المال السياسي يطفو على السطح مع اقتراب الانتخابات
مع بدء العد التنازلي لموعد انتخابات المجلس النيابي السابع عشر، تطل ظاهرة المال السياسي، واستغلال النفوذ المالي والاقتصادي في الانتخابات، برأسها من جديد، للتأثير على إرادة ناخبين، ما يدفع مراقبين للتحذير من تفشيها، بخاصة مع تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين.
وينبه مراقبون وسياسيون من ظاهرة المال السياسي تؤثر سلبا على توجهات الناخبين، وتخالف القانون، وتصادر إرادة ناخبين. داعين الجهات الرسمية إلى التشديد في التصدي لهذه الظاهرة، التي تضرب نزاهة الانتخابات، وتضر بالعملية القانونية.
وزير التنمية السياسية السابق موسى المعايطة، وصف المال السياسي بـ"المال الانتخابي"، مؤكداً صعوبة حصره والقضاء عليه، لأن قانون الانتخاب الحالي والهيئة المستقلة للانتخابات، يقللان من هذه الظاهرة ومدى تأثيرها.
وأشار المعايطة إلى أن وجود أحزاب سياسية ممثلة بشكل حقيقي لكافة التيارات المختلفة، وتمثل مصالح المجتمع، عبر ما تقدمه من برامج حقيقية تهم المواطن، سيقلل من ظاهرة المال الانتخابي، فضلاً عن مدى وعي المواطن بنزاهة الانتخابات، وجدية تعامل الهيئة، وحرصها على إدارة دفة العملية الانتخابية، بعيداً عن أي محاولات لتشويه سمعة العملية الانتخابية عبر الإجراءات التي تقوم بها الهيئة.
وتطرق المعايطة إلى أن المال الانتخابي، يأخذ عدة أشكال وأساليب، عبر المرشحين أنفسهم، إذ يقومون بشراء الأصوات، أو عن طريق مجموعات تعمل لدى المرشحين، تمول بشكل كبير حملات انتخابية.
وبين المعايطة أن هذه الظاهرة لا يمكن حلها نهائيا بسهولة، داعياً لوضع حد أعلى للسقف المالي للحملات الانتخابية، وتحديد آليات صرفها وإنفاقها.
وأشار إلى وجود مسؤولية مشتركة على الدولة والمواطن في قضية المال الانتخابي، الدولة بتطبيقها للقانون، والمواطن بمدى وعيه في هذه القضية، والذي يعتمد بشكل كبير ايضاً على دور مؤسسات المجتمع المدني. وشهدت الانتخابات السابقة، حمى تفشي ظاهرة المال السياسي واستغلال حاجة المواطن وفاقته وعوزه، وتم توظيف ذلك في اللعبة الديمقراطية، على الرغم من وجود استحقاق عقابي رسمي لكل من يدان بامتهان واستغلال المال، للتأثير على استحقاقات اللعبة الديمقراطية ونتائجها.
وتتعدد أشكال المال السياسي حسب المحافظة والمرشح؛ اذ تجد لكل مرشح طريقته السرية وسماسرة أصوات يستغلون الظروف الاقتصادية التي يعاني منها المواطن.
ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات تطل ظاهرة المال السياسي برأسها، بخاصة أن تلك الظاهرة، افقدت مجلس النواب الحالي هيبته وجعلته عرضة للنقد بشكل واضح، ولربما أسهم ذلك بتدني مستوى أداء المجلس مما أفضى في النهاية لتزايد الدعوات المطالبة بحله.
ويؤكد عميد كلية القانون في جامعة عمان العربية الدكتور محمد الغزو، أهمية تفعيل المادة 25 من قانون الانتخاب، التي تنص على انه "يحظر على أي مرشح أن يقدم من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية، هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية، أو غير ذلك من المنافع، أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو اعتباري، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بالوساطة، كما يحظر على أي شخص أن يطلب لنفسه او لغيره أي هدايا أو تبرعات أو مساعدات أو الوعد بها من أي مرشح".
وبين الغزو أن الأصل في الانتخابات؛ النزاهة والشفافية، مشيرا إلى أن ظاهرة المال السياسي تشوه عملية الانتخاب، في ظل وجود نص صريح وواضح في الدستور ينص على سلامة الانتخاب وعدم العبث بسير العملية الانتخابية.
وأكد الغزو ان المال السياسي محرم ويفسد العملية الانتخابية، ويشكل جريمة يعاقب عليها القانون، بخاصة أنه يفرز نوابا لا يعتبرون ممثلين للشعب والوطن، بل جاءوا بالمال.
وبين الغزو أن المشرع حرص على تقنين الجرائم التي تحدث قبل العملية الانتخابية وأثناءها وبعدها، باعتبارها مخالفة لكل القيم والأسس التي تقوم عليها الديمقراطية.
وشهدت الانتخابات النيابية السابقة، حالات تورط أصحابها بشراء أصوات، دون صدور أحكام قضائية فيها، بخاصة أن إثبات حالة شراء الأصوات يتطلب أدلة صوتية ومرئية، بحسب قانونيين.
من جهته، قال نقيب المحامين الأسبق صالح العرموطي؛ ان "المال السياسي يؤدي الى تشويه السلطة التشريعية التي هي في الأصل، سلطة رقابية"، كما يشكل جريمة يعاقب عليها القانون.
وبين العرموطي أنه لا يجوز استعمال المال السياسي للوصول إلى قبة البرلمان، باعتباره يتعارض مع مبدأ الديمقراطية، ويتعدى على حرية الرأي والتعبير.
واعتبر العرموطي أن المال السياسي يؤدي إلى الحجر على عقل وفكر الناخب، ويحول دون ممارسة حقه الذي نص عليه الدستور والقانون، وبالتالي فإن أي توظيف له، يفرز نوابا غير مؤهلين لتمثيل الوطن والمواطن، ولا يكون لهم ثقل على مستوى المجلس أو القواعد الشعبية، ويسهم بضعف أداء المجلس التشريعي والرقابي.
وأضاف العرموطي أن على الناخبين مسؤولية ايضا في هذا الاطار، فشراء الاصوات والمال السياسي خطير ومفسد للنزاهة، مناشدا الناخبين بعدم السماح للمساومة على خياراتهم.
وكانت دائرة الإفتاء العام، حرمت سابقا على المرشحين دفع المال للناس، سواء كان نقداً أو على شكل هدايا، مقابل انتخابهم وحشد الأصوات لصالحهم، وأشارت الفتوى آنذاك إلى أنه "من غير اللائق بالمواطن الأردني أن يتعامل مع قضية الانتخابات بهذا الأسلوب، ومن غير اللائق على النائب كذلك أن يحشد الأصوات لصالحه بهذه الطريقة، ومما يذمّ به المجتمع أن تكون المجالس النيابية قائمة على شراء الضمائر".
المحامي الدكتور غازي الذنيبات، أشار إلى أن المشرع في قانون الانتخاب لعام 2012، أحسن الفعل عندما نص في المادة 63 منه على تجريم المال السياسي كوسيلة للتأثير على إرادة الناخبين، وفرض عقوبة مغلظة على استخدامه.
وصنف هذه الجريمة ضمن الجنايات، وعاقب مقترفها بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن ثلاثة أعوام ولا تزيد على سبع.
كما وسع المشرع من نطاق التجريم؛ ليشمل كل من أعطى ناخبا مباشرة أو بصورة غير مباشرة أو أقرضه أو عرض عليه أو تعهد بأن يعطيه مبلغا من المال، أو منفعة أو أي مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص، أو الامتناع عن الاقتراع أو للتأثير في غيره للاقتراع.
وبين الذنيبات أن المشرع لم يقف عند حدود ملاحقة المترشحين للانتخابات، بل جرم الناخبين ممن قبلوا أن يكونوا في الجهة المقابلة، لتشمل كل من قبل أو طلب مباشرة أو بصورة غير مباشرة مبلغا من المال أو قرضا أو منفعة، أو أي مقابل آخر لنفسه أو لغيره، بقصد أن يقترع على وجه خاص، أو أن يمتنع عن الاقتراع أو ليؤثر في غيره للاقتراع أو للامتناع عن الاقتراع، ونص على معاقبتهم بالعقوبة المقررة لمرشحي الانتخابات ذاتها.
كما وسع من نطاق التجريم الشخصي عندما شمل بالعقوبة المقررة ذاتها لفاعل الجريمة، كلا من الشريك أو المتدخل أو المحرض على ارتكاب أي من هذه الجرائم المنصوص عليها .
وبين الذنيبات ان جميع جرائم الانتخاب المنصوص عليها في هذا القانون، تسقط بالتقادم بعد مرور ثلاثة اعوام من تاريخ إعلان النتائج النهائية للانتخابات.
وتطرق الذنيبات إلى المسائل التي عني بها المشرع على نحو إيجابي، لإطالة المدة المقررة لسقوط هذه الجرائم بالتقادم، فقد كانت هذه الجرائم تسقط بالتقادم بمرور ستة أشهر في قوانين سابقة، تنبه لها المشرع وجعلها ثلاثة أعوام من تاريخ إعلان النتائج النهائية للانتخابات.
ولفت إلى انه كان الاحرى بالمشرع ان يساوي بينها وبين غيرها من الجنايات، ويجعل من تقادم الجنايات في قواعد القانون العامة اساسا لذلك في هذه الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
وأشار الذنيبات الى قول سيدنا عمر رضي الله عنه "لا خير في حق لا نفاذ له" ولا خير في قانون لا نفاذ له، معتبراً ان الكرة الآن في مرمى سلطات الدولة القضائية والتنفيذية لوضع هذا النص موضع التنفيذ وملاحقة المال السياسي الفاسد جديا، تحقق الردع العام والخاص وتحد من هذه الجريمة، فهذه النصوص كانت سارية تقريبا عند إجراء الانتخابات السابقة الا اننا لم نشهد اي ملاحقة جدية لها. الغد