«مش رمانة..قلوب مليانة»
عريب الرنتاوي
جو 24 : حادث حدودي مؤسف، ذلك الذي أوقع خمس ضحايا أبرياء في قرية تركية قريبة من الحدود مع سوريا، لكن السياسة والإعلام ضخما الأمر بحيث صار الحادث عدواناً مبرمجاً، يستحق معه استدعاء الناتو ومجلس الأمن على عجل، واستنفار البرلمان التركي لانتزاع تفويض منه يخول الحكومة والجيش التركيين القيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية.
ما حصل في القرية التركية، وعلى امتداد الحدود بين البلدين، حصل مثله، وأحياناً أكثر منه، على امتداد الحدود السورية مع كل من الأردن ولبنان والعراق، من دون أن يستثير أيٌ منها ضجة مفتعلة كلتك التي أثارتها أنقرة...قد يقال إنه ليس في لبنان دولة وجيش، وأن حكومة العراق داعمة للأسد وجيشه وطائفته، وأنها جزءٌ من “الهلال أو المحور” إياه، ولكن ما الذي يمكن قوله بخصوص الأردن حيث الدولة والجيش والاصطفاف في المعسكر المقابل للمعسكر الإيراني السوري؟!
“مش رمانة..قلوب مليانة”، هذا المثل الشعبي يفسر وحده الغضبة التركية المُضرية على سوريا...لكأن أنقرة وجدت ضالتها في هذا الحادث، لتعود إلى محاولاتها المؤودة لتجييش الأطلسي والغرب وبعض العرب ضد سوريا، وإحياء مشاريع التدخل والحسم العسكري والمناطق الآمنة والممرات الإنسانية، بعد أن منيت محاولاتها المستميتة السابقة بالفشل.
تركيا التي تسمح لنفسها باستضافة قيادة الجيش السوري الحر، وتفتح حدودها للسلاح والمسلحين من كل لون وجنس ومذهب...تركيا التي تسمح لحدودها أن تكون مرتعاً لكل استخبارات العالم وتكنولوجياته الحديثة في مجال التنصت والتجسس والاتصال...تركيا التي يأوي إليها ويلوذ بها، مقاتلون سلفيون ووطنيون، جنود نظاميون وميليشيات مما هدب ودب، تستكثر على نفسها أن تصاب بـ”قذيفتين طائشتين” فقط، سقطتا على الأغلب بالخطأ، وأزهقتا أرواحاً لمواطنين أبرياء...أي ازدواج هذا؟!.
تركيا التي تسمح لنفسها باجتياح الأراضي العراقية جواً وبراً، ولعمق يزيد على ثلاثين كيلومتراً، لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني، تريد على ما يبدو أن تكرر السيناريو ذاته مع سوريا...وتمنع هذا الحق عن دول الجوار كسوريا، التي تشهد معركة حياة أو موت، بين النظام والمعارضة، وتقترب من أخطر المنعطفات في تاريخها...فأي ازدواج هذا ؟!.
هل يعقل أن يستدعي سقوط قذيفتين اثنتين استحضار “الناتو” على عجل؟...ولماذا يُستحضر الناتو أصلا، للثأر للضحايا الأتراك أم للاستدراج في المستنقع السوري؟....هل يعقل أن يكون حادث من هذا النوع، سبباً لانتزاع تفويض بحرب على سوريا أم وراء الأكمة ما راءها؟..هل ثمة عاقل واحد يمكنه أن يصدق فرضية أن النظام السوري الذي يعجز عن حفظ أمنه الخاص، ويخوض حرباً مستحيلة في قلب دمشق، سيكون بوارد استدراج تركيا إلى حرب شاملة معه ؟!.
لسنا نستبعد أن تكون ردة الفعل المبالغ بها من قبل أنقرة، والتي لا تنسجم مع حجم وطبيعة وسياق الحادث، عائدة لأسباب داخلية، أهمها الرفض الشعبي التركي لأي تورط تركي في الصراع السوري أو في الصراع على سوريا...لا نستبعد أن يكون هناك في الحكومة التركية، من يريد أن يجعل من حادثٍ كهذا ذريعة لتغيير المزاج العام التركي، سواء لصالح مغامرات محتملة أو للتغطية على فشل السياسة التركية في سوريا...كما أننا لا نستطيع النظر إلى الموقف التركي شديد الانفعال، بمعزل عن رغبة عدد من دول المحور المناهض لسوريا (ومن ضمنها تركيا) في حشد التأييد للاقتراح القطري بإرسال قوات عربية، قد تتطور إلى “إسلامية” ومن ثم إلى دولية للقتال في سوريا، بعد أن تأكد استنكاف الناتو والولايات المتحدة عن القيام بهذا التدخل.
والأسوأ من ردة الفعل التركية على الحادث المؤسف، حملة الهستيريا التي شهدتها بعض عواصم الغرب، لكأن الحرب العالمية الثالثة قد اندلعت، وهي حملة أقل ما يمكن أن يقال في وصفها، بأنها منافقة وذات معايير مزدوجة للغاية، ومتاجرة بدماء خمسة أتراك أبرياء، ضاربة عرض الحائط، بحيوات مئات السوريين الذين يسقطون بتفجيرات القاعدة في حلب ودمشق، أو عشرات الفلسطينيين الذين يسقطون برصاص وقنابل الجيش الإسرائيلي.
(الدستور)
ما حصل في القرية التركية، وعلى امتداد الحدود بين البلدين، حصل مثله، وأحياناً أكثر منه، على امتداد الحدود السورية مع كل من الأردن ولبنان والعراق، من دون أن يستثير أيٌ منها ضجة مفتعلة كلتك التي أثارتها أنقرة...قد يقال إنه ليس في لبنان دولة وجيش، وأن حكومة العراق داعمة للأسد وجيشه وطائفته، وأنها جزءٌ من “الهلال أو المحور” إياه، ولكن ما الذي يمكن قوله بخصوص الأردن حيث الدولة والجيش والاصطفاف في المعسكر المقابل للمعسكر الإيراني السوري؟!
“مش رمانة..قلوب مليانة”، هذا المثل الشعبي يفسر وحده الغضبة التركية المُضرية على سوريا...لكأن أنقرة وجدت ضالتها في هذا الحادث، لتعود إلى محاولاتها المؤودة لتجييش الأطلسي والغرب وبعض العرب ضد سوريا، وإحياء مشاريع التدخل والحسم العسكري والمناطق الآمنة والممرات الإنسانية، بعد أن منيت محاولاتها المستميتة السابقة بالفشل.
تركيا التي تسمح لنفسها باستضافة قيادة الجيش السوري الحر، وتفتح حدودها للسلاح والمسلحين من كل لون وجنس ومذهب...تركيا التي تسمح لحدودها أن تكون مرتعاً لكل استخبارات العالم وتكنولوجياته الحديثة في مجال التنصت والتجسس والاتصال...تركيا التي يأوي إليها ويلوذ بها، مقاتلون سلفيون ووطنيون، جنود نظاميون وميليشيات مما هدب ودب، تستكثر على نفسها أن تصاب بـ”قذيفتين طائشتين” فقط، سقطتا على الأغلب بالخطأ، وأزهقتا أرواحاً لمواطنين أبرياء...أي ازدواج هذا؟!.
تركيا التي تسمح لنفسها باجتياح الأراضي العراقية جواً وبراً، ولعمق يزيد على ثلاثين كيلومتراً، لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني، تريد على ما يبدو أن تكرر السيناريو ذاته مع سوريا...وتمنع هذا الحق عن دول الجوار كسوريا، التي تشهد معركة حياة أو موت، بين النظام والمعارضة، وتقترب من أخطر المنعطفات في تاريخها...فأي ازدواج هذا ؟!.
هل يعقل أن يستدعي سقوط قذيفتين اثنتين استحضار “الناتو” على عجل؟...ولماذا يُستحضر الناتو أصلا، للثأر للضحايا الأتراك أم للاستدراج في المستنقع السوري؟....هل يعقل أن يكون حادث من هذا النوع، سبباً لانتزاع تفويض بحرب على سوريا أم وراء الأكمة ما راءها؟..هل ثمة عاقل واحد يمكنه أن يصدق فرضية أن النظام السوري الذي يعجز عن حفظ أمنه الخاص، ويخوض حرباً مستحيلة في قلب دمشق، سيكون بوارد استدراج تركيا إلى حرب شاملة معه ؟!.
لسنا نستبعد أن تكون ردة الفعل المبالغ بها من قبل أنقرة، والتي لا تنسجم مع حجم وطبيعة وسياق الحادث، عائدة لأسباب داخلية، أهمها الرفض الشعبي التركي لأي تورط تركي في الصراع السوري أو في الصراع على سوريا...لا نستبعد أن يكون هناك في الحكومة التركية، من يريد أن يجعل من حادثٍ كهذا ذريعة لتغيير المزاج العام التركي، سواء لصالح مغامرات محتملة أو للتغطية على فشل السياسة التركية في سوريا...كما أننا لا نستطيع النظر إلى الموقف التركي شديد الانفعال، بمعزل عن رغبة عدد من دول المحور المناهض لسوريا (ومن ضمنها تركيا) في حشد التأييد للاقتراح القطري بإرسال قوات عربية، قد تتطور إلى “إسلامية” ومن ثم إلى دولية للقتال في سوريا، بعد أن تأكد استنكاف الناتو والولايات المتحدة عن القيام بهذا التدخل.
والأسوأ من ردة الفعل التركية على الحادث المؤسف، حملة الهستيريا التي شهدتها بعض عواصم الغرب، لكأن الحرب العالمية الثالثة قد اندلعت، وهي حملة أقل ما يمكن أن يقال في وصفها، بأنها منافقة وذات معايير مزدوجة للغاية، ومتاجرة بدماء خمسة أتراك أبرياء، ضاربة عرض الحائط، بحيوات مئات السوريين الذين يسقطون بتفجيرات القاعدة في حلب ودمشق، أو عشرات الفلسطينيين الذين يسقطون برصاص وقنابل الجيش الإسرائيلي.
(الدستور)