عن مشعل وحماس والمصالحة
من المبكر الجزم، بمصير المعركة على رئاسة حركة حماس...نحن نعرف الآن، بل ومنذ بداية العام الحالي، بأن خالد مشعل لا ينوي الترشح لولاية جديدة...غير أن الملف قد طُويِ، أو وضع في “البراد” بعض الوقت، قبل أن يعود ليسخن من جديد...الأمر الذي يثير جملة من الأسئلة حول المستجدات التي قادت إلى بعث المسألة مرة أخرى.
في البدء، بدا “أبو الوليد” حريصاً على وضع المسألة في سياق “تقديم النموذج” والرغبة في تكريس مبدأ التداول على القيادة في زمن “الربيع العربي”، وإفساح المجال لقيادات إخرى من الحركة لتقدم الصفوف وتقديم أفكار إبداعية، تساعد في النهوض بأداء الحركة.
لكن ما تسرب من معلومات خلال الأشهر الماضية، ظهر جوانب أخرى للمسألة...تتعلق أساساً بوجود خلافات و”تيارات” بين حماس غزة ومكتبها السياسي في الخارج...تدور أولاً على السلطة والصلاحيات والقرار، وتتعلق ثانياً بجهود المصالحة الوطنية التي كان مشعل، من أبرز قادة حماس المتحمسين لها والذائدين عنها.
سلسلة من التطورات وقعت خلال هذه الفترة، جعلت أهل غزة من حماس، يفكرون بطريقة مختلفة...لقد خرجوا ابتداءً من دائرة الحصار التي فرضها عليهم نظام الرئيس حسني مبارك...هذا الحصار لم يعد قائماً على حماس، وإن ظل مستمراً على قطاع غزة...قادة حماس، ضيوف مكرمون على القيادة الإخوانية الجديدة لمصر...إذن لقد سقطت أولى الموانع التي كانت تحول دون اختيار المكتب السياسي ورئيسه من داخل القطاع...للجميع الآن حرية الحركة، لم يعد الأمر ميزة لقادة الخارج...إسماعيل هنية محمود الزهار وعشرات غيرهم، يجوبون الآفاق من دون حظر أو حذر.
ثاني هذه التطورات، يتصل بانتقال قناة الدعم الإيراني لحماس، من الخارج الذي يمثله رمزياً خالد مشعل، إلى الداخل في غزة، اسماعيل هنية ومحمود الزهار زاروا طهران أكثر من مرة، وعادوا منها بقليل أو كثير من الدعم...ومن يملك المال، أو يصبح قناته الوحيدة المعتمدة، يمتلك السطوة والسلطة، وهذا عامل ثانٍ شجع تيار غزة على الخروج من قمقم العزل والحصار، والمطالبة بأدوار أكبر، تليق بتضيحاتهم...وما ينطبق على التعامل الإيراني المباشر مع حماس في غزة، ينطبق أيضاَ على مصر الجديدة وقطر، ولقد أثارت الدولتان حفيظة السلطة واحتجاجها المعلن على ذلك، ولا ندري بالضبط، كيف نظر مشعل وإخوانه للمسألة من الخارج.
ثالث هذه التطورات، أن مشعل ذهب بعيداً في مشوار المصالحة، وبلغ به الأمر حد الاقتراب كثيراً من برنامج منظمة التحرير، الأمر الذي أزاح واحدة من أهم العراقيل التي اعترضت طريق المصالحة...هذا الأمر لا يروق لأهل القطاع من قادة حماس..أولويات هؤلاء تبدو مختلفة...هم منشغلون في تثبيت دعائم حكمهم...هم ينظرون للعالم من “خرم إبرة” القطاع...هنا حدثت القطيعة وهنا وقع الإفتراق...اعتراضهم الرئيس على المصالحة بذاتهاو ليس على برنامجها، هذه ملاحظة جديرة بالإهتمام والتوقف ملياً.
رابع هذه التطورات، تلك الحفاوة التي استقبلت بها عواصم “الربيع العربي” وغيرها من عواصم الإقليم، السيد اسماعيل هنية.
بين مشعل وهنية، يقف الدكتور موسى أبو مرزوق، محتفظاً بالمسافة ذاتها بين الرجلين (التيارين)، وميزته أنه ابن القطاع المقيم في الخارج، وفي القاهرة، العاصمة الدائمة للإخوان المسلمين العرب، وليس في الدوحة، عاصمتهم المؤقتة.
في ظني إن إصرار مشعل على “شرط الإجماع والتوافق” للتراجع عن قرار التنحي، هو الذي يعطل فرصه في التجديد لنفسه لولاية ثانية...لو أن الرجل قرر “القتال” في سبيل التجديد، وخوض معركته حتى النهاية، لكان له ما أراد...وهو في حالة كهذه، سيجد الدعم والإسناد من “بعض حماس” وقوى عربية وإقليمية، لا تريد له أن يغادر موقعه...لكن مشعل يصر على التنحي بكرامة أو العودة على جناحي الإجماع والتوافق...وأحسب أنه سيحظى بالخيار الأول، بعد أن جعلت مستجدات غزة الخيار الثاني متعذراً.
قرار حماس النهائي بهذا الصدد، بيد حماس ومؤتمرها المنتظر...بيد أنه ليس قرار حماس وحدها...وهناك أشخاص ثلاثة لها كلمة ودالة على الحركة: المرشد بديع والشيخ حمد ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان...هؤلاء الثلاثة استقبلوا خبر تنحي مشعل مبكراً بكثير من التحفظ والرفض...لا أدري إن ظل الحال على حاله اليوم، وما إذا كانت المياه الغزيرة التي جرت في أنهار المنطقة، قد جرفت معها هذه التحفظات أم أنها ما زالت على حالها؟!.
(الدستور)