الباكستان وسيطاً؟!
عريب الرنتاوي
جو 24 : آثرت إسلام أن تكون “وسيطاً” في الصراع السعودي الإيراني، على أن تكون “طرفاً” فيه ... كلفة “التخندق” المذهبي على الباكستان عالية جداً، لذلك آثر هذا البلد الإسلامي النووي الوحيد، أن “ينأى بنفسه” عن سياسة المحاور والاستقطابات برغم كل الضغوط والإغراءات التي تعرض لها، للانضمام أولاً إلى التحالف العربي بقيادة السعودية في الحرب على اليمن، وثانياً للتحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنته السعودية للحرب على الإرهاب.
باكستان دولة مسلمة، يشكل الشيعة والإسماعليون فيها أزيد من ربع السكان (حوالي 30 بالمائة) وفقاً للمصادر الشيعية، وقرابة العشرين بالمائة وفقاً لمصادر سنية ... دولة الأغلبية السنية، أسسها الشيعي محمد علي جناح، في توقيت متزامن مع استقلال الجارة اللدودة: الهند، وكإنشقاق عنها.
المعروف عن الباكستان، أنها تحتفظ بعلاقات وطيدة واستثنائية مع المملكة العربية السعودية، ولقد أنفقت المملكة عشرات مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد الباكستاني، ولتمكين إسلام آباد من الحصول على برنامج نووي وصاروخي عسكري لبناء نوع من توازن القوى مع الهند، ويعمل ملايين الباكستانيين في السعودية ودول الخليج، يضخون مليارات الدولارات في عروق الاقتصادي الباكستاني المتيبسة، وثمة علاقات تعاون أمني وعسكري وثيقة، بين البلدين، ويقال إن بينهما اتفاقا غير معلن، مولت بموجبه السعودية “القنبلة النووية” الباكستانية، نظير تعهد إسلام آباد بتسليم المملكة “قنبلة جاهزة” في حال استشعرت ضرورة امتلاكها.
لكن من غير المعروف، أن العلاقات المتميزة التي تربط الباكستان بالسعودية، لم تمنع الأولى من إقامة علاقات وطيدة مع إيران، امتداداً لعلاقات تاريخية بين الأوردو والفرس، فسفارتها في واشنطن تتولى “رعاية المصالح” الإيرانية في الولايات المتحدة، بعد القطيعة التي ضربت العلاقات الأمريكية – الإيرانية ... كما أن الباكستان كانت من بين دول قليلة جادلت بحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووي، وبين طهران وإسلام آباد مشاريع مد أنابيب نفط وغاز إيرانية لتزويد الباكستان بجزء من احتياجاتها، وإيصال “الطاقة الإيرانية” إلى الهند عبر الأراضي الباكستانية.
صحيح أن تبدلاً طرأ على مواقف الباكستان وسياساتها، جراء التنامي المتسارع لنفوذ الحركات الإسلامية في البلاد، وصحيح أن هناك تقارير مؤكدة عن “تورط” جهات أمنية وعسكرية وعشائرية باكستانية في “علاقات صداقة” مع منظمات مصنفة دولياً إرهابية، من طالبان وانتهاء بالقاعدة ... لكن اتجاه هذه الحركات المتطرفة، لتهديد أمن الباكستان واستقرارها، وتنفيذها سلسلة من العمليات الموجعة ضد أهداف مدنية وعسكرية باكستانية (آخرها الهجوم على الجماعة أمس)، جعل إسلام آباد، تراجع بعضا من حساباتها ... فهذه المنظمات التي لقيت حضناً دافئاً في البلاد، على أمل استخدامها ضد الهند في الصراع حول كشمير، بدأت تهدد أمن الباكستان ذاته، وهي بحكم طبيعتها وخلفيتها الإيديولوجية، تظهر أعمق مشاعر الكراهية لإيران، والشيعة، الأمر الذي جعل من محاربتها وتقليم أظافرها، هدفاً مشتركة ومصلحة متبادلة بين باكستان وإيران.
الباكستان ليست “ديمقراطية ناجزة”، الجيش ما زال يلعب دوراً محورياً في حياة البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية، ولقد شهد تاريخها الحديث، حالة من التناوب بين حكم “العسكر” وانقلاباتهم من جهة، والحكومات المدنية/ الحزبية المنتخبة من جهة ثانية، وفي العشرية الأخيرة على وجه التحديد، بدا أن البلاد تتجه نحو قدر من الاستقرار السياسي، في ظل نظام حزبي / برلماني قوي، لم يعد يسمح للجنرالات بأخذ البلاد في أي اتجاه يريدون، وإبقاء قبضتهم الحديدية فوق رؤوس البلاد والعباد، وقد تبدى ذلك بوضوح في وحدة الموقف بين الجيش والبرلمان، عندما وضع قرار المشاركة في الحرب على اليمن على مائدة البحث والنقاش، وسقط بإجماع أصوات النواب والأحزاب.
من غير المعروف أيضاً، أن الباكستان، صديقة السعودية وحليفتها، كانت لها مقاربتها المختلفة، حيال الأزمة السورية، فهي لم تسحب سفيرها ولم تغلق سفارتها في دمشق، وكان لافتاً بعد أيام قلائل من الإعلان عن قيام “التحالف العسكري الإسلامي” ضد الإرهاب، والذي زُجّ فيه باسم الباكستان من دون أخذ رأي قيادتها ومؤسساته، أن سفير إسلام آباد في دمشق، التقى وزير داخلية سوريا محمد الشعار، وأدلى بتصريحات داعمة لدور سوريا حكومة وجيشاً وشعباً في الحرب على الإرهاب، مُعلياً من شأن “المصلحة المشتركة” للبلدين، في مواجهة التطرف والإرهاب.
في هذا السياق، تأتي “المساعي الحميدة” التي بدأها رئيس الوزراء نواز شريف، والتي يأمل أن تتحول إلى “وساطة” مقبولة بين البلدين... شريف يعتقد كما يبدو، أنه يخدم مصالح بلاده على نحو أفضل، إن هو استبدل دور “الطرف” بدور “الوسيط”، فضلاً عن إدراك هذه الدولة الكبرى، لخطورة احتدام الصراع المذهبي الذي يشق “الشرق الأوسط الكبير” إلى شطرين، وهذه القناعة، هي التي دفعت أطراف دولية عديدة، لعرض الوساطة على الرياض وطهران، من الرئيس التركي المسكون بهاجس “المسألة العلوية” في بلاده، إلى الرئيس الصيني الذي شرع في جولة على البلدين ودول المنطقة، وضع في صدارة أجندتها، عرض الوساطة.
هل تنجح جهود الوساطة الباكستانية في “احتواء” الأزمة الناشبة بين إيران والسعودية؟ ... سؤال أجابت عليه طهران بالترحيب بمهمة الجار الباكستاني، تزامناً مع تصعيد في لغة الخطاب السعودي ضد إيران ... على أنه من السابق لأوانه، الحكم على الموقف السعودي، وما إذا كان “نهائياً” أو “تفاوضياً”، إذ في الوقت الذي يقترح فيه بعض المحللين أن الوفود السعودية رفيعة المستوى، التي أمت الباكستان مؤخراً، سعت في إقناع الباكستان للالتحاق بالخندق السعودي في مواجهة إيران، تقترح مصادر أخرى، أن حركة شريف ومساعيه الحميدة، إنما جاءت تلبية لطلب سعودي تم تمريره من تحت الطاولة، ومن دون إعلان ... أين الحقيقة في هذه الروايات المتضاربة؟ ... وحدها الأيام القادمة، ستأتي بالجواب.
الدستور
باكستان دولة مسلمة، يشكل الشيعة والإسماعليون فيها أزيد من ربع السكان (حوالي 30 بالمائة) وفقاً للمصادر الشيعية، وقرابة العشرين بالمائة وفقاً لمصادر سنية ... دولة الأغلبية السنية، أسسها الشيعي محمد علي جناح، في توقيت متزامن مع استقلال الجارة اللدودة: الهند، وكإنشقاق عنها.
المعروف عن الباكستان، أنها تحتفظ بعلاقات وطيدة واستثنائية مع المملكة العربية السعودية، ولقد أنفقت المملكة عشرات مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد الباكستاني، ولتمكين إسلام آباد من الحصول على برنامج نووي وصاروخي عسكري لبناء نوع من توازن القوى مع الهند، ويعمل ملايين الباكستانيين في السعودية ودول الخليج، يضخون مليارات الدولارات في عروق الاقتصادي الباكستاني المتيبسة، وثمة علاقات تعاون أمني وعسكري وثيقة، بين البلدين، ويقال إن بينهما اتفاقا غير معلن، مولت بموجبه السعودية “القنبلة النووية” الباكستانية، نظير تعهد إسلام آباد بتسليم المملكة “قنبلة جاهزة” في حال استشعرت ضرورة امتلاكها.
لكن من غير المعروف، أن العلاقات المتميزة التي تربط الباكستان بالسعودية، لم تمنع الأولى من إقامة علاقات وطيدة مع إيران، امتداداً لعلاقات تاريخية بين الأوردو والفرس، فسفارتها في واشنطن تتولى “رعاية المصالح” الإيرانية في الولايات المتحدة، بعد القطيعة التي ضربت العلاقات الأمريكية – الإيرانية ... كما أن الباكستان كانت من بين دول قليلة جادلت بحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووي، وبين طهران وإسلام آباد مشاريع مد أنابيب نفط وغاز إيرانية لتزويد الباكستان بجزء من احتياجاتها، وإيصال “الطاقة الإيرانية” إلى الهند عبر الأراضي الباكستانية.
صحيح أن تبدلاً طرأ على مواقف الباكستان وسياساتها، جراء التنامي المتسارع لنفوذ الحركات الإسلامية في البلاد، وصحيح أن هناك تقارير مؤكدة عن “تورط” جهات أمنية وعسكرية وعشائرية باكستانية في “علاقات صداقة” مع منظمات مصنفة دولياً إرهابية، من طالبان وانتهاء بالقاعدة ... لكن اتجاه هذه الحركات المتطرفة، لتهديد أمن الباكستان واستقرارها، وتنفيذها سلسلة من العمليات الموجعة ضد أهداف مدنية وعسكرية باكستانية (آخرها الهجوم على الجماعة أمس)، جعل إسلام آباد، تراجع بعضا من حساباتها ... فهذه المنظمات التي لقيت حضناً دافئاً في البلاد، على أمل استخدامها ضد الهند في الصراع حول كشمير، بدأت تهدد أمن الباكستان ذاته، وهي بحكم طبيعتها وخلفيتها الإيديولوجية، تظهر أعمق مشاعر الكراهية لإيران، والشيعة، الأمر الذي جعل من محاربتها وتقليم أظافرها، هدفاً مشتركة ومصلحة متبادلة بين باكستان وإيران.
الباكستان ليست “ديمقراطية ناجزة”، الجيش ما زال يلعب دوراً محورياً في حياة البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية، ولقد شهد تاريخها الحديث، حالة من التناوب بين حكم “العسكر” وانقلاباتهم من جهة، والحكومات المدنية/ الحزبية المنتخبة من جهة ثانية، وفي العشرية الأخيرة على وجه التحديد، بدا أن البلاد تتجه نحو قدر من الاستقرار السياسي، في ظل نظام حزبي / برلماني قوي، لم يعد يسمح للجنرالات بأخذ البلاد في أي اتجاه يريدون، وإبقاء قبضتهم الحديدية فوق رؤوس البلاد والعباد، وقد تبدى ذلك بوضوح في وحدة الموقف بين الجيش والبرلمان، عندما وضع قرار المشاركة في الحرب على اليمن على مائدة البحث والنقاش، وسقط بإجماع أصوات النواب والأحزاب.
من غير المعروف أيضاً، أن الباكستان، صديقة السعودية وحليفتها، كانت لها مقاربتها المختلفة، حيال الأزمة السورية، فهي لم تسحب سفيرها ولم تغلق سفارتها في دمشق، وكان لافتاً بعد أيام قلائل من الإعلان عن قيام “التحالف العسكري الإسلامي” ضد الإرهاب، والذي زُجّ فيه باسم الباكستان من دون أخذ رأي قيادتها ومؤسساته، أن سفير إسلام آباد في دمشق، التقى وزير داخلية سوريا محمد الشعار، وأدلى بتصريحات داعمة لدور سوريا حكومة وجيشاً وشعباً في الحرب على الإرهاب، مُعلياً من شأن “المصلحة المشتركة” للبلدين، في مواجهة التطرف والإرهاب.
في هذا السياق، تأتي “المساعي الحميدة” التي بدأها رئيس الوزراء نواز شريف، والتي يأمل أن تتحول إلى “وساطة” مقبولة بين البلدين... شريف يعتقد كما يبدو، أنه يخدم مصالح بلاده على نحو أفضل، إن هو استبدل دور “الطرف” بدور “الوسيط”، فضلاً عن إدراك هذه الدولة الكبرى، لخطورة احتدام الصراع المذهبي الذي يشق “الشرق الأوسط الكبير” إلى شطرين، وهذه القناعة، هي التي دفعت أطراف دولية عديدة، لعرض الوساطة على الرياض وطهران، من الرئيس التركي المسكون بهاجس “المسألة العلوية” في بلاده، إلى الرئيس الصيني الذي شرع في جولة على البلدين ودول المنطقة، وضع في صدارة أجندتها، عرض الوساطة.
هل تنجح جهود الوساطة الباكستانية في “احتواء” الأزمة الناشبة بين إيران والسعودية؟ ... سؤال أجابت عليه طهران بالترحيب بمهمة الجار الباكستاني، تزامناً مع تصعيد في لغة الخطاب السعودي ضد إيران ... على أنه من السابق لأوانه، الحكم على الموقف السعودي، وما إذا كان “نهائياً” أو “تفاوضياً”، إذ في الوقت الذي يقترح فيه بعض المحللين أن الوفود السعودية رفيعة المستوى، التي أمت الباكستان مؤخراً، سعت في إقناع الباكستان للالتحاق بالخندق السعودي في مواجهة إيران، تقترح مصادر أخرى، أن حركة شريف ومساعيه الحميدة، إنما جاءت تلبية لطلب سعودي تم تمريره من تحت الطاولة، ومن دون إعلان ... أين الحقيقة في هذه الروايات المتضاربة؟ ... وحدها الأيام القادمة، ستأتي بالجواب.
الدستور