بين المناكفة والحرد.. السلطة تنتقل من خطاب "الأمن والامان" إلى مغامرة التأويل
كتب تامر خرمه
الخلاف السياسي مع الحركة الإسلامية لا يبرر لأية جهة كانت ذلك التحشيد والتحريض ضد "المسيرة الكبرى" التي من المقرر تنظيمها يوم الجمعة القادم، للمطالبة بالإصلاح السياسي واجتثاث الفساد.. إلا في حال قررت قوى التجييش الإعلان صراحة عن مناوءتها للإصلاح السياسي والاقتصادي، وتبنّت خطاباً يعترف بعدائها للشعب.
عناوين مسيرة "جمعة إنقاذ وطن" بلغت من الوضوح ما لا يحتمل التأويل، وهي لا تخرج عن دائرة المطالبة بالإصلاح، وحماية حرية الإعلام، والتراجع عن حملة الاعتقالات السياسية ضد نشطاء الحراك.. ومن غير المبرر أن تمعن بعض الجهات في التأويل وإطلاق الاتهامات على منظمي المسيرة عبر استغلال مخاوف الناس من "إثارة الفتنة" و"نظرية المؤامرة".
كما أن القوى السياسية المناهضة للمسيرة كانت منذ بداية الحراك الشعبي جزء من ائتلاف يضم الاسلاميين إلى جانب غيرهم، ومن الصعوبة فهم مواقف هذه القوى في مناهضة فعالية الجمعة المقبلة، والتي تعدّ نقطة تحول هامة في صيرورة الحراك الشعبي، لا سيما بعد أن بلغ السيل الزبى، في ظل تعنت الدولة وإمعانها في تجاهل مطالب الشارع ومصادرة الحريات.
أما السلطة التي تسعى لتشويه الواقع، واختلاق أهداف وهمية لجمعة إنقاذ الوطن، فقد بالغت في تهويلها، مغامرةً بالأمن المجتمعي عبر تجنيد كتائب الإعلاميين والتحشيد لمسيرة مناوئة، لتحوّل المسألة إلى استفتاء على الولاء للملك وشرعية النظام، دون أن يرد هذا في سياسات الحركة الإسلامية أو غيرها من القوى المنظمة.
في مختلف المحطات السياسية، لم تبلغ علاقة الاسلاميين بالنظام درجة التناقض او التضاد.. وجلّ ما تنادي به الحركة الاسلامية هو إجراء بعض الإصلاحات التي لا يختلف على جوهرها أحد، سواء أكان ينتمي إلى صفوف المعارضة أو مدافعا عن خطاب السلطة، ولا تتجاوز الاختلافات في وجهات النظر مسألة الآليات، حيث أن الإصلاح -وليس التغير- يشكل جوهر الخطاب السياسي لدى الطرفين.
أما تجييش مؤسسات الدولة وطلبة المدارس لتنظيم مسيرة مناوئة تظهر المسألة على انها استفتاء على الشرعية، فلا يمكن اعتباه سوى مغامرة لا يملك مقترفوها تحمل مسؤولية نتائجها وتبعاتها، خاصة بعد لجوئهم إلى سياسة الحرد الأمني، ردا على تصريحات القيادي في الحركة الاسلامية، زكي بني ارشيد.
أن يتخلى الأمن عن دوره في حماية المسيرات الإصلاحية، في ظل حملة تحريض غير مبررة، يدلل على اللامنطق الذي تتسم به سياسة المناكفة، والتي لا يمكن لها أن تبرّر ما قد ينتج عن مثل هذه المغامرة.. فلا شيء يعفي "الأمن" من مسؤولياته.. أو لنقل أن السلطة لن تستطيع -إذا وقع المحظور- الاستمرار في خطاب "الأمن والأمان" لتبرير تجاهلها للمطالب الشعبية، وخاصة المتعلقة بالبعد الاقتصادي.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا.. هل يمكن الاكتفاء بتحقيق "أمن الدولة" –غير المهدد- وتجاهل الأمن المجتمعي الذي تتربص به مغامرة تأويل خطاب الإصلاح.. وفي حال أصرت الأجهزة الأمنية على التغيّب عن مسيرة الجمعة، والاستمرار في حملة التحريض، هل يمكن لصناع القرار وجهابذة المطبخ الأمني- السياسي تحمّل مسؤولية النتائج المفتوحة على كل الاحتمالات ؟!