيفة "الشرق" السعودية.
وتُعرف عملية الخطف على أنها كل عمل من شأنه أن يؤدي إلى القبض على فرد او أكثر او حبسه او احتجازه بقصد إجبار طرف ثالث للإستجابة لتنفيذ أمرٍ ما، أو شرط ما، او الامتناع عن أداء عمل معين، كما تؤكد المستشارة القانونية هالة الحكيم.
وتضيف: "تتبع جريمة الخطف في المملكة العربية السعودية لحد الحرابة بحسب قرار هيئة كبار العلماء رقم 85 والصادر بتاريخ 11111401، والذي يعتبر أن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فساداً.
وبحسب ما يقتضي نظام الجرائم الكبرى في مادته الأولى من جرائم الحدود والقطع فإن جريمة الاختطاف بمفردها تعتبر من جرائم الحرابة والإفساد في الأرض التي تدخل في قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )، وعليه فأن القاضي يستند بعقوبته إلى الآية الكريمة.
جوري تلهم أبناء المملكة
"هي طفلة صغيرة، لكنا أيقظت شعبا ًبأكمله" بهذه الكلمات عبر سالم عبدالله (40 عاماً) وموظف في إحدى الشركات الخاصة عن رأيه بقضية جوري قائلاً: "شعرت بالخوف على أطفالي بعد قراءتي للقصة عبر المواقع الإخبارية، وتخيلت أنها طفلتي، توقفت أمام شاشة الهاتف لدقائق أنظر لصورة أبنائي، وأحاسب نفسي على عدم اهتمامي بأطفالي ومتابعتي الدائمة لهم، فأنا أقضي جل يومي في العمل".
وتعد مشكلة عدم وجود ثقافة موحدة للتعامل مع جرائم الخطف شائعة في المجتمع السعودي، حيث تسيطر حالة الهلع، الرعب، الإرتباك على ذوي الأطفال في حال خطف أطفالهم، في الوقت الذي يجب على الأسر أن تتعامل مع الموقف بكامل الوعي والمعرفة، كما يؤكد المستشار والباحث الإجتماعي خالد البيشي، الذي علق قائلا "يقع على عاتق الجهات التعليمية بالمملكة واجب تثقيف الأهل وأطفالهم في حال تعاملهم مع الأشخاص الغرباء أو في حال تعرضهم للخطف".
ويرى البيشي أنه لا توجد أسرة بمنأى عن الوقوع في مشكلة خطف أبنائها، سواء أثناء زيارة مجمع تجاري أو صحي، أو التواجد في مرفق عام، في حين أنه يجب على الأهل وضع هوية تعريفية مع الطفل حال خروجه من البيت لتسهيل عملية إيجاده في حال ضياعه أو اختطافه.
"جوري" ببراءتها وحداثة سنها، استطاعت أن تعلق الجرس أمام المسؤولين في مختلف الجهات، وذوي الأطفال بضرورة وجود ورش تدريبية لتأهليهم في آليات التعامل مع أطفالهم، وتثقيفهم حول طرق التعامل في حال حصول جريمة اختطاف أمامهم.mbc
في المول هناك الكثير من الأطفال يلهون برفقة خادماتهم، وبعضهم اتخذوا من ساحاته وممراته ملعبا لهم، في الزاوية الأخرى انشغلت الأم في البحث عن مقاس يناسب قوامها، وما أن التفتت على يمينها لم تجد طفلتها الصغرى مريم، حال من الذعر والهلع سيطرت عليها وبدأت بالصراخ والبكاء والمناداة عليها.
مرت دقائق معدودات قبل أن تتجمع الكثير من السيدات بجانب أم عبد الرحمن للبحث عن طفلتها، لكن مريم لم تبتعد كثيراً، فقد أسرتها رائحة الحلويات و"الفشار"، فجلست بجانب بائع البالونات تتنظر والدتها، وما إن رأتها "الأم الملهوفة" حتى سارعت إلى احتضانها وتقبيلها، لكن والدتها أصرت أن تلقي اللوم عليها "فين كنتي يا بنتي"، تارة تضمها وأخرى تنتفض بين يديها في محاولة للسيطرة على نفسها.
تقول أم عبد الرحمن: "في السابق كنا نترك أطفالنا يلهون مع بعضهم أمام البيت أو في الأماكن العامة دون رقيب، لكن بعد سماعنا ومتابعتنا لقصة خطف الطفلة جوري وهي برفقة والديها، أصبحت لدينا حالة من الخوف والهلع طوال الوقت على أطفالنا، حتى أنني أقوم يومياً بالإتصال مع مديرة المدرسة لأكثر من مرة للاطمئنان عليهم، وأنا على يقين أنهم داخل الفصل".
بعد مضي أكثر من 20 يوماً على اختطاف الطفلة جوري الخالدي، التي كانت برفقة ذويها في إحدى المستوصفات الخاصة، عادت فأعادت الأمل والفرح لذويها ومتابعي قصتها، بعد أن استطاعت الأجهزة الأمنية العثور عليها في منزل خاطفيها بحي إشبيلية شرق مديتة الرياض.
قصة الجوري لم تمر مرور الكرام، بل حركت مشاعر السعوديين وتسببت بحالة من الصدمة التي شكلت الرأي العام بالمملكة فيما بعد، فالبعض قرر ان يتطوع للبحث عنها، والبعض الآخر رصد مبلغا مالياً لمن يدلي بأي معلومة عن خاطفها، ومن تبقى رفعوا إيديهم للسماء يرجون الله أن يعيدها بصحة وعافية.
الخطف في أرقام
شهدت المملكة عام 2012م نحو 131 قضية اختطاف بمعدل 11 قضية شهرياً، وجهت أغلب التهم فيها إلى سعوديين، إذ بلغ عدد المقدمين على الاختطاف من السعوديين 103 ومن الأجانب 28. واحتلت مكة الصدارة بمعدل 42 قضية تلتها الرياض بـ 35 قضية ثم الشرقية 33 قضية، وحازت المدينة على المرتبة الرابعة بمعدل 10 قضايا، ثم جازان بـ 4 قضايا، وحائل والباحة بقضيتين لكل منهما، بحسب إحصاء نشرته صحيفة "الشرق" السعودية.
وتُعرف عملية الخطف على أنها كل عمل من شأنه أن يؤدي إلى القبض على فرد او أكثر او حبسه او احتجازه بقصد إجبار طرف ثالث للإستجابة لتنفيذ أمرٍ ما، أو شرط ما، او الامتناع عن أداء عمل معين، كما تؤكد المستشارة القانونية هالة الحكيم.
وتضيف: "تتبع جريمة الخطف في المملكة العربية السعودية لحد الحرابة بحسب قرار هيئة كبار العلماء رقم 85 والصادر بتاريخ 11111401، والذي يعتبر أن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فساداً.
وبحسب ما يقتضي نظام الجرائم الكبرى في مادته الأولى من جرائم الحدود والقطع فإن جريمة الاختطاف بمفردها تعتبر من جرائم الحرابة والإفساد في الأرض التي تدخل في قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )، وعليه فأن القاضي يستند بعقوبته إلى الآية الكريمة.
جوري تلهم أبناء المملكة
"هي طفلة صغيرة، لكنا أيقظت شعبا ًبأكمله" بهذه الكلمات عبر سالم عبدالله (40 عاماً) وموظف في إحدى الشركات الخاصة عن رأيه بقضية جوري قائلاً: "شعرت بالخوف على أطفالي بعد قراءتي للقصة عبر المواقع الإخبارية، وتخيلت أنها طفلتي، توقفت أمام شاشة الهاتف لدقائق أنظر لصورة أبنائي، وأحاسب نفسي على عدم اهتمامي بأطفالي ومتابعتي الدائمة لهم، فأنا أقضي جل يومي في العمل".
وتعد مشكلة عدم وجود ثقافة موحدة للتعامل مع جرائم الخطف شائعة في المجتمع السعودي، حيث تسيطر حالة الهلع، الرعب، الإرتباك على ذوي الأطفال في حال خطف أطفالهم، في الوقت الذي يجب على الأسر أن تتعامل مع الموقف بكامل الوعي والمعرفة، كما يؤكد المستشار والباحث الإجتماعي خالد البيشي، الذي علق قائلا "يقع على عاتق الجهات التعليمية بالمملكة واجب تثقيف الأهل وأطفالهم في حال تعاملهم مع الأشخاص الغرباء أو في حال تعرضهم للخطف".
ويرى البيشي أنه لا توجد أسرة بمنأى عن الوقوع في مشكلة خطف أبنائها، سواء أثناء زيارة مجمع تجاري أو صحي، أو التواجد في مرفق عام، في حين أنه يجب على الأهل وضع هوية تعريفية مع الطفل حال خروجه من البيت لتسهيل عملية إيجاده في حال ضياعه أو اختطافه.
"جوري" ببراءتها وحداثة سنها، استطاعت أن تعلق الجرس أمام المسؤولين في مختلف الجهات، وذوي الأطفال بضرورة وجود ورش تدريبية لتأهليهم في آليات التعامل مع أطفالهم، وتثقيفهم حول طرق التعامل في حال حصول جريمة اختطاف أمامهم.mbc