فتيات يعشن جحيم الزواج بالاكراه
بعد مضي 9 أعوام على زواج العشرينية هدى عبدالله، ما تزال حتى الآن، لا تسامح أهلها ولا تغفر لهم ما فعلوه بها، عندما أجبروها على الارتباط بزوجها.
كانت هدى تريد الارتباط بشخص آخر، تقدم لخطبتها بعد انتهائها من الجامعة، إلا أن أهلها رفضوه وأصروا على تزويجها من ذلك الشخص كونه أفضل من كافة النواحي برأيهم.
تقول هدى "قاومت قدر المستطاع في البداية، وتعرضت للضرب والشتم والإهانة، وعوملت كفتاة منبوذة، لا يجوز لأحد التواصل معها، ما دفعني للموافقة فارتديت فستان الزواج، دون أن تبدو عليّ أي ملامح للفرحة والابتهاج، وهو ما لاحظه الجميع، وحتى زوجي الذي أدرك ذلك من اليوم الأول".
وتتابع أنها كانت كل يوم تنتظر أن تتحسن نفسيتها، وتحب زوجها إلا أن ذلك كان ينقلب تماما عليها، مبينة أنها كانت كلما مضى الوقت يزداد حقدها على أهلها من جانب، ولا تطيق زوجها من جانب آخر.
وتضيف: "الآن بات كل منّا يعيش حياته على حدة، هو يعيش حياته كما يريد، لأني غير قادرة على تلبية مطالبه وهذا ملخص حياتي الزوجية".
في حين أن مروة السيد، كان تقدم إليها شخص في وقت لم تكن ترغب فيه بالزواج، إلى جانب كونه غير مناسب لها إطلاقا، إلا أن والدها أصر على الموافقة، ما جعلها تتشبث برأيها، وترفض بشدة بالرغم من كل الضغوطات التي تعرضت لها، وتوصلت إلى تهديد والدها بإحراجه بالرفض أمام "القاضي".
وبعد مضي أربع سنوات، تحولت حياة "مروة"، إلى جحيم في منزل والدها، الذي توعد لها منذ رفضها العريس وباتت تعامل مثلها مثل الخادمة في المنزل، تخدم كل الموجودين دون شكوى، وكل شيء يرمى عليها عدا عن الضرب والشتم والإهانة.
ولا تذكر مروة متى كانت آخر مرة خرجت منها من المنزل، أو حتى اشتريت شيئا لنفسها عدا عن سوء المعاملة، إلا أنها توصلت في النهاية، إلى أنها نادمة أشد الندم على رفضها الزواج، فمهما ساء الحال في هذا الزواج، إلا انه سيكون أهون لي من بيت أهلها في الوضع الحالي.
ويعد الاختصاصي الأسري أحمد عبدالله، أن اجبار الفتاة على الزواج، تصرف مرفوض شرعا وقانونا وأخلاقاً، مبينا أن فكرة الزواج في كل الأديان بنيت على موافقة الطرفين أصحاب العلاقة.
ويجد أن زواج المصالح كلها طرق خاطئة وأثرها على البنت والأسرة آثار سيئة جدا، خصوصا أنها تعيش كل حياتها في جو من الكراهية للأب أو كراهية الأهل، إذا بقيت في البيت وعوملت معاملة سيئة.
ويشير إلى أن فكرة الارتباط بشخص هي غير راغبة فيه، هو بمثابة سجن مؤبد، إلى جانب أنه مدمر لنفسيتها بالدرجة الأولى، إلا أن ما يحدث أن المعاملة التي تعاملها الفتاة في حال رفضت هي أسوأ بكثير من زواجها مجبرة، فحقها يكون مهضوما على كل الأصعدة.
ويرى أنه وفي حالات الاجبار، أن لا تتزوج الفتاة وذلك بأمر من القاضي، كون زواج الإجبار لا يقع إلا أن بعض البنود مغيبة، والسبب غياب العمل المؤسسي بشكل صحيح.
ولعل حال هدى، لا يختلف كثيرا عن مرام، التي ترى أن حياتها تحولت من فتاة في عمر الزهور، تريد عيش حياة زوجية بكافة تفاصيلها الحلوة والمرة وانجاب الأطفال، إلى "ممرضة" تقوم بخدمة رجل سيموت في أي لحظة، وتحمل عبء تنظيفه واطعامه والتغيير له، ما جعلها حاقدة على الدنيا كلها.
وتقول:"لن أسامح أهلي ما حييت على ما فعلوه بي، ورميي هذه الرمية مع رجل يكبرني بثلاثين سنة، فقد دمروا مستقبلي كوني سأصحو يوما لأجد نفسي وحيدة وأرملة، وأنا ما أزال في العشرينيات، إلا أني لا أقول سوى حسبي الله ونعم الوكيل بوالدي، الذي غصبني وضربني وباعني من أجل مبلغ تافه".
ويرى الاختصاصي الاجتماعي د. حسين الخزاعي أن ذلك مخالف جدا كونه يدخل في باب منح الفتاة حق اختيار الزوج وسلبه منها، وهو أمر لا يجوز شرعا ولا اجتماعيا، ويلحق الضرر فيها، حتى لو تمت الموافقة ارضاء للأسرة.
اختصاصي الشريعة د. منذر زيتون يرى أن الشرع يرفض اجبار الفتاة على الزواج، وجعل اختيارها للزواج قرار تملكه هي فقط، مبينا أن اشتراط الاسلام وجود الولي، لا يعني أنه أسند القبول والرفض له،إنما هو كقوة وحماية لها فقط.
ويشير الى أن المرأة لا بد أن يأخذ برأيها وأن تختار زوجها، لافتا إلى أن المرأة اذا أجبرت، فحقها أن ترفض وتطلب من القاضي الحماية، خصوصا أن القاضي يطلب سماع رأيها.
ويقول: "إن بامكان القاضي قانونيا أن يكتب على الأب تعهدا بعدم التعرض لابنته اطلاقا، وبهذه الطريقة تحمي نفسها، وعلى القاضي احترام رأيها وتوفير الحماية لها، خصوصا في حالات الزواج من شخص كبير جدا في العمر".
ويشير إلى أن القانون يبين أنه إذا تجاوز فارق العمر بين الزوجين عدد سنوات، على القاضي التأكد من سلامة هذا الزواج وأن الفتاة ترغب به حقا.
ويقول الاختصاصي النفسي د. أحمد الشيخ إن هذه الممارسات التي يقوم بها الآباء، والتي تتنافى مع الحقوق الأولى للاختيار التي تنص عليها الأديان، بمعنى أنه يتم اجبارها على الزواج، أو المعاملة السيئة من قبل الأهل وهو ما يضع الفتاة في مأزق الاختيار بين أمرين أحلاهما مر.
ويؤكد عدم جواز ذلك لأن آثاره النفسية ستكون واضحة، سواء في حال الارتباط، اضافة الى الآثار الناتجة عن تحملها مشاعر سلبية من قبل أهلها، بسبب رفضها لهذا الزواج، مبينا أن ادراك الأهل للأمر على أنه فرصة هو أمر خاطئ،" حتى لو كان مناسبا فأين دور الفتاة في تقرير مصيرها"، وفق استفساره.
ويؤكد الشيخ أن ذلك سيسبب آثارا سلبية وخيمة، كون الزواج المشروع يتضمن علاقة انسانية، فاذا نشأ على عدم التقبل منذ البداية، فالتوقعات ستكون سلبية جدا كونه قائما على الرفض، وكذلك فإن الفتاة لا يمكنها التكيف بعد فترة حتى لو الأهل أقنعوا نفسهم بهذه الفكرة الوهمية.الغد