الكلالدة... مغالطات في المغالطات وتناقض في معطيات النقد استوجبت الرد
كتب عمر محارمة -
غريبة هي حالة الحكومة الحالية، فأسلوب التضليل و ليّ الحقائق أصبح سمة من سماتها، فلا حديث عن الوضع الاقتصادي أو المديونية دون حشوه بمغالطات تضلل الناس وتستخف بذكائهم، ولا تصريح حول قضية داخلية دون محاولة التفافية لإقناع الناس برواية تكون أحيانا أقرب إلى الخيال.
هذا النمط في التعاطي مع القضايا الوطنية انسحب يوم أمس على تناول وزارة التنمية السياسية لتقرير تحليلي حول النظام الإنتخابي نشر في جريدة "الدستور" وفي موقع "جفرانيوز" يوم الثلاثاء الماضي وتناقلته عدد من المواقع الإلكترونية.
ومن موقع الحرص على توضيح الحقائق لجمهور المواطنين وإثراء الحوار الذي دعا إليه وزير الشؤون السياسية والبرلمانية الدكتور خالد الكلالدة في ختام رده المذكور، أشير إلى جملة من المغالطات التي تضمنها بيان الوزير الكلالدة، والتي جاءت بطريقة تنتقص من الجهد المبذول في التقرير، وتلتف على جملة من الحقائق التي تضمنها، وتتناقض في بعض فقراتها مع بعضها البعض.
المغالطة الأولى التي وقع فيها الوزير عدم انتباهه إلى أن ما نشرته "الدستور" كان تقريرا تحليليا اعتمد على قواعد البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة المستقلة للانتخاب ودائرة الإحصاءات العامة ووزارة التخطيط، وأنه ليس تحقيقا استقصائيا اجتهد معده في البحث عن البيانات و جمعها من هنا أو هناك، وهو تقرير أنجز بدعم فني و "لوجستي" من شبكة أريج، وكان يكفي الوزير أن يستشير شخصا يستطيع التمييز بين التحقيق والتقرير أو الخبر والتحليل ليكفيه مشقة ارتكاب هذه المغالطة.
أما المغالطة الثانية فتمثلت بانتقاد الاعتماد على نتائج الانتخابات الأخيرة، واعتبار ذلك طريقة غير ملائمة لقياس مدى عدالة نظام الانتخاب، علما أن كافة البحوث والدراسات التي تجرى على مثل هذه الأمور تستند إلى آخر إحصاءات و أرقام متوفرة، ولم يوضح الكلالدة المقصود من إشارته إلى تغيير القانون من أغلبي إلى نسبي، حيث أن ذلك لا يعني تغييرا على قواعد البيانات للناخبين والدوائر الانتخابية وبالتالي فإن هذه النقطة غير مؤثرة في قياس عدالة توزيع المقاعد البرلمانية.
فيما تبدو المغالطة الثالثة في رد الكلالدة "مبهمة" ولم توضح المقصود بالإشارة إلى اعتماد سجلات دائرة الأحوال كسجلات للناخبين في القانون الجديد، فما هي الإضافة التي أراد الوزير لفت الانتباه إليها؟ فتسجيل الناخبين سابقا كان يخضع لذات القواعد والمعيقات في كافة الدوائر، لذلك فان التفاوت بينها سيبقى هو ذاته من الناحية النسبية سواء جرت عملية تسجيل جديدة للناخبين أو تم الاكتفاء بسجلات دائرة الأحوال المدنية واعتمادها كقوائم للناخبين.
أما حديث الوزير عن مُغالطة تتعلق بمعايير (الجغرافيا والديموغرافيا والتنمية)، فيبدو أن الوزير لم يقرأ التقرير جيدا، فلو فعل لوجد فقرات تتعلق بقياسات افتراضية تعتمد هذه المعايير، علما أنه لا قاعدة علمية واضحة لأسس اعتماد كل عنصر من هذه العناصر وفق حديث الكلالدة نفسه لمعد التقرير خلال اتصال هاتفي الشهر الماضي، كما أن التقرير لم يعتمد قوائم الناخبين في جزءه المتعلق بالتوزيع المقترح لمقاعد مجلس النواب الـ 130 بل اعتمد على عنصر السكان إضافة إلى عناصر متعلقة بالمساحة و الأوضاع التنموية انطلاقا من الإحصاءات الرسمية حول الفقر والبطالة و الدخل و حجم الاستثمار وخدمات التعليم والصحة، فالنتائج المنشورة في التقرير هي خلاصة بحث وتحليل إحصائي لم يكن من مجال لذكر كل تفاصيله في التقرير باعتباره مادة صحافية وليس بحث علمي.
أما حديث الوزير عن تركيز التقرير على العامل الديموغرافي في طلب زيادة مقاعد محافظات العاصمة وإربد والزرقاء، فهو يغالط كل الحقائق الواردة في التقرير وحتى الواردة أعلاه في رد الوزير، فلو كان الأمر كذلك لكانت المطالبة بزيادة مقاعد هذه المحافظات الثلاث إلى 70 مقعد على الأقل من الـ 130 مقعد التي تضمنها مشروع القانون الجديد باعتبار أن سكان المحافظات الثلاث هذه يشكلون 65% من سكان المملكة وفق التعداد العام للسكان للعام 2004، فيما أن حصتهم من المقاعد وفق الانتخابات السابقة لا تتجاوز 35% ولم تتعدى في المقترح الذي تضمنه التقرير 40% من عدد مقاعد مجلس النواب مما يعني أن الأبعاد الجغرافية والتنموية مأخوذة بالحسبان.
أما حديث الوزير عن تأثير مقاطعة القوى السياسية والحزبية للانتخابات السابقة على دقة الأرقام التي اتكأ عليها التقرير، فهو حديث يحمل تناقض مع مواقف سابقة للحكومة حينما أقرت في أكثر من مناسبة أن هذه المقاطعة كانت ذات اثر محدود على المشاركة في الانتخابات، ثم أن تأثير المشاركة هذه يشمل كافة دوائر المملكة وليس مقصورا على دوائر بعينها.
وللرد على حديث الوزير عن الاعتماد على فرضيات دون براهين وأدلة فنطلب من الوزير إعادة قراءة التقرير حيث سيتبين له أنه قائم على أرقام و إحصاءات رسمية تم تحليلها إحصائيا من قبل مختصين وبطريقة علمية بحته.
أما ما يتعلق بحديث الوزير عن وجود تصورات في التقرير حول نظام الانتخاب المقبل فالتقرير لم يغفل ذلك و أشار إلى أن النظام لم يصدر وأن المعلومات المتوفرة هي مجرد تسريبات.
و فيما يتعلق بما اعتبره الوزير المُغالطة السابعة التي قال فيها أن التقرير "كبى" في عدم التمييز بين "الوزن الانتخابي" للمقعد داخل محافظات العاصمة وإربد والزرقاء؛ وبين الدوائر الانتخابية الأخرى على مستوى المحافظات فنرجو مرة أخرى من معالي الوزير أعادة قراءة التقرير حيث سيكتشف أن المقارنة هذه كانت العامود الرئيسي لما جاء في التقرير، فالتقرير تكون بشكله البنيوي من ثلاثة محاور أساسية الأول مقارنة أوزان المقاعد بين المحافظات كافة أما المحور الثاني فهو مقارنة أوزان المقاعد بين دوائر المحافظة الواحدة، أما المحور الثالث فهو الجزء الذي تضمن التوصيات و المقترحات المستندة على تحليل لعناصر السكان والجغرافيا والمؤشرات التنموية.
وفيما يتعلق بالنسب المعقولة او المقبولة للتفاوت بين الدوائر الانتخابية فقد جاء التقرير منسجما مع ما ذهب اليه الوزير الكلالدة في هذه الجانب، فالتفاوت النسبي لاعتبارات جغرافية وتنموية مقبول في كافة انظمة وقوانين العالم، لكن التقرير كشف عن وجود تفاوت تتجاوز نسبته النسب المقبولة بكثير فوزن المقعد على سبيل المثال يتفاوت داخل بعض دوائر المحافظة الواحدة بنسب تزيد على 250% ، ولتأكيد ذلك نطلب من معالي الوزير مقارنة الارقام الرسمية الموجودة على موقع الهيئة المستقلة للانتخاب المتعلقة بالفارق بين دائرتي البلقاء الاولى والرابعة مثلا او دائرتي العاصمة الثالثة والرابعة أو دائرتي إربد الثانية والسابعة، فنسب التفاوت هنا تجاوزت حدود المقبول والمنطقي باضعاف مضاعفة.
وختاما لا بد من الاشارة الى أن النسب والمقارنات الواردة في التقرير لم تكن نتيجة لإستفتاء وآراء، فالحديث عن ظلم لحق بالدائرتين الثانية و الرابعة في عمان، يستند الى أرقام ونتائج وليس الى تحليل ذاتي أو رأي شخصي.
اقرأ أيضا:
تقرير: نظام الانتخاب الحالي لا يحقق العدالة بين دوائر المملكة








