المجالي يحذر من خطيئة لا طاقة لنا بتحمل عواقبها.. وغضب يتجاوز العتب
جو 24 : حذّر النائب المهندس عبدالهادي المجالي من الاعتقاد بأن صمت الناس هو علامة رضا، لافتا إلى "غضب كبير يتجاوز العتب" يمكن أن يختبئ خلف ذلك السكوت.
وأضاف المجالي في كلمته خلال الجلسة الصباحية المخصصة لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة 2016، إن الحالة الاقتصادية للشعب هي البيئة الحاضنة للتطرف بغضّ النظر عن الانتماء أو التشدد الديني، مشددا في ذات السياق على ضرورة أن تأخذ الدولة واجبها بحماية الناس ورفع قدراتهم المالية لا أن تتركهم نهبا لاقتصاد السوق.
وقال النائب المجالي ان الرقم الاقتصادي الذي لا يحمل دلالة سياسية واجتماعية يشكل خطرا كبيرا، مؤكدا ان اللجوء الى "جيوب الناس ليس خيارا سليما ولا منطقا سليما".
وأوضح "ان الثمن السياسي القليل الذي قد ندفعه اليوم ان اجلناه الى الغد قد لا يكون لنا طاقة على تحمل نتيجة تبعاته وتداعياته، ولسنا في ظروف يسمح بخطأ التقدير، فالخطأ هنا خطيئة".
وطالب بربط الاقتصاد بالسياسة والأمن ربطا عضويا عميقا لا شكليا لصعوبة الواقع الداخلي، ووقائع المنطقة والاقليم الملتهبة المفتوحة على اخطار متدحرجة ككرة النار.
واشار الى ان الموازنة لا تحمل توجها جادا لمعالجة مشاكل الفقر والبطالة والغلاء والاحتكار وارتفاع المديونية، ولم تلتفت الى اثر ذلك على البنية التحتية او الرفاه الاجتماعي، حيث مداخيل الناس لم ترتفع، ولا فقرا قل، ولا بطالة تراجعت.
وتاليا نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادةَ الرئيس...
الأخواتْ والإخوةْ النواب..
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته،،،
أيُّ خللٍ اقتصادي، ينفذُ، آليا، إلى السياسةِ والأمن، فيصيبُهُما في خلل، وبتأثيرٍ من الأزْماتِ الاقتصاديةِ تنشأُ عنهُ الأزْماتُ السياسية، وتتفاقمُ المخاطرُ الأمنية.. وبين أيدينا موازنةٌ كاشفةٌ لواقعٍ اقتصاديٍّ خطِر، لا يتجاوزُ عنهُ إلاّ مُتجاهل، ولا يتغاضى عن مخاطِرِهِ إلاّ متعامٍ. تلك هي الحقيقةُ المسكوتُ عنها، والسكوتُ علةٌ ينمو على أرضِيتِها الداء، لأنَّ السكوتَ سببٌ في تأخُّرِ اكتشافِ الداء، وتأخُّرِ المعالجةِ والشفاء، وعندها قد ننتهي إلى ما نخشاهُ ونخافُه، وما لا نتمناهُ أو نأملُه.
وأعلمُ يقينا، أنَّ الموازنةَ المنظورةَ، ستمضي، كما هيَ، وبلا أيِّ تغييرٍ في أيِّ جُزئِيَّةٍ منها، لقد اعتدنا ذلكَ في كلِّ موازنةٍ سابقةٍ ناقشناها، ونَثَرْنا مِن حولِها آلافَ الكلمات، مدحا أو نقدا.. نعتمدُها، كما تأتي، وكأنَّها القدرُ المحتوم.. موازناتٌ لا تراعي ظرفاً دقيقا حساساً وخَطِرا، ولا تنظرُ في مآلاتِه، وما قد تستجلِبٌ مِنَ المصاعِبِ والمصائِب.
هذا واقعٌ لا سبيلَ لإنكارِه، أو المجادلَةِ فيه، فحقائقُ التاريخِ الثابتةِ المُثْبَـتَـةِ لا تحتمِلُ الأخذَ والرد.. لكِنْ، هذهِ المرة، وللتاريخ، نطلُب، وبإصرارٍ شديد، أنْ يُربَطَ الاقتصادُ بالسياسةِ والأمن، ربطاً عُضوياً عميقاً لا شكليا، فلسْنا في واقعٍ داخليٍّ مريح، بل صعب، تُغذي صعوبتَهُ وقائِعُ المنطقةِ والإقليمِ الملتهبَة، والمفتوحةِ على أخطارٍ ماثلة، ومُتَدحرِجةٍ كَكُرةٍ من نار، إنْ لمْ نُجابِهها قد تطالُنا، لا قدَّرَ الله، وكيْ نُجابِهَها علينا أنْ نفحصَ واقعَ الاقتصاد، والأهم، في ذلك، أنْ نفحصَ اقتصادَ الناس؛ ننظُرَ في معيشتِهِم، وظروفِهِم المالية، وقدرَتِهِم على توفيرِ الحدودِ الدنيا مِنْ سُبُلِ الحياةِ الكريمَة.
ذلكَ هوَ معيارُ الاقتصادِ السليم، أو في أقلِّهِ معيارُ التخطيطِ الصحيح، لبلوغِ الاقتصادِ السليم، الذي ننشُد، ومَنْ ينظرُ في الموازنةِ محلِّ النقاش، لا يلمَسُ أنَّها صُمِّمَتْ لِمُعالجَةِ اقتصادِ الناس، فلم نرَ خُطَّةً مُحكَمَةً لتقليلِ الفقر، ومُعالجةِ البطالة، وهما، بنظري، المعيارُ الجوهريُّ في أيِّ تخطيطٍ اقتصادي، خصوصا في اقتصادياتِ الأزْمات، فَبِقَدَرِ ما أنَّ السياسة، والحقوقَ السياسية، لعبتْ دورا في ما تشهدُهُ المنطقةُ مِنْ ويلاتٍ منذُ خمسِ سنوات، فإنَّ الاقتصادَ هوَ الفاعلُ الأكثرُ تأثيرا في ما حلَّ بالمنطقةِ والإقليم، فالناسُ ضاقتْ ذرعا بواقِعِها، ومعيشَتِها البائِسَة، وما عادتْ تحتمِلُ المزيد.
إنَّ الموازنةَ المنظورة، لا تعكِسُ جديةً حكوميةً في مُعالجَةِ مشاكِلِنا، مِنْ فقرٍ وبطالةٍ وغلاءٍ واحتكار. أكثرُ مِنْ ذلك، ما مِنْ تفسيرٍ يُقنِعُ بأنَّ المديونيةَ تتجاوزُ سقفَ قانونِ الدينِ العامِّ ولا أحدَ يلتفتُ أو يهتمُّ بذلك، وذاتُها المديونيةُ ترتفِعُ إلى أرقامٍ فلكية، بقياساتِنا، دونَ أن نلمَسَ أثرا لذلكَ في بُنيةٍ تحتيَّةٍ أو في رفاهٍ اجتماعي.. فلا مداخيلُ الناسِ زادت، ولا فقرٌ قلَّ ولا بطالةٌ تراجعت..
ولمْ نَلْحَظْ إضافةً نوعيةً معتبَرةً في أيِّ قطاع، لا في الصحةِ ولا في التعليم.. ولم نَلْحَظْ استثماراً مجدياً ونافعًا تنعكِسُ آثارُهُ على المجتمع، بل نَسمَعُ عن مئاتِ الشركاتِ أُغلِـقَتْ في العامينِ الأخيرين، ونسمعُ عن ضعفِ القدرةِ على جلبِ الاستثمار، إلى الحدِّ الذي يُؤشِّرُ على أنَّ المُشكِلَةَ ليست في تعقيدِ الإجراءاتِ البيروقراطية، والمنطقِ السليمِ في التعاملِ معَ الاستثمارِ فقط، بل نكادُ نقتنِعُ أنَّ في صُلبِ الدولةِ قوى مُعيقةٌ ومُعَطِّلَةٌ للاستثمار، وهذا فسادٌ ما بعدَهُ فساد، تدفعُ ثمنَهُ الدولةُ كلُّها.
كانَ يُمكِنُ للحكومةِ أنْ تعمل، وتُقنِعَنا انها تعملُ وتكافِح، والأهمُّ أنْ تُقنعَ الناسَ انَّها تعملُ وتحاولُ أنْ تتجاوزَ مآزِقَنا وأزْماتِنا الاقتصاديةِ والاستثمارية، لكنَّها، على ما يبدو، تتعايشُ مع فكرةِ أنْ ليسَ بالإمكانِ أحسنُ مما كان، والناسُ تصبرُ وتتحملُ إن لمستْ عملا وعزما حكوميا في تحسينِ الاقتصاد؛ اقتصادِ الناس، وهم يعونَ أنَّ لا عصا سحريةً تأتي بالحلول، وهم فقط يريدونَ مَنْ يحترمُ عقولهُم ويسعى لتحسينِ ظروفِهِم.. غيرَ أنَ ذلكَ لا يحدث.. فقطْ رفعٌ للاسعار، وأحيانا بما يفوقُ منطقَ السوق، فكلُّ شيءٍ تضاعفتْ أسعارُه، والمداخيلُ ثابتة، وقد تآكلتْ بصورةٍ كبيرة، معَ ذلكَ لا يزالُ جيبُ الناسِ موردَ الحكومةِ ورافدَ موازَنتِها.
وحاولتُ جاهدا، لكنْ دونَ طائل، مع الأسف، أنْ أقِفَ على ما قالتْهُ الحكومةُ عن عودةِ الاقتصادِ الوطنيِّ الى محطةِ الأمانِ والاستقرار.. وأنَّ هذهِ العودة ُسببُها سياساتٌ ماليةٌ ونقديةٌ سليمة، وإجراءاتٌ وتدابيرُ إصلاحيةٌ واعيةٌ وداعمةٌ للنشاطِ الاقتصادي، تُوِّجَت، بحسب الحكومة، ببرنامَجٍ وطنيٍّ للإصلاحِ الاقتصاديِّ للسنواتِ (2012-2015)..
أيُّ منطقٍ اقتصاديٍّ هذا؟! وأيُّ معاييرَ أساسيةٍ تعتمدُها الحكومةُ عندما تُزيِّنُ لنا واقِعَنا الاقتصاديَّ وتُعِدُّ موازَنَتَه..؟! وأيُّ حقائق، عمليةٍ لا نظرية، على الأرضِ تقولُ بعودةِ الاقتصادِ للاستقرارِ دونَ أنْ نلحظَ انعكاسَهُ على حياةِ الناس؟!..
أقول، بصريحِ العبارة، الحكومة، أيُّ حكومة، لا تجدُ أنَّ بمقدورِها بناءَ اقتصادٍ وطنيٍّ متماسكٍ وقويٍّ وقادرٍ على مجابهةِ التحديات، ولا تعملُ لتحقيقِ ذلك، فمِنَ الأفضلِ لها، وللوطن، أنْ تغادِرَ موقعِها، وتتركَ الفرصةَ لحكومةٍ أخرى، تتوافرُ على فريقٍ اقتصاديٍّ يملِكُ القدرةَ على تحقيقِ آمالِ الناسِ وطموحاتِهِم.. فريقٍ يقرأُ أرقامَ الموازنةِ بعينٍ سياسيةٍ وأمنية، ولا ينظرُ إلى الموازنةِ والاقتصادِ كأرقامٍ مجردة، فالتجردُ في قراءةِ الأرقامِ يجردُنا من الإحساسِ بخطرِ هذهِ الأرقامِ على السياسةِ والأمن.
لقد اجتهدنا في حزبِ التيارِ الوطني، ومنذُ سنوات، واقترحنا برنامجا شاملا، وفي قلبِهِ نمطٌ اقتصاديٌّ إبداعي، يعالجُ مشاكلَ الفقرِ والبطالةِ والتعليمِ والصحةِ والزراعةِ والإدارةِ العامة.. وكنا نأملُ أن تناقِشَنا بهِ الحكومة، أو حتى تُفكِّرَ وحدَها في الاستفادةِ منه.. غيرَ أنَّ ذلكَ بقيَ أملا، ولن نتعايشَ معَ الأمل، بل سنعملُ في كلِّ وقتٍ على ترجمَتِهِ معَ كلِّ حكومةٍ قادمة، لعلَّ بينَها حكومةٌ تغيِّرُ النهجَ والمنهج، وتفتحُ طريقا جديدا لاقتصادٍ غيرِ الذي نعيش.
سعادةَ الرئيس،،
الأخوات والإخوة النواب،،
إنَّ اقتصادَ الناسِ المتردي، بيئةٌ للتطرف، ليسَ في بُعدِ التشدُّدِ الدينيِّ المتنامي في المنطقةِ فقط، وإنما حتى الليبراليينَ والعلمانيين، أيضا، ومِنْ بُسطاءِ الناس، فعندما يختلُّ اقتصادُ الفردِ والأسرة، ويُعجِزُهُمْ ذلكَ عن تأمينِ ضروراتِ الحياة، وعندما يُتركونَ نهبا لاقتصادِ السوق، بِلا حمايةٍ أو دورٍ للدولةِ في رفعِ قُدْراتِهِم المالية، لا يجبُ عليكَ أن تتفاجأَ من تصرفاتهِم وردودِ أفعالهِم، والتي تأتي في أحيانٍ كثيرةٍ فجأةً وبلا مقدمات، فالسكوتُ ليسَ دائما علامةَ الرضا، بل أحيانا، وأحيانا كثيرة، يُخفي خلفَهُ غضبا يتجاوزُ العتب، فالمِرجَلُ لا يُمكِنُهُ أن يحتملَ غليانا بلا حدود، وطوالَ الوقت.
وأكثرُ ما يدفعُنا، ويجبُ أن يدفعَنا، إلى إعادةِ النظرِ في موازناتِنا، وطبيعةِ اقتصادِنا، هو واقعٌ عربيٌّ وإقليميٌّ مشتعل، نمُرُّ في أعقدِ وأخطرِ لحظاته؛ صراعاتٌ متداخلةٌ ومُركَّبة، لا ندري أهِيَ صراعاتٌ قومية؛ فارسيةٌ عربية، أم طائفية؛ سُنيةٌ شيعية، أم سياسيةٌ ذاتُ صلةٍ بحقوقِ الإنسانِ والديمقراطية، أم صراعاتُ هيمنةٍ ونفوذٍ غربيةٍ شرقيةٍ على أرضِنا العربيةِ والإسلامية، ولسنا أكثرَ مِنْ حَطَبِها..
الأمرُ جِدُّ خطير، وما يحدثُ مِنْ حولِنا، يُطاوِلُنا بصيغةٍ أو أخرى، فلسنا بمعزَلٍ عن محيطِنا، فسوريا والعراقُ في الجوار، وعلى مقربةٍ منا اليمن، وليبيا ليستْ بعيدة، والتنظيماتُ المتطرفة، تتنقَّلُ في الجغرافيا العربية، بلا رادعٍ حقيقي.. والأخطرُ انها باتت جذابةٍ للشباب، ولها بيئاتُها في كُلِّ الدول، بيئاتٌ متشددةٌ عضوياً ولأسبابَ دينية، وبيئاتٌ متسامحة، ولأسبابَ سياسيةٍ واقتصادية، والأخيرةُ هيَ الأخطرُ والأصعبُ والأشدُّ تعقيدا، لأنَّها غيرُ مرئيةٍ ويصعُبُ رصدُها وتتبُّعُها، وفهمُ أنماطِ تفكيرِها وكيفيةِ تشكيلِ وعيِها واتجاهاتِه.
فكلُّ غموضٍ يحيطُ موازنتَنا، ويهيمنُ على اقتصادِنا، يُضِرُّ بنا، أفرادا ودولة، والانفصالُ عنِ الواقع، شرُّ الشرور، ومَكمَنُ الويلات، وعندما يفقدُ الناسُ القدرةَ على الاحتمالِ يندفِعون إلى نقيضِك، أو في أقلِّهِ يسيطرُ عليهِمُ الحياد، ويتركونَ الحكوماتِ تواجِهُ مصيرَها وحيدة.. وفي ظلِّ واقعٍ صعب، وعلى كلِّ المستويات، فلا يُمكِنُ لحكومة، مهما بلغَتْ مِنْ قوة، أنْ تُجابِهَ التحدي بغيرِ قاعدةٍ اجتماعيةٍ صلبةٍ متماسكةٍ تسنِدُها وتقِفُ إلى جانِبِها.
الأخوات، الإخوة النواب،،
لن تنفَعَنا الأرقامُ الاقتصاديةُ الجامدةُ إنْ لم تكُنْ لها روحٌ انسانية، ولنْ تنفعَنا الأرقامُ إنْ لمْ تلحظِ السياسةَ والأمن، ولمْ تلحظِ المخاطرَ الكامنة، وبذورَ الأزْماتِ الفاصلة.. انَّها دعوةٌ لنا، وللحكومة، وللنُّخَبِ المفكرة، أنْ نعيدَ النظرَ في اقتصادِنا وطريقةِ تصميمِ موازناتِنا، وأن نعيدَ النظرَ في أنماطِ تفكيرِنا الاقتصاديِّ وأثرِهِ الاجتماعي.
وعلينا، نحنُ كنوابٍ نُشرِّعُ ونراقب، وقد شرَّعنا بأقصى طاقَتِنا، أن نرفعَ الصوتَ عاليا، ونُلفِتَ كلَّ نظرٍ إلى أنَّ الرقمَ الاقتصاديَّ الذي لا يحملُ دلالةً سياسيةً اجتماعية، خطَر، وخطَرٌ كبير، وأنَّ الجرأةَ على الناسِ وجيوبِهِم، ليسَ خيارا سليما ولا مَنطِقا صحيحا، وأنَّ الثمنَ السياسيَّ القليلَ الذي قد ندفعُهُ اليوم، إن أجَّلناهُ إلى الغدِ قد لا يكونُ لنا طاقةٌ على تَحمُّلِ نتيجةِ تبعاتِهِ وتداعياتِه.
لسنا في ظروفٍ تسمحُ بخطأِ التقدير، فالخطأُ هنا خطيئة..
سلَّمَ اللهُ بلدَنا مِنْ كلِّ سوء..
والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
عبدالهادي المجالي
وأضاف المجالي في كلمته خلال الجلسة الصباحية المخصصة لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة 2016، إن الحالة الاقتصادية للشعب هي البيئة الحاضنة للتطرف بغضّ النظر عن الانتماء أو التشدد الديني، مشددا في ذات السياق على ضرورة أن تأخذ الدولة واجبها بحماية الناس ورفع قدراتهم المالية لا أن تتركهم نهبا لاقتصاد السوق.
وقال النائب المجالي ان الرقم الاقتصادي الذي لا يحمل دلالة سياسية واجتماعية يشكل خطرا كبيرا، مؤكدا ان اللجوء الى "جيوب الناس ليس خيارا سليما ولا منطقا سليما".
وأوضح "ان الثمن السياسي القليل الذي قد ندفعه اليوم ان اجلناه الى الغد قد لا يكون لنا طاقة على تحمل نتيجة تبعاته وتداعياته، ولسنا في ظروف يسمح بخطأ التقدير، فالخطأ هنا خطيئة".
وطالب بربط الاقتصاد بالسياسة والأمن ربطا عضويا عميقا لا شكليا لصعوبة الواقع الداخلي، ووقائع المنطقة والاقليم الملتهبة المفتوحة على اخطار متدحرجة ككرة النار.
واشار الى ان الموازنة لا تحمل توجها جادا لمعالجة مشاكل الفقر والبطالة والغلاء والاحتكار وارتفاع المديونية، ولم تلتفت الى اثر ذلك على البنية التحتية او الرفاه الاجتماعي، حيث مداخيل الناس لم ترتفع، ولا فقرا قل، ولا بطالة تراجعت.
وتاليا نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادةَ الرئيس...
الأخواتْ والإخوةْ النواب..
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته،،،
أيُّ خللٍ اقتصادي، ينفذُ، آليا، إلى السياسةِ والأمن، فيصيبُهُما في خلل، وبتأثيرٍ من الأزْماتِ الاقتصاديةِ تنشأُ عنهُ الأزْماتُ السياسية، وتتفاقمُ المخاطرُ الأمنية.. وبين أيدينا موازنةٌ كاشفةٌ لواقعٍ اقتصاديٍّ خطِر، لا يتجاوزُ عنهُ إلاّ مُتجاهل، ولا يتغاضى عن مخاطِرِهِ إلاّ متعامٍ. تلك هي الحقيقةُ المسكوتُ عنها، والسكوتُ علةٌ ينمو على أرضِيتِها الداء، لأنَّ السكوتَ سببٌ في تأخُّرِ اكتشافِ الداء، وتأخُّرِ المعالجةِ والشفاء، وعندها قد ننتهي إلى ما نخشاهُ ونخافُه، وما لا نتمناهُ أو نأملُه.
وأعلمُ يقينا، أنَّ الموازنةَ المنظورةَ، ستمضي، كما هيَ، وبلا أيِّ تغييرٍ في أيِّ جُزئِيَّةٍ منها، لقد اعتدنا ذلكَ في كلِّ موازنةٍ سابقةٍ ناقشناها، ونَثَرْنا مِن حولِها آلافَ الكلمات، مدحا أو نقدا.. نعتمدُها، كما تأتي، وكأنَّها القدرُ المحتوم.. موازناتٌ لا تراعي ظرفاً دقيقا حساساً وخَطِرا، ولا تنظرُ في مآلاتِه، وما قد تستجلِبٌ مِنَ المصاعِبِ والمصائِب.
هذا واقعٌ لا سبيلَ لإنكارِه، أو المجادلَةِ فيه، فحقائقُ التاريخِ الثابتةِ المُثْبَـتَـةِ لا تحتمِلُ الأخذَ والرد.. لكِنْ، هذهِ المرة، وللتاريخ، نطلُب، وبإصرارٍ شديد، أنْ يُربَطَ الاقتصادُ بالسياسةِ والأمن، ربطاً عُضوياً عميقاً لا شكليا، فلسْنا في واقعٍ داخليٍّ مريح، بل صعب، تُغذي صعوبتَهُ وقائِعُ المنطقةِ والإقليمِ الملتهبَة، والمفتوحةِ على أخطارٍ ماثلة، ومُتَدحرِجةٍ كَكُرةٍ من نار، إنْ لمْ نُجابِهها قد تطالُنا، لا قدَّرَ الله، وكيْ نُجابِهَها علينا أنْ نفحصَ واقعَ الاقتصاد، والأهم، في ذلك، أنْ نفحصَ اقتصادَ الناس؛ ننظُرَ في معيشتِهِم، وظروفِهِم المالية، وقدرَتِهِم على توفيرِ الحدودِ الدنيا مِنْ سُبُلِ الحياةِ الكريمَة.
ذلكَ هوَ معيارُ الاقتصادِ السليم، أو في أقلِّهِ معيارُ التخطيطِ الصحيح، لبلوغِ الاقتصادِ السليم، الذي ننشُد، ومَنْ ينظرُ في الموازنةِ محلِّ النقاش، لا يلمَسُ أنَّها صُمِّمَتْ لِمُعالجَةِ اقتصادِ الناس، فلم نرَ خُطَّةً مُحكَمَةً لتقليلِ الفقر، ومُعالجةِ البطالة، وهما، بنظري، المعيارُ الجوهريُّ في أيِّ تخطيطٍ اقتصادي، خصوصا في اقتصادياتِ الأزْمات، فَبِقَدَرِ ما أنَّ السياسة، والحقوقَ السياسية، لعبتْ دورا في ما تشهدُهُ المنطقةُ مِنْ ويلاتٍ منذُ خمسِ سنوات، فإنَّ الاقتصادَ هوَ الفاعلُ الأكثرُ تأثيرا في ما حلَّ بالمنطقةِ والإقليم، فالناسُ ضاقتْ ذرعا بواقِعِها، ومعيشَتِها البائِسَة، وما عادتْ تحتمِلُ المزيد.
إنَّ الموازنةَ المنظورة، لا تعكِسُ جديةً حكوميةً في مُعالجَةِ مشاكِلِنا، مِنْ فقرٍ وبطالةٍ وغلاءٍ واحتكار. أكثرُ مِنْ ذلك، ما مِنْ تفسيرٍ يُقنِعُ بأنَّ المديونيةَ تتجاوزُ سقفَ قانونِ الدينِ العامِّ ولا أحدَ يلتفتُ أو يهتمُّ بذلك، وذاتُها المديونيةُ ترتفِعُ إلى أرقامٍ فلكية، بقياساتِنا، دونَ أن نلمَسَ أثرا لذلكَ في بُنيةٍ تحتيَّةٍ أو في رفاهٍ اجتماعي.. فلا مداخيلُ الناسِ زادت، ولا فقرٌ قلَّ ولا بطالةٌ تراجعت..
ولمْ نَلْحَظْ إضافةً نوعيةً معتبَرةً في أيِّ قطاع، لا في الصحةِ ولا في التعليم.. ولم نَلْحَظْ استثماراً مجدياً ونافعًا تنعكِسُ آثارُهُ على المجتمع، بل نَسمَعُ عن مئاتِ الشركاتِ أُغلِـقَتْ في العامينِ الأخيرين، ونسمعُ عن ضعفِ القدرةِ على جلبِ الاستثمار، إلى الحدِّ الذي يُؤشِّرُ على أنَّ المُشكِلَةَ ليست في تعقيدِ الإجراءاتِ البيروقراطية، والمنطقِ السليمِ في التعاملِ معَ الاستثمارِ فقط، بل نكادُ نقتنِعُ أنَّ في صُلبِ الدولةِ قوى مُعيقةٌ ومُعَطِّلَةٌ للاستثمار، وهذا فسادٌ ما بعدَهُ فساد، تدفعُ ثمنَهُ الدولةُ كلُّها.
كانَ يُمكِنُ للحكومةِ أنْ تعمل، وتُقنِعَنا انها تعملُ وتكافِح، والأهمُّ أنْ تُقنعَ الناسَ انَّها تعملُ وتحاولُ أنْ تتجاوزَ مآزِقَنا وأزْماتِنا الاقتصاديةِ والاستثمارية، لكنَّها، على ما يبدو، تتعايشُ مع فكرةِ أنْ ليسَ بالإمكانِ أحسنُ مما كان، والناسُ تصبرُ وتتحملُ إن لمستْ عملا وعزما حكوميا في تحسينِ الاقتصاد؛ اقتصادِ الناس، وهم يعونَ أنَّ لا عصا سحريةً تأتي بالحلول، وهم فقط يريدونَ مَنْ يحترمُ عقولهُم ويسعى لتحسينِ ظروفِهِم.. غيرَ أنَ ذلكَ لا يحدث.. فقطْ رفعٌ للاسعار، وأحيانا بما يفوقُ منطقَ السوق، فكلُّ شيءٍ تضاعفتْ أسعارُه، والمداخيلُ ثابتة، وقد تآكلتْ بصورةٍ كبيرة، معَ ذلكَ لا يزالُ جيبُ الناسِ موردَ الحكومةِ ورافدَ موازَنتِها.
وحاولتُ جاهدا، لكنْ دونَ طائل، مع الأسف، أنْ أقِفَ على ما قالتْهُ الحكومةُ عن عودةِ الاقتصادِ الوطنيِّ الى محطةِ الأمانِ والاستقرار.. وأنَّ هذهِ العودة ُسببُها سياساتٌ ماليةٌ ونقديةٌ سليمة، وإجراءاتٌ وتدابيرُ إصلاحيةٌ واعيةٌ وداعمةٌ للنشاطِ الاقتصادي، تُوِّجَت، بحسب الحكومة، ببرنامَجٍ وطنيٍّ للإصلاحِ الاقتصاديِّ للسنواتِ (2012-2015)..
أيُّ منطقٍ اقتصاديٍّ هذا؟! وأيُّ معاييرَ أساسيةٍ تعتمدُها الحكومةُ عندما تُزيِّنُ لنا واقِعَنا الاقتصاديَّ وتُعِدُّ موازَنَتَه..؟! وأيُّ حقائق، عمليةٍ لا نظرية، على الأرضِ تقولُ بعودةِ الاقتصادِ للاستقرارِ دونَ أنْ نلحظَ انعكاسَهُ على حياةِ الناس؟!..
أقول، بصريحِ العبارة، الحكومة، أيُّ حكومة، لا تجدُ أنَّ بمقدورِها بناءَ اقتصادٍ وطنيٍّ متماسكٍ وقويٍّ وقادرٍ على مجابهةِ التحديات، ولا تعملُ لتحقيقِ ذلك، فمِنَ الأفضلِ لها، وللوطن، أنْ تغادِرَ موقعِها، وتتركَ الفرصةَ لحكومةٍ أخرى، تتوافرُ على فريقٍ اقتصاديٍّ يملِكُ القدرةَ على تحقيقِ آمالِ الناسِ وطموحاتِهِم.. فريقٍ يقرأُ أرقامَ الموازنةِ بعينٍ سياسيةٍ وأمنية، ولا ينظرُ إلى الموازنةِ والاقتصادِ كأرقامٍ مجردة، فالتجردُ في قراءةِ الأرقامِ يجردُنا من الإحساسِ بخطرِ هذهِ الأرقامِ على السياسةِ والأمن.
لقد اجتهدنا في حزبِ التيارِ الوطني، ومنذُ سنوات، واقترحنا برنامجا شاملا، وفي قلبِهِ نمطٌ اقتصاديٌّ إبداعي، يعالجُ مشاكلَ الفقرِ والبطالةِ والتعليمِ والصحةِ والزراعةِ والإدارةِ العامة.. وكنا نأملُ أن تناقِشَنا بهِ الحكومة، أو حتى تُفكِّرَ وحدَها في الاستفادةِ منه.. غيرَ أنَّ ذلكَ بقيَ أملا، ولن نتعايشَ معَ الأمل، بل سنعملُ في كلِّ وقتٍ على ترجمَتِهِ معَ كلِّ حكومةٍ قادمة، لعلَّ بينَها حكومةٌ تغيِّرُ النهجَ والمنهج، وتفتحُ طريقا جديدا لاقتصادٍ غيرِ الذي نعيش.
سعادةَ الرئيس،،
الأخوات والإخوة النواب،،
إنَّ اقتصادَ الناسِ المتردي، بيئةٌ للتطرف، ليسَ في بُعدِ التشدُّدِ الدينيِّ المتنامي في المنطقةِ فقط، وإنما حتى الليبراليينَ والعلمانيين، أيضا، ومِنْ بُسطاءِ الناس، فعندما يختلُّ اقتصادُ الفردِ والأسرة، ويُعجِزُهُمْ ذلكَ عن تأمينِ ضروراتِ الحياة، وعندما يُتركونَ نهبا لاقتصادِ السوق، بِلا حمايةٍ أو دورٍ للدولةِ في رفعِ قُدْراتِهِم المالية، لا يجبُ عليكَ أن تتفاجأَ من تصرفاتهِم وردودِ أفعالهِم، والتي تأتي في أحيانٍ كثيرةٍ فجأةً وبلا مقدمات، فالسكوتُ ليسَ دائما علامةَ الرضا، بل أحيانا، وأحيانا كثيرة، يُخفي خلفَهُ غضبا يتجاوزُ العتب، فالمِرجَلُ لا يُمكِنُهُ أن يحتملَ غليانا بلا حدود، وطوالَ الوقت.
وأكثرُ ما يدفعُنا، ويجبُ أن يدفعَنا، إلى إعادةِ النظرِ في موازناتِنا، وطبيعةِ اقتصادِنا، هو واقعٌ عربيٌّ وإقليميٌّ مشتعل، نمُرُّ في أعقدِ وأخطرِ لحظاته؛ صراعاتٌ متداخلةٌ ومُركَّبة، لا ندري أهِيَ صراعاتٌ قومية؛ فارسيةٌ عربية، أم طائفية؛ سُنيةٌ شيعية، أم سياسيةٌ ذاتُ صلةٍ بحقوقِ الإنسانِ والديمقراطية، أم صراعاتُ هيمنةٍ ونفوذٍ غربيةٍ شرقيةٍ على أرضِنا العربيةِ والإسلامية، ولسنا أكثرَ مِنْ حَطَبِها..
الأمرُ جِدُّ خطير، وما يحدثُ مِنْ حولِنا، يُطاوِلُنا بصيغةٍ أو أخرى، فلسنا بمعزَلٍ عن محيطِنا، فسوريا والعراقُ في الجوار، وعلى مقربةٍ منا اليمن، وليبيا ليستْ بعيدة، والتنظيماتُ المتطرفة، تتنقَّلُ في الجغرافيا العربية، بلا رادعٍ حقيقي.. والأخطرُ انها باتت جذابةٍ للشباب، ولها بيئاتُها في كُلِّ الدول، بيئاتٌ متشددةٌ عضوياً ولأسبابَ دينية، وبيئاتٌ متسامحة، ولأسبابَ سياسيةٍ واقتصادية، والأخيرةُ هيَ الأخطرُ والأصعبُ والأشدُّ تعقيدا، لأنَّها غيرُ مرئيةٍ ويصعُبُ رصدُها وتتبُّعُها، وفهمُ أنماطِ تفكيرِها وكيفيةِ تشكيلِ وعيِها واتجاهاتِه.
فكلُّ غموضٍ يحيطُ موازنتَنا، ويهيمنُ على اقتصادِنا، يُضِرُّ بنا، أفرادا ودولة، والانفصالُ عنِ الواقع، شرُّ الشرور، ومَكمَنُ الويلات، وعندما يفقدُ الناسُ القدرةَ على الاحتمالِ يندفِعون إلى نقيضِك، أو في أقلِّهِ يسيطرُ عليهِمُ الحياد، ويتركونَ الحكوماتِ تواجِهُ مصيرَها وحيدة.. وفي ظلِّ واقعٍ صعب، وعلى كلِّ المستويات، فلا يُمكِنُ لحكومة، مهما بلغَتْ مِنْ قوة، أنْ تُجابِهَ التحدي بغيرِ قاعدةٍ اجتماعيةٍ صلبةٍ متماسكةٍ تسنِدُها وتقِفُ إلى جانِبِها.
الأخوات، الإخوة النواب،،
لن تنفَعَنا الأرقامُ الاقتصاديةُ الجامدةُ إنْ لم تكُنْ لها روحٌ انسانية، ولنْ تنفعَنا الأرقامُ إنْ لمْ تلحظِ السياسةَ والأمن، ولمْ تلحظِ المخاطرَ الكامنة، وبذورَ الأزْماتِ الفاصلة.. انَّها دعوةٌ لنا، وللحكومة، وللنُّخَبِ المفكرة، أنْ نعيدَ النظرَ في اقتصادِنا وطريقةِ تصميمِ موازناتِنا، وأن نعيدَ النظرَ في أنماطِ تفكيرِنا الاقتصاديِّ وأثرِهِ الاجتماعي.
وعلينا، نحنُ كنوابٍ نُشرِّعُ ونراقب، وقد شرَّعنا بأقصى طاقَتِنا، أن نرفعَ الصوتَ عاليا، ونُلفِتَ كلَّ نظرٍ إلى أنَّ الرقمَ الاقتصاديَّ الذي لا يحملُ دلالةً سياسيةً اجتماعية، خطَر، وخطَرٌ كبير، وأنَّ الجرأةَ على الناسِ وجيوبِهِم، ليسَ خيارا سليما ولا مَنطِقا صحيحا، وأنَّ الثمنَ السياسيَّ القليلَ الذي قد ندفعُهُ اليوم، إن أجَّلناهُ إلى الغدِ قد لا يكونُ لنا طاقةٌ على تَحمُّلِ نتيجةِ تبعاتِهِ وتداعياتِه.
لسنا في ظروفٍ تسمحُ بخطأِ التقدير، فالخطأُ هنا خطيئة..
سلَّمَ اللهُ بلدَنا مِنْ كلِّ سوء..
والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
عبدالهادي المجالي