خارطة الاخوان بعد زلزال الاستقالات..!
حسين الرواشدة
جو 24 : تعكس الاستقالات التي قدمها نحو (300) عضو من حزب جبهة الاخوان المسلمين ازمة حقيقية داخل جماعة الاخوان المسلمين ، ومع انها ليست مفاجئة الا انها تؤسس لحالة جديدة ومختلفة( نقطة تحول ان شئت) سيكون لها استحقاقاتها ، سواء على صعيد الجماعة او الحياة السياسية والاجتماعية في بلادنا. من المفارقات هنا ان الذين استقالوا من الحزب فعلوا ذلك احتجاجا على “عناد” قيادات الجماعة الحالية وعدم قبولها بالمبادرات التي قدمت اليهم ، الا انهم (المستقيلون) ما زالوا مصرين على البقاء في الجماعة حتى وان خرجوا من حزبها السياسي ، ومن المفارقات ايضا ان ردود فعل الحزب ، كما اعلنها امينه العام ورئيس مجلس الشورى، اتسمت بالانكار اولا ثم بالحدة والشدة ، وكأن ما حدث مسألة عابرة بل ومطلوبة ،لا تستحق اي نقاش عام ناهيك عن حل امانة الحزب مثلا كاعتراف بفشلها في تطويق الازمة. المفارقة الثالثة هي ان الاستقالات ، بحجمها ودلالالتها الرمزية، اظهرت جزءا من المسكوت عليه ، لكنها لم تحسم حالة الفرز النهائي بعد، ففي داخل الجماعة ثمة تحولات معقدة ومتشابكة ستتمخض بلا شك عن بروز تيارات واتجاهات اخرى ، من شأنها ان “تفتت” الجماعة ، وتحولها الى جزر ، بعضها مرئي والاخر تحت السطح، مما قد يسرّع في انهيارها اذا لم تتوفر قيادة متوازنة وحكيمة تستدرك ما يمكن استدراكه. حين ندقق في خارطة الجماعة نجد انها انقسمت الى جماعتين : احداهما استحصلت على ترخيص رسمي ، ولم تحظ حتى الان بامتداد شعبي ، كما انها لا تتطلع الى اي حضور سياسي رغم ان ترخيصها يمنحها هذا الحق، اما الثانية فقد تعطلت ماكينتها السياسية ، واستسلمت للحصار الذي طوّق شرعيتها حتى انها لم تعد قادرة على اشهار اي نشاط باسمها ، ومن المتوقع ان تحافظ على وجودها المعنوي كمرجعية دعوية فقط ، في موازاة ذلك انتهى الصراع على “فكرة” الاخوان الى تبلور مشروعين سياسيين ، احدهما قديم يمثله حزب جبهة العمل الاسلامي الذي يشهد حركة انتقال من قبل اعضاء الجماعة الذين ما زالوا يؤمنون بشرعيتها لكنهم يتخوفون على مستقبلها ، والمشروع الآخر يمثله تيارات خرجا من داخلها ، الاول مبادرة زمزم (البناء) والثاني :مبادرة الحكماء( الانقاذ والشراكة ) ، ومن المتوقع ان يندمجا لاحقا في تيار او حزب سياسي واحد ، فيما اذا حسمت الدولة مرجعية الجماعة وشرعيتها بشكل نهائي. ماذا يترتب على ذلك..؟ اولا انحسار قوة الجماعة ودورها السياسي ، ثانيا الفصل بين الدعوي والسياسي بصورة قصرية ، ثالثا افتقاد النموذج الذي كانت تمثله اجتماعيا بسبب تبلورحالة من “الطلاق” الديمغرافي، رابعا تمكين حالة التنوع التي لم يسمح لها التنظيم سابقا بالبروز من تجريب حظوظها والتعبير عن افكارها واتجهاتها بحرية ، خامسا اعطاء فرصة ثمينة للدولة لحسم خيارها تجاه شرعية الجماعة القديمة ، حيث ان توفر البديل الشرعي(الجماعة المرخصة) والتيار السياسي الجديد (البناء والانقاذ) سيسهل مهمة التعامل قانونيا وسياسيا معها ، ويمكن ان يصار لحظرها او الغائها ، فيما سيترك المجال لذراعها السياسي (حزب جبهة العمل) بممارسة العمل لسياسي بشكل منضبط. بشكل آخر، سنكون امام كيانات جديدة تمثل الاسلام السياسي ، وستنتهي الى حد ما ثنائية الاستقطاب بين الجماعة والدولة، مما سيعطي الدولة – ان ارادت- ما يلزم من مرونة لتمرير وصفات الاصلاح التي تفكر فيها ، لكن في المقابل من الصعب التنبؤ بالحد الذي سينتهي اليه “تشظي” الجماعة ، ولا ما سيترتب على ذلك من ارباح وخسائر ، سواء من جهة امكانية بروز تيارات جديدة اكثر تشددا وعزوفا عن العمل السياسي داخل الجماعة القديمة ، او من جهة عدم قدرة (او ربما رغبة) التيارات االتي خرجت من الجماعة على “ملئ “ الفراغ وطرح البديل ، مما قد يفضي الى فوضى داخل الجماعة وعلى تخومها ، يصعب احتواؤها والسيطرة عليها. هنا لا بد ان ننتبه الى مسألة مهمة تتعلق بحسابات الربح والخسارة في التعامل مع “ازمة “الجماعة وارتداداتها ، صحيح ان هذه الازمة في المقام الاول ازمة داخلية غذّتها اسباب وعوامل خارجية ، لكنها في النهاية ستؤثر على الجماعة وعلى مشروع الاسلام السياسي ( اذا كان ما زال مرغوبا فيه) وعلى الدولة والمجتمع ايضا ، وبالتالي فان من مصلحة الدولة ان تتعامل مع هذه الازمة بمنطق “تقليل الخسائر” ، ذلك انه لا مصلحة لاحد في بروز ظاهرة تطرف جديدة ، او افشال البديل السياسي الذي خرج من الجماعة وان كان ما يزال يتمثل بروحها ، كما انه في المقابل لا مجال للعودة بالجماعة الى الوراء او التحالف معها ، فقد انتهى على ما يبدو عصرها الذهبي ، كما لا مجال للاستثمار بالجماعة المرخصة ، وبالتالي فان ابداع معادلة جديدة يحتاج الى رؤية حكيمة لا بد ان تعتمد على خيار “الحياد الايجابي” بحيث نترك للجماعة ان تكمل مخاضاتها الطبيعية وتقرر مصيرها بنفسها ، حتى اذا اتضحت الصورة اصبح بوسع الدولة ان تحدد خياراتها النهائية وان تنحاز لمن ينسجم مع مصالحها العليا. باختصار، يمكن ان نستنتج ان جماعة الاخوان التي عرفناها انتهت ، وان الدولة وان كانت مرتاحة لما جرى الا انها تراقب المشهد ولا تتدخل فيه بشكل سافر ومباشر، وان التيار الجديد الذي الذي يحاول اطلاق آخر طلقة للضغط على الجماعة سيجد نفسه مضطرا لتشكيل كيان سياسي مستقل ، كما انه سيجد نفسه خارج الجماعة القديمة لاحقا ، مما قد يضطره للانضواء تحت الجماعة المرخصة ، والاندماج مع مبادرة زمزم ، اما حزب جبهة العمل فسيظل قائما مثل غيره من الاحزاب الاخرى ، او على الاقل بقوة متواضعة لن تسمح له بالتفرد في الساحة السياسية او بانتزاع حصة الاسد في اي انتخابات او عملية سياسية قادمة.
الدستور
الدستور