الأردن الباحث عن دور إقليمي... هل يغرق في المستنقع السوري؟
جو 24 : ثلاثة تحالفات رسمية إقليمية ودولية دخلها الأردن في سنة وبضعة شهور في رحلته لمكافحة الإرهاب، عدا عن دخوله في تحالفات أمنية غير معلنة، في منطقة يلتبس فهم طبيعة وتعقد الصراعات والمصالح فيها إلى درجة تستعصي على أي تحليل.
هذه التحالفات هي "الدولي لمكافحة الارهاب" بقيادة الولايات المتحدة الذي نشأ صيف العام الماضي عقب احتلال تنظيم (داعش) للموصل وأجزاء واسعة من سوريا. والثاني هو "التحالف الاقليمي الاسلامي" بقيادة السعودية الذي أنشئ عقب الأزمة اليمنية. والاخير، أعلن عنه قبل نحو شهر، وهدفه مكافحة الارهاب.
بين البحث عن دور في الإقليم، تبقي المملكة الهاشمية مطلوبة دوليا وإقليميا، والإفلات من لعنة وارهاصات ثورات الربيع العربي، والأزمة الاقتصادية الخانقة والمزمنة، دون دعم كاف من الحلفاء ينقذها منها، وجدت عمّان نفسها نهبا لإملاءات وابتزاز معظم الأطراف التي كانت علاقاتها تتبدل وتختلف وتتوافق وفق معطيات مصلحية تكتيكية والتطورات على الأرض.
التدخل الروسي
بعد التدخل الروسي بدأ التغير في الموقف الاردني ناعما وغير مستفز، فالاردن فتح قناة اتصال مع روسيا لضمان ألا تُحدث موسكو تحولات عملياتية كبيرة في الجنوب السوري المفتوح على كامل الحدود الاردنية الشمالية.
وعبر الاردن عن قلقه من أن أي عمليات واسعة ستدفع اليه مزيداً من اللاجئين، والاخطر هو هروب أعضاء جبهة "النصرة" في الجنوب إليه.
كما ان عمّان وتل أبيب لا تريدان "حزب الله" و"الحرس الثوري" في منطقة درعا والقنيطرة، وبدا أن عمّان أخذت ضمانات من موسكو بأن تنسق معها عملياتها في الجنوب وألا تُحدث فيها تطورات كبيرة تؤثر على أمن المملكة.
خط عمان - دمشق
يحاول الروس على ما يبدو فتح قناة اتصال عميقة بين الاردن ونظام الأسد وبعد الانخراط الروسي القوي بالأزمة السورية، جرى تداول معلومات ان اللواء علي مملوك، الرجل القوي في المنظومة الامنية السورية، زار المملكة قبل نحو اسبوعين ووقتها قيل انه سلمها قائمة بالتنظيمات الإرهابية.
لكن بعض التسريبات تقول ان مملوك طلب من عمّان السماح بمرور قوات سورية في المنطقة الحدودية بين البلدين لتطبق على درعا وبما يضمن للاردن عدم فرار أعضاء "النصرة" اليه غير ان التسريبات لا تشير إلى أن الاردن أعطى جوابا على هذا الطلب.
التنسيقات مع روسيا ضمنت لموسكو وطهران والأسد عدم تفعيل غرفة عمليات الجبهة الجنوبية (الموك) - و"مجموعة فصائل الجبهة" التي كانت تنسق مع "الموك" لتحرير كامل درعا، لكنها فشلت خمس مرات في تحقيق ذلك... العمل كان بتنسيق أردني - سعودي... لكن قرارا أردنيا أميركيا أفشل المحاولات.
بعد وقف عمليات الجبهة الجنوبية، وخصوصا بعد التدخل الروسي، نزحت إلى الاردن معظم قيادات فصائل جنوب سوريا (الحديث عن 18 من القادة)... فيما بدا أنه إنهاء غير مباشر لجبهة الجنوب... وبما بات يتيح لقوات الأسد تحقيق بعض التقدم، كان آخره في منطقة الشيخ مسكين الاستراتيجية المطلة على طريق درعا – دمشق.
الفخ الروسي
روسيا، ونتيجة تنسيق الاردن والتزامه، قررت منحه دورا، لكن في قلب هذا الدور كان الفخ الذي يُعتقد انه وسع خلافه مع السعودية وقطر وتركيا، وحتى إيران، وهو "إعداد قائمة التنظيمات الارهابية".
في البداية كان المطلوب ان يُعد الاردن القائمة، ومن ثم استدرك الامر وأصبح الدور هو التنسيق بين مختلف الاطراف (المتنازعة) لإعداد القائمة لتخفيف تداعيات "الفخ". وفعلاً نسق الاردن القائمة وهي غير معروفة بالكامل بعد (...) لكن الإيرانيين رفضوا القائمة لأنها تضمنت الحرس الثوري الايراني.
أنقرة ضغطت بدورها لضم قوات حماية الشعب الكردي للقائمة لكن واشنطن وموسكو رفضتا، فيما طلبت أنقرة والدوحة عدم ضم "أحرار الشام"، أما طهران فترغب في تصنيف أوسع طيف من التنظيمات والفصائل كقوى إرهابية وألا يتضمن التصنيف مليشياتها و"حزب الله".
الكرملين والبيت الأبيض بالمحصلة لم يعتمدا قائمة الاردن وتقرر في اجتماع مجموعة دعم سوريا في نيويورك تشكيل لجنة دولية سباعية لوضع قائمة جديدة قبل 25 الشهر المقبل.
الاردن، الذي كان يظن أنه أحسن صنعا، اكتشف أنه أقحم نفسه في مأزق مع دول لم تعجبها القائمة.. كما استعدى التنظيمات التي ضمها للقائمة.
روسيا ضمنت ان الاردن سيتمسك بالتنسيق معها بشكل أكبر لمخاوفه، ولأن دولا تحالف معها لم تعد ترتاح لتقاربه مع موسكو، وتعطيله، ولو نسبياً، جبهة الجنوب (الملعب السعودي).
إلى أين؟
يعتقد المحللون أن المملكة دخلت نفقاً مظلماً وأزمة اقتصادية غير مسبوقة، أبرز ملامحها ارتفاع غير مسبوق للمديونية التي وصلت إلى 33 مليار دولار، أي ما نسبته (90,9 بالمئة) من الناتج المحلي الإجمالي، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية التي تنذر بفتح "صندوق باندورا" الإغريقي بما فيه من "شرور".
وتزداد قتامة الصورة بتسيّد الشعور الجمعي بوجود حال من الارتباك في اتخاذ القرار السياسي الأردني المرتهن لتسارع المتغيرات في الإقليم والعالم وتبدل المصالح، وكذا التجاذبات المتناقضة، خصوصا، التي تجعل عمّان تتنقل، بلا استراتيجية واضحة، بين هذه المتناقضات، مع مزيد من التورط في المستنقع السوري.
أمام هذا المشهد، يتساءل الأردنيون: إلى أين نحن ذاهبون في ما يبدو أنه "عالم بلا خرائط"؟
(النهار - عمر العساف)
هذه التحالفات هي "الدولي لمكافحة الارهاب" بقيادة الولايات المتحدة الذي نشأ صيف العام الماضي عقب احتلال تنظيم (داعش) للموصل وأجزاء واسعة من سوريا. والثاني هو "التحالف الاقليمي الاسلامي" بقيادة السعودية الذي أنشئ عقب الأزمة اليمنية. والاخير، أعلن عنه قبل نحو شهر، وهدفه مكافحة الارهاب.
بين البحث عن دور في الإقليم، تبقي المملكة الهاشمية مطلوبة دوليا وإقليميا، والإفلات من لعنة وارهاصات ثورات الربيع العربي، والأزمة الاقتصادية الخانقة والمزمنة، دون دعم كاف من الحلفاء ينقذها منها، وجدت عمّان نفسها نهبا لإملاءات وابتزاز معظم الأطراف التي كانت علاقاتها تتبدل وتختلف وتتوافق وفق معطيات مصلحية تكتيكية والتطورات على الأرض.
التدخل الروسي
بعد التدخل الروسي بدأ التغير في الموقف الاردني ناعما وغير مستفز، فالاردن فتح قناة اتصال مع روسيا لضمان ألا تُحدث موسكو تحولات عملياتية كبيرة في الجنوب السوري المفتوح على كامل الحدود الاردنية الشمالية.
وعبر الاردن عن قلقه من أن أي عمليات واسعة ستدفع اليه مزيداً من اللاجئين، والاخطر هو هروب أعضاء جبهة "النصرة" في الجنوب إليه.
كما ان عمّان وتل أبيب لا تريدان "حزب الله" و"الحرس الثوري" في منطقة درعا والقنيطرة، وبدا أن عمّان أخذت ضمانات من موسكو بأن تنسق معها عملياتها في الجنوب وألا تُحدث فيها تطورات كبيرة تؤثر على أمن المملكة.
خط عمان - دمشق
يحاول الروس على ما يبدو فتح قناة اتصال عميقة بين الاردن ونظام الأسد وبعد الانخراط الروسي القوي بالأزمة السورية، جرى تداول معلومات ان اللواء علي مملوك، الرجل القوي في المنظومة الامنية السورية، زار المملكة قبل نحو اسبوعين ووقتها قيل انه سلمها قائمة بالتنظيمات الإرهابية.
لكن بعض التسريبات تقول ان مملوك طلب من عمّان السماح بمرور قوات سورية في المنطقة الحدودية بين البلدين لتطبق على درعا وبما يضمن للاردن عدم فرار أعضاء "النصرة" اليه غير ان التسريبات لا تشير إلى أن الاردن أعطى جوابا على هذا الطلب.
التنسيقات مع روسيا ضمنت لموسكو وطهران والأسد عدم تفعيل غرفة عمليات الجبهة الجنوبية (الموك) - و"مجموعة فصائل الجبهة" التي كانت تنسق مع "الموك" لتحرير كامل درعا، لكنها فشلت خمس مرات في تحقيق ذلك... العمل كان بتنسيق أردني - سعودي... لكن قرارا أردنيا أميركيا أفشل المحاولات.
بعد وقف عمليات الجبهة الجنوبية، وخصوصا بعد التدخل الروسي، نزحت إلى الاردن معظم قيادات فصائل جنوب سوريا (الحديث عن 18 من القادة)... فيما بدا أنه إنهاء غير مباشر لجبهة الجنوب... وبما بات يتيح لقوات الأسد تحقيق بعض التقدم، كان آخره في منطقة الشيخ مسكين الاستراتيجية المطلة على طريق درعا – دمشق.
الفخ الروسي
روسيا، ونتيجة تنسيق الاردن والتزامه، قررت منحه دورا، لكن في قلب هذا الدور كان الفخ الذي يُعتقد انه وسع خلافه مع السعودية وقطر وتركيا، وحتى إيران، وهو "إعداد قائمة التنظيمات الارهابية".
في البداية كان المطلوب ان يُعد الاردن القائمة، ومن ثم استدرك الامر وأصبح الدور هو التنسيق بين مختلف الاطراف (المتنازعة) لإعداد القائمة لتخفيف تداعيات "الفخ". وفعلاً نسق الاردن القائمة وهي غير معروفة بالكامل بعد (...) لكن الإيرانيين رفضوا القائمة لأنها تضمنت الحرس الثوري الايراني.
أنقرة ضغطت بدورها لضم قوات حماية الشعب الكردي للقائمة لكن واشنطن وموسكو رفضتا، فيما طلبت أنقرة والدوحة عدم ضم "أحرار الشام"، أما طهران فترغب في تصنيف أوسع طيف من التنظيمات والفصائل كقوى إرهابية وألا يتضمن التصنيف مليشياتها و"حزب الله".
الكرملين والبيت الأبيض بالمحصلة لم يعتمدا قائمة الاردن وتقرر في اجتماع مجموعة دعم سوريا في نيويورك تشكيل لجنة دولية سباعية لوضع قائمة جديدة قبل 25 الشهر المقبل.
الاردن، الذي كان يظن أنه أحسن صنعا، اكتشف أنه أقحم نفسه في مأزق مع دول لم تعجبها القائمة.. كما استعدى التنظيمات التي ضمها للقائمة.
روسيا ضمنت ان الاردن سيتمسك بالتنسيق معها بشكل أكبر لمخاوفه، ولأن دولا تحالف معها لم تعد ترتاح لتقاربه مع موسكو، وتعطيله، ولو نسبياً، جبهة الجنوب (الملعب السعودي).
إلى أين؟
يعتقد المحللون أن المملكة دخلت نفقاً مظلماً وأزمة اقتصادية غير مسبوقة، أبرز ملامحها ارتفاع غير مسبوق للمديونية التي وصلت إلى 33 مليار دولار، أي ما نسبته (90,9 بالمئة) من الناتج المحلي الإجمالي، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية التي تنذر بفتح "صندوق باندورا" الإغريقي بما فيه من "شرور".
وتزداد قتامة الصورة بتسيّد الشعور الجمعي بوجود حال من الارتباك في اتخاذ القرار السياسي الأردني المرتهن لتسارع المتغيرات في الإقليم والعالم وتبدل المصالح، وكذا التجاذبات المتناقضة، خصوصا، التي تجعل عمّان تتنقل، بلا استراتيجية واضحة، بين هذه المتناقضات، مع مزيد من التورط في المستنقع السوري.
أمام هذا المشهد، يتساءل الأردنيون: إلى أين نحن ذاهبون في ما يبدو أنه "عالم بلا خرائط"؟
(النهار - عمر العساف)