زكي بني ارشيد يبلور اتفاق مصالحة بين كافة تيارات الاخوان المسلمين
جو 24 : كشف مصدر مطلع في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، أن زكي بني أرشيد، نائب المراقب العام للجماعة، والذي أفرجت عنه السلطات الأردنية مطلع العام الحالي، بعد حبسه على خلفية تغريدة سياسية انتقدت دولة الإمارات، يعمل بشكل جاد على "بلورة اتفاق مصالحة مزدوج بين الجماعة الأم، وكافة الفئات والمسارات التي انفصلت عنها"، كجمعية الإخوان المسلمين (المرخصة من قبل الدولة)، والمبادرة الأردنية للبناء (زمزم)، إضافة إلى ما بات يعرف مؤخرا بمبادرة "الشراكة والإنقاذ"، والتي استقال أعضاؤها الأسبوع الماضي من حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي للجماعة).
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن "المبادرة المشار إليها تنشط أيضا باتجاه بناء تفاهمات حقيقية مع الدولة، بهدف حل الخلافات معها حول عدد من المواضيع العالقة (لم يسمها)، والتخفيف من حدة التوتر القائم بين الطرفين".
الإطار التاريخي للخلاف
وتأتي هذا المبادرة بعد نحو أربعة أعوام من التوتر القائم داخل صفوف الجماعة من جهة، ومع الحكومة من جهة أخرى، وذلك في أعقاب فوز الدكتور همام سعيد، بولاية ثانية كمراقب عام الجماعة، وبفارق صوتين فقط عن منافسه القوي آنذاك، الشيخ سالم الفلاحات.
فالثلاثين من نيسان/أبريل 2012 ليس كما قبله، حيث شهد إعادة انتخاب أحد المحسوبين على تيار الصقور(مصطلح إعلامي للتعبير عن أجندة توصف بالمتشددة)، فكانت تلك البداية الحقيقية لتعاظم كرة الثلج في الخلافات مع تيار الحمائم (مصطلح إعلامي للتعبير عن أجندة سياسية إخوانية توصف بالمرنة)، حيث فجرت عودة سعيد إلى الموقع المذكور خلافات عميقة مع تيار الحمائم الذي يعتبر نفسه إصلاحيا، وتطورت هذه الخلافات بشكل تدريجي بسبب ما يعتبره الحمائم "حالة عزلة للتنظيم" تسببت بها قيادته الحالية، جراء إحجامها عن المشاركة في العملية السياسية في البلاد (الانتخابات البرلمانية والبلدية).
وقد ظهرت أولى تجليات الانقسام الحاصل في المواقف، لدى إطلاق القيادي الإسلامي الدكتور إرحيل غرايبة "وثيقة زمزم" أواخر تشرين الثاني/نوفمبر2012، وهي الوثيقة التي اعتبرتها قيادات بارزة داخل الجماعة نواة للانشقاق.
وتتبنى المبادرة الأردنية للبناء "زمزم"، التي جرى إشهارها رسميا في العاشر من تشرين أول/ أكتوبر 2013 منهج المشاركة في الحكومات والبرلمانات، واعتماد التدرج في الانتقال نحو الديمقراطية، بحسب أحد بياناتها.
وفي منتصف العام 2014، دعا اجتماع شارك فيه نحو 180 عضواً، يمثلون 20 شعبة في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى إسقاط قيادة الجماعة الحالية، وإبعادها عقب تسببها في "تفاقم الشقاق داخل التنظيم، واتباعها منهج العزلة والإقصاء".
ورشح عن الاجتماع الذي عُقد، في محافظة إربد (شمال)، وسط مقاطعة المراقب العام ونائبه له، أنه "يجب إبعاد عناصر التأزيم من الجماعة (لم يسمهم)، ووضع حد لحالة العزلة، والعمل مع أطراف المجتمع ومؤسساته كافة، وذلك من خلال قيادة (توافقية) جديدة.
وشدد المجتمعون، على ضرورة "حل أي تنظيم سري داخل الجماعة، وفصل عمل حزب جبهة العمل الإسلامي عنها، وتحديد شهر واحد لتنفيذ المطالب قبل اتخاذ إجراءات أخرى (لم يذكرها)".
وشارك في الاجتماع المذكور عدد من الشخصيات الإخوانية، من بينهم المراقب العام السابق للجماعة، عبدالمجيد ذنيبات(شكل لاحقا جمعية الإخوان المرخصة حكوميا، وأصبح مراقبا عاما لها في الانتخابات التي عقدت يوم الجمعة الماضي).
ولعل التحول الأبرز في المسارات الإنفصالية داخل الجماعة عن قيادتها الأم برز مؤخرا، حين انفضت قيادات محسوبة على تيار الصقور ذاته (الذي ينتمي له المراقب العام ونائبه)، كالقيادي حمزة منصور، وشكلت ما يعرف بمبادرة "الشراكة والإنقاذ"، وأسفرت عن استقالة نحو 300 عضو من الحزب الأسبوع الماضي، بعد أن أعلنت (أي المبادرة) أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، عن تفكيرها بإنشاء تيار جديد، بعد وصول المبادرة إلى طريق مسدود بسبب رفض قيادة الحركة لها "والأخطر من رفض الحركة الإسلامية للمبادرة هو الإنكار الشديد والنفي القاطع من القيادة بوجود أية أزمة تمر بها الجماعة" بحسب بيان صدر عنها.
ويعد القائمون على "مبادرة الإنقاذ" من أقدم قيادات الحركة الإسلامية، من بينهم: عبد اللطيف عربيات، عبد الحميد القضاة، حمزة منصور، إسحق الفرحان، وسالم الفلاحات، وآخرون.
وتتفق كافة الحركات الانفصالية عن الجماعة الأم مع الحكومة في السبب الرئيسي للخلاف، ألا وهو مقاطعة الحركة الإسلامية للمشاركة في العملية السياسية، فبينما تعتبر الحكومة ذلك مؤشرا على سوء النية وتبييت خيارات تصادمية مع الدولة والنظام، ترى القيادات المنشقة عن الجماعة أن هذا النهج تسبب في إقصاء الجماعة وتغييبها عن المشهد السياسي ومصنع القرار، وتقليص قاعدتها الشعبية دون أي فائدة يمكن جنيها جراء قرار المقاطعة.
أسباب وتداعيات الأزمة
وحول أسباب الخلاف القائم بين الجماعة وكافة أطرافها التي تبنت مسارا آخرا كجمعية الجماعة، ومبادرة زمزم، ومبادرة الشراكة والإنقاذ، يرى المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في الأردن "معاذ الخوالدة"، أنه "لابد من التأكيد على الفرق بين الخلاف الداخلي في جماعة الإخوان المسلمين، وحزب جبهة العمل الإسلامي (ذراعها السياسي)، وبين الاستهداف الخارجي للجماعة، فكل متابع لمسار إنشاء ما سمي بجمعية الإخوان، يعلم تماماً أنها تأتي ضمن مسار رسمي تقوده أجهزة رسمية في الدولة بهدف "نزع المركز القانوني عن الجماعة"، واستهداف دورها الرائد في العمل الوطني على صعيد المجالات المختلفة، سياسيا واجتماعيا وخيريا ودعوياً، والانتقام منها، بسبب تصدرها للحراك الشعبي المطالب بإصلاح النظام السياسي".
وأضاف الخوالدة، "ولكن مطبخ القرار الرسمي يدرك الآن، بأن هذا المسار تعرض لفشل ذريع بعد مايقارب أحد عشر شهرا من تأسيس هذه الجمعية، وتقديم دعم رسمي غير مسبوق لها بدءا من ترخيصها في وقت قياسي، ثم فتح جميع وسائل الإعلام الرسمي أمامها من التلفزيون الحكومي والصحف الرسمية وغيرها، وسلب ممتلكات الجماعة المسجلة باسمها وفق الأصول القانوية منذ عقود، ونقلها إلى ملكية الجمعية في سابقة قانونية ودستورية غاية في الخطورة، وغيرها من السياسات الرسمية، رغم كل ذلك فإن الجمعية في آخر اجتماع لأعضائها قبل أيام لم تستطع أن تحشد سوى 32 شخصا، بحسب ما أعلن الناطق باسمها، ولك أن تتخيل حجم الفشل الذي أصيبت به".
أما فيما يخص "مبادرة الشراكة والإنقاذ"، يرى الخوالدة أن "أعضاءها ليسوا طرفا آخر، والخلاف معهم هو خلاف داخل البيت الإخواني، حيث بدأت ملامحه بالظهور على خلفية انتخابات حزب جبهة العمل الإسلامي ونتائجها الأخيرة، و كان ثمة توجه جاد للتوافق على قيادة جديدة للحزب قبيل الانتخابات السابقة، وتمت خطوات كبيرة في هذا الاتجاه، إلا أن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها، وبناء على ذلك قرر هؤلاء الإخوة مقاطعة الحزب وأطره التنظيمية المختلفة".
و تابع "في الآونة الأخيرة تقدمت هذه الثلة المقدرة، بمبادرة تضمنت طلبا بإعادة تشكيل قيادتي الجماعة والحزب، بما يحقق الشراكة بين جميع التوجهات الداخلية، ومنذ اليوم الأول أكدنا على قبولنا بالجزء المتعلق بإعادة تشكيل قيادة الجماعة، وأبدينا مرونة وإيجابية عالية بهذا الشأن",
وأضاف "أبلغنا الإخوة الذين تقدموا بالمبادرة بموقفنا هذاوطلبنا منهم الحوار مع قيادة الحزب فيما يخص الشق الأخر المتعلق بإعادة تشكيل الأطر القيادية في الحزب، وذلك لكونه مؤسسة منفصلة إداريا عن الجماعة، إذ هنالك ورقة تنظم العمل بين الجماعة والحزب، أقرها مجلس الشورى في عهد الأمين العام السابق الشيخ حمزة منصور، وتنص على استقلال الحزب في اختيار وانتخاب قياداته وتشكيل أطره التنظيمية وتمنع الجماعة من فرض أي قيادة على الحزب",
وأردف الخوالدة "ليس سراً أن رموز مبادرة الشراكة هم من كانوا يدفعون ويطالبون بإقرار هذه الورقة بهذا الشكل، إلا أن الحوار لم يتم بسبب إصرار الإخوة على مقاطعة الحزب وقيادته، وبناء على ذلك قدموا استقالاتهم من الحزب الأسبوع الماضي، مع حفاظهم على عضويتهم في الجماعة، وقد أكدوا مراراً بأنهم جزء أصيل من جماعة الإخوان المسلمين".
وحول مآلات الخلاف، ومستقبل الأزمة، قال الخوالدة "فيما يخص جمعية الأستاذ عبد المجيد الذنيبات، فبعد فشل المسار الذي سلكته، فإننا نتوجه بخطابنا لصانع القرار الرسمي، وندعوه لوقف العبث مع الجماعة، والكف عن محاولة إدخالها بيت الطاعة، فالجماعة عصية على كل محاولات الاستهداف وستبقى مستمرة في نهجها الراشد، بما يخدم الوطن والمجتمع، ويدعم ويناصر قضايا الأمة العربية الإسلامية، وبما يحقق حريتها وخلاصها من الظلم وفي مقدمة ذلك دعم القضية الفلسطينية ومقاومتها الباسلة في وجه الإحتلال الصهيوني الغاشم".
و أضاف "أما فيما يخص الخلاف الداخلي، فالجماعة تمتلك مؤسسية شورية عالية، وأطرها التنظيمية قادرة على حل هذه الخلافات، والخروج من هذه الأزمة، فجميع الأطراف تدرك بأن هنالك استهدافا خارجيا للجماعة، وفي ذات الوقت فإنه لايوجد خلاف على البرنامج السياسي أو التوجهات العامة الرئيسية، مما يسهل من سبل حل هذا الخلاف وطي صفحته".
جبر أبو الهيجاء، الناطق الإعلامي باسم جمعية جماعة الإخوان المسلمين (المرخصة)، قال للأناضول، أن "خلاف الإخوان المسلمين في الأردن ليس بجديد، وكانت هناك رسائل متعددة من الدولة بأن الجماعة ليست مرخصة، ولا بد من تصويب وضعها القانوني، فقرر عدد من الإخوة بعد المؤتمر الإصلاحي، الذي انعقد في أيلول /سبتمبر الماضي، بأن يتقدموا لمجلس الوزراء وتم الحديث مع رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور بهذا الصدد، وحصلنا على الترخيص بالفعل".
ومضى أبو الهيجاء، بالقول "من أول يوم تأسست به الجمعية مددنا أيدينا للجميع، ودعونا إخواننا من كل الأطياف لأن يكونوا معنا، فمن ضمن أولويات القيادة الجديدة حل كل الخلافات القائمة بيننا، ولن نكل أو نمل من تحقيق رص الصفوف".
ونفى أبو الهيجاء نفياً قاطعاً تدخل أي طرف خارجي في خلافاتهم كالحكومة على سبيل المثال، مشيراً، أن "الخلاف داخلي، وليس هناك أي جهة لها علاقة بذلك".
أما إرحيل غرايبة مؤسس المبادرة الأردنية للبناء المعروفة إعلاميا باسم "زمزم"، فأكد في تصريحات خاصة للأناضول، بأن "خلافات الإخوان المسلمين نتيجة طبيعية لعاصفة الربيع العربي، لأن الأخير لم يأت على الأنظمة فقط، وإنما أيضاً على القوى السياسية والأحزاب التي تتعاطى بالعمل السياسي، وإن لم يقرأوا المشهد بعناية ويعيدوا ترتيب وسائلهم وأدواتهم بطريقة معاصرة، فسوف يطويهم الزمن".
أما بالنسبة لنشوء جمعية الإخوان المسلمين "الجديدة"، فقد أعرب غرايبة عن تأييده لها، بقوله "هؤلاء مجموعة من الأخوة، رأوا أنه لابد من إعادة تصويب وضع الجماعة، في ضوء التطورات السياسية القائمة، بحيث تصبح جماعة تعمل ضمن القانون والدستور، وتصبح مكشوفة العضوية وتحت الرقابة المالية، وأنا أيدتها ورأيت أنها مهمة للحفاظ على مستقبل الجماعة".
وعن مآلات الخلاف، توقع غرايبة "أن الجماعة التقليدية التي أصرت على هذا النوع من العمل والتعامل سوف تؤول إلى الزوال، وأعضاء الجماعة سوف يتوزعون على مسارب مختلفة"، مستبعداً في ذات الصدد عودة الأمور إلى ما كانت عليه".
من جهته، أوضح خالد حسنين المتحدث الرسمي باسم الأعضاء "المستقيلين" من حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) السبب الرئيسي للخلافات القائمة إلى الانتخابات الأخيرة، التي جرت في آب/أغسطس 2014، شارحا وجهة نظر ما باتت تعرف بمبادرة "البناء والإنقاذ".
وبين حسنين خلال حديثه للأناضول "أنه كان هناك توافق للمرحلة القادمة على الأمين العام للحزب، لكن للأسف هناك بعض الأخوة رفضوا هذا الاتفاق ولم يستجيبوا له وشكلوا المكتب القيادي للحزب بطريقتهم".
وأشار حسنين "في أيلول/ سبتمبرالماضي، قدمت مبادرة الشراكة والإنقاذ، لتعيد الأمور إلى نصابها، وإلى ما كانت عليه قبل الانتخابات الأخيرة، لكن قيادة الحزب اعتبرت أنها غير معنية بها، واعتبرت أن ما جرى كان فرزا ديموقراطيا، فوصلت الأمور إلى طريق مسدود".
ولم يستبعد حسنين، تدخل أطراف خارجية في تعميق الأزمة، موضحاً "أن الحركة الإسلامية تعيش ضمن مجتمع وقوى سياسية مختلفة من معارضة وغيرها، كل ذلك قد يشجع على الانقسام"، مؤكداً في الوقت ذاته "أن أزمة الاستقالات هي نتاج أزمة داخلية وليس لها علاقة بأطراف خارجية".
وكشف حسنين عن وجود خلاف شكلي في الاستقالات الأخيرة التي شهدها حزب جبهة العمل الإسلامي، والتي كانت معدة لـ 410 أعضاء، وتقدم بها فعليا 312، وأن السبب يعود إلى تقديمها بشكل قوائم وليس بشكل فردي، مخالفاً في ذلك الأسس القانونية للحزب.
الحكومة الأردنية من ناحيتها، عبرت للأناضول عن موقف مختصر جاء على لسان مصدر رفيع، طلب عدم الكشف عن هويته، حيث أكد أن "حكومة بلاده لاتتدخل من قريب أو بعيد في خلافات الإسلاميين، بل على العكس من ذلك تماما، لأن الدولة الأردنية معنية أكثر من غيرها بوجود حياة حزبية قوية تسهم في إثراء التعددية السياسية في البلاد".
مؤكدا أن ترخيص الحكومة لجمعية الإخوان إنما هو حق مكتسب لأي فصيل أو مكون أردني يتقدم للحكومة بالطلب ذاته، سواء أكان يمينيا، أم يساريا، أم مستقلا.
(الاناضول)
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن "المبادرة المشار إليها تنشط أيضا باتجاه بناء تفاهمات حقيقية مع الدولة، بهدف حل الخلافات معها حول عدد من المواضيع العالقة (لم يسمها)، والتخفيف من حدة التوتر القائم بين الطرفين".
الإطار التاريخي للخلاف
وتأتي هذا المبادرة بعد نحو أربعة أعوام من التوتر القائم داخل صفوف الجماعة من جهة، ومع الحكومة من جهة أخرى، وذلك في أعقاب فوز الدكتور همام سعيد، بولاية ثانية كمراقب عام الجماعة، وبفارق صوتين فقط عن منافسه القوي آنذاك، الشيخ سالم الفلاحات.
فالثلاثين من نيسان/أبريل 2012 ليس كما قبله، حيث شهد إعادة انتخاب أحد المحسوبين على تيار الصقور(مصطلح إعلامي للتعبير عن أجندة توصف بالمتشددة)، فكانت تلك البداية الحقيقية لتعاظم كرة الثلج في الخلافات مع تيار الحمائم (مصطلح إعلامي للتعبير عن أجندة سياسية إخوانية توصف بالمرنة)، حيث فجرت عودة سعيد إلى الموقع المذكور خلافات عميقة مع تيار الحمائم الذي يعتبر نفسه إصلاحيا، وتطورت هذه الخلافات بشكل تدريجي بسبب ما يعتبره الحمائم "حالة عزلة للتنظيم" تسببت بها قيادته الحالية، جراء إحجامها عن المشاركة في العملية السياسية في البلاد (الانتخابات البرلمانية والبلدية).
وقد ظهرت أولى تجليات الانقسام الحاصل في المواقف، لدى إطلاق القيادي الإسلامي الدكتور إرحيل غرايبة "وثيقة زمزم" أواخر تشرين الثاني/نوفمبر2012، وهي الوثيقة التي اعتبرتها قيادات بارزة داخل الجماعة نواة للانشقاق.
وتتبنى المبادرة الأردنية للبناء "زمزم"، التي جرى إشهارها رسميا في العاشر من تشرين أول/ أكتوبر 2013 منهج المشاركة في الحكومات والبرلمانات، واعتماد التدرج في الانتقال نحو الديمقراطية، بحسب أحد بياناتها.
وفي منتصف العام 2014، دعا اجتماع شارك فيه نحو 180 عضواً، يمثلون 20 شعبة في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى إسقاط قيادة الجماعة الحالية، وإبعادها عقب تسببها في "تفاقم الشقاق داخل التنظيم، واتباعها منهج العزلة والإقصاء".
ورشح عن الاجتماع الذي عُقد، في محافظة إربد (شمال)، وسط مقاطعة المراقب العام ونائبه له، أنه "يجب إبعاد عناصر التأزيم من الجماعة (لم يسمهم)، ووضع حد لحالة العزلة، والعمل مع أطراف المجتمع ومؤسساته كافة، وذلك من خلال قيادة (توافقية) جديدة.
وشدد المجتمعون، على ضرورة "حل أي تنظيم سري داخل الجماعة، وفصل عمل حزب جبهة العمل الإسلامي عنها، وتحديد شهر واحد لتنفيذ المطالب قبل اتخاذ إجراءات أخرى (لم يذكرها)".
وشارك في الاجتماع المذكور عدد من الشخصيات الإخوانية، من بينهم المراقب العام السابق للجماعة، عبدالمجيد ذنيبات(شكل لاحقا جمعية الإخوان المرخصة حكوميا، وأصبح مراقبا عاما لها في الانتخابات التي عقدت يوم الجمعة الماضي).
ولعل التحول الأبرز في المسارات الإنفصالية داخل الجماعة عن قيادتها الأم برز مؤخرا، حين انفضت قيادات محسوبة على تيار الصقور ذاته (الذي ينتمي له المراقب العام ونائبه)، كالقيادي حمزة منصور، وشكلت ما يعرف بمبادرة "الشراكة والإنقاذ"، وأسفرت عن استقالة نحو 300 عضو من الحزب الأسبوع الماضي، بعد أن أعلنت (أي المبادرة) أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، عن تفكيرها بإنشاء تيار جديد، بعد وصول المبادرة إلى طريق مسدود بسبب رفض قيادة الحركة لها "والأخطر من رفض الحركة الإسلامية للمبادرة هو الإنكار الشديد والنفي القاطع من القيادة بوجود أية أزمة تمر بها الجماعة" بحسب بيان صدر عنها.
ويعد القائمون على "مبادرة الإنقاذ" من أقدم قيادات الحركة الإسلامية، من بينهم: عبد اللطيف عربيات، عبد الحميد القضاة، حمزة منصور، إسحق الفرحان، وسالم الفلاحات، وآخرون.
وتتفق كافة الحركات الانفصالية عن الجماعة الأم مع الحكومة في السبب الرئيسي للخلاف، ألا وهو مقاطعة الحركة الإسلامية للمشاركة في العملية السياسية، فبينما تعتبر الحكومة ذلك مؤشرا على سوء النية وتبييت خيارات تصادمية مع الدولة والنظام، ترى القيادات المنشقة عن الجماعة أن هذا النهج تسبب في إقصاء الجماعة وتغييبها عن المشهد السياسي ومصنع القرار، وتقليص قاعدتها الشعبية دون أي فائدة يمكن جنيها جراء قرار المقاطعة.
أسباب وتداعيات الأزمة
وحول أسباب الخلاف القائم بين الجماعة وكافة أطرافها التي تبنت مسارا آخرا كجمعية الجماعة، ومبادرة زمزم، ومبادرة الشراكة والإنقاذ، يرى المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في الأردن "معاذ الخوالدة"، أنه "لابد من التأكيد على الفرق بين الخلاف الداخلي في جماعة الإخوان المسلمين، وحزب جبهة العمل الإسلامي (ذراعها السياسي)، وبين الاستهداف الخارجي للجماعة، فكل متابع لمسار إنشاء ما سمي بجمعية الإخوان، يعلم تماماً أنها تأتي ضمن مسار رسمي تقوده أجهزة رسمية في الدولة بهدف "نزع المركز القانوني عن الجماعة"، واستهداف دورها الرائد في العمل الوطني على صعيد المجالات المختلفة، سياسيا واجتماعيا وخيريا ودعوياً، والانتقام منها، بسبب تصدرها للحراك الشعبي المطالب بإصلاح النظام السياسي".
وأضاف الخوالدة، "ولكن مطبخ القرار الرسمي يدرك الآن، بأن هذا المسار تعرض لفشل ذريع بعد مايقارب أحد عشر شهرا من تأسيس هذه الجمعية، وتقديم دعم رسمي غير مسبوق لها بدءا من ترخيصها في وقت قياسي، ثم فتح جميع وسائل الإعلام الرسمي أمامها من التلفزيون الحكومي والصحف الرسمية وغيرها، وسلب ممتلكات الجماعة المسجلة باسمها وفق الأصول القانوية منذ عقود، ونقلها إلى ملكية الجمعية في سابقة قانونية ودستورية غاية في الخطورة، وغيرها من السياسات الرسمية، رغم كل ذلك فإن الجمعية في آخر اجتماع لأعضائها قبل أيام لم تستطع أن تحشد سوى 32 شخصا، بحسب ما أعلن الناطق باسمها، ولك أن تتخيل حجم الفشل الذي أصيبت به".
أما فيما يخص "مبادرة الشراكة والإنقاذ"، يرى الخوالدة أن "أعضاءها ليسوا طرفا آخر، والخلاف معهم هو خلاف داخل البيت الإخواني، حيث بدأت ملامحه بالظهور على خلفية انتخابات حزب جبهة العمل الإسلامي ونتائجها الأخيرة، و كان ثمة توجه جاد للتوافق على قيادة جديدة للحزب قبيل الانتخابات السابقة، وتمت خطوات كبيرة في هذا الاتجاه، إلا أن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها، وبناء على ذلك قرر هؤلاء الإخوة مقاطعة الحزب وأطره التنظيمية المختلفة".
و تابع "في الآونة الأخيرة تقدمت هذه الثلة المقدرة، بمبادرة تضمنت طلبا بإعادة تشكيل قيادتي الجماعة والحزب، بما يحقق الشراكة بين جميع التوجهات الداخلية، ومنذ اليوم الأول أكدنا على قبولنا بالجزء المتعلق بإعادة تشكيل قيادة الجماعة، وأبدينا مرونة وإيجابية عالية بهذا الشأن",
وأضاف "أبلغنا الإخوة الذين تقدموا بالمبادرة بموقفنا هذاوطلبنا منهم الحوار مع قيادة الحزب فيما يخص الشق الأخر المتعلق بإعادة تشكيل الأطر القيادية في الحزب، وذلك لكونه مؤسسة منفصلة إداريا عن الجماعة، إذ هنالك ورقة تنظم العمل بين الجماعة والحزب، أقرها مجلس الشورى في عهد الأمين العام السابق الشيخ حمزة منصور، وتنص على استقلال الحزب في اختيار وانتخاب قياداته وتشكيل أطره التنظيمية وتمنع الجماعة من فرض أي قيادة على الحزب",
وأردف الخوالدة "ليس سراً أن رموز مبادرة الشراكة هم من كانوا يدفعون ويطالبون بإقرار هذه الورقة بهذا الشكل، إلا أن الحوار لم يتم بسبب إصرار الإخوة على مقاطعة الحزب وقيادته، وبناء على ذلك قدموا استقالاتهم من الحزب الأسبوع الماضي، مع حفاظهم على عضويتهم في الجماعة، وقد أكدوا مراراً بأنهم جزء أصيل من جماعة الإخوان المسلمين".
وحول مآلات الخلاف، ومستقبل الأزمة، قال الخوالدة "فيما يخص جمعية الأستاذ عبد المجيد الذنيبات، فبعد فشل المسار الذي سلكته، فإننا نتوجه بخطابنا لصانع القرار الرسمي، وندعوه لوقف العبث مع الجماعة، والكف عن محاولة إدخالها بيت الطاعة، فالجماعة عصية على كل محاولات الاستهداف وستبقى مستمرة في نهجها الراشد، بما يخدم الوطن والمجتمع، ويدعم ويناصر قضايا الأمة العربية الإسلامية، وبما يحقق حريتها وخلاصها من الظلم وفي مقدمة ذلك دعم القضية الفلسطينية ومقاومتها الباسلة في وجه الإحتلال الصهيوني الغاشم".
و أضاف "أما فيما يخص الخلاف الداخلي، فالجماعة تمتلك مؤسسية شورية عالية، وأطرها التنظيمية قادرة على حل هذه الخلافات، والخروج من هذه الأزمة، فجميع الأطراف تدرك بأن هنالك استهدافا خارجيا للجماعة، وفي ذات الوقت فإنه لايوجد خلاف على البرنامج السياسي أو التوجهات العامة الرئيسية، مما يسهل من سبل حل هذا الخلاف وطي صفحته".
جبر أبو الهيجاء، الناطق الإعلامي باسم جمعية جماعة الإخوان المسلمين (المرخصة)، قال للأناضول، أن "خلاف الإخوان المسلمين في الأردن ليس بجديد، وكانت هناك رسائل متعددة من الدولة بأن الجماعة ليست مرخصة، ولا بد من تصويب وضعها القانوني، فقرر عدد من الإخوة بعد المؤتمر الإصلاحي، الذي انعقد في أيلول /سبتمبر الماضي، بأن يتقدموا لمجلس الوزراء وتم الحديث مع رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور بهذا الصدد، وحصلنا على الترخيص بالفعل".
ومضى أبو الهيجاء، بالقول "من أول يوم تأسست به الجمعية مددنا أيدينا للجميع، ودعونا إخواننا من كل الأطياف لأن يكونوا معنا، فمن ضمن أولويات القيادة الجديدة حل كل الخلافات القائمة بيننا، ولن نكل أو نمل من تحقيق رص الصفوف".
ونفى أبو الهيجاء نفياً قاطعاً تدخل أي طرف خارجي في خلافاتهم كالحكومة على سبيل المثال، مشيراً، أن "الخلاف داخلي، وليس هناك أي جهة لها علاقة بذلك".
أما إرحيل غرايبة مؤسس المبادرة الأردنية للبناء المعروفة إعلاميا باسم "زمزم"، فأكد في تصريحات خاصة للأناضول، بأن "خلافات الإخوان المسلمين نتيجة طبيعية لعاصفة الربيع العربي، لأن الأخير لم يأت على الأنظمة فقط، وإنما أيضاً على القوى السياسية والأحزاب التي تتعاطى بالعمل السياسي، وإن لم يقرأوا المشهد بعناية ويعيدوا ترتيب وسائلهم وأدواتهم بطريقة معاصرة، فسوف يطويهم الزمن".
أما بالنسبة لنشوء جمعية الإخوان المسلمين "الجديدة"، فقد أعرب غرايبة عن تأييده لها، بقوله "هؤلاء مجموعة من الأخوة، رأوا أنه لابد من إعادة تصويب وضع الجماعة، في ضوء التطورات السياسية القائمة، بحيث تصبح جماعة تعمل ضمن القانون والدستور، وتصبح مكشوفة العضوية وتحت الرقابة المالية، وأنا أيدتها ورأيت أنها مهمة للحفاظ على مستقبل الجماعة".
وعن مآلات الخلاف، توقع غرايبة "أن الجماعة التقليدية التي أصرت على هذا النوع من العمل والتعامل سوف تؤول إلى الزوال، وأعضاء الجماعة سوف يتوزعون على مسارب مختلفة"، مستبعداً في ذات الصدد عودة الأمور إلى ما كانت عليه".
من جهته، أوضح خالد حسنين المتحدث الرسمي باسم الأعضاء "المستقيلين" من حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) السبب الرئيسي للخلافات القائمة إلى الانتخابات الأخيرة، التي جرت في آب/أغسطس 2014، شارحا وجهة نظر ما باتت تعرف بمبادرة "البناء والإنقاذ".
وبين حسنين خلال حديثه للأناضول "أنه كان هناك توافق للمرحلة القادمة على الأمين العام للحزب، لكن للأسف هناك بعض الأخوة رفضوا هذا الاتفاق ولم يستجيبوا له وشكلوا المكتب القيادي للحزب بطريقتهم".
وأشار حسنين "في أيلول/ سبتمبرالماضي، قدمت مبادرة الشراكة والإنقاذ، لتعيد الأمور إلى نصابها، وإلى ما كانت عليه قبل الانتخابات الأخيرة، لكن قيادة الحزب اعتبرت أنها غير معنية بها، واعتبرت أن ما جرى كان فرزا ديموقراطيا، فوصلت الأمور إلى طريق مسدود".
ولم يستبعد حسنين، تدخل أطراف خارجية في تعميق الأزمة، موضحاً "أن الحركة الإسلامية تعيش ضمن مجتمع وقوى سياسية مختلفة من معارضة وغيرها، كل ذلك قد يشجع على الانقسام"، مؤكداً في الوقت ذاته "أن أزمة الاستقالات هي نتاج أزمة داخلية وليس لها علاقة بأطراف خارجية".
وكشف حسنين عن وجود خلاف شكلي في الاستقالات الأخيرة التي شهدها حزب جبهة العمل الإسلامي، والتي كانت معدة لـ 410 أعضاء، وتقدم بها فعليا 312، وأن السبب يعود إلى تقديمها بشكل قوائم وليس بشكل فردي، مخالفاً في ذلك الأسس القانونية للحزب.
الحكومة الأردنية من ناحيتها، عبرت للأناضول عن موقف مختصر جاء على لسان مصدر رفيع، طلب عدم الكشف عن هويته، حيث أكد أن "حكومة بلاده لاتتدخل من قريب أو بعيد في خلافات الإسلاميين، بل على العكس من ذلك تماما، لأن الدولة الأردنية معنية أكثر من غيرها بوجود حياة حزبية قوية تسهم في إثراء التعددية السياسية في البلاد".
مؤكدا أن ترخيص الحكومة لجمعية الإخوان إنما هو حق مكتسب لأي فصيل أو مكون أردني يتقدم للحكومة بالطلب ذاته، سواء أكان يمينيا، أم يساريا، أم مستقلا.
(الاناضول)