الثلجة الكبيرة من لمة الفوجيكا الى التهافت التاريخي
جو 24 : كتبت: روز نصر - ما أجملها تلك اللحظة التي كنت أستيقظ فيها صباحاً لأجد الأرض مكتسية بالبياض دون سابق إنذار، نعم دون سابق إنذار أو توقعات جوية مسبقة مثقلة بالانتظار والترقب، وما إن أعود إلى النوم مسرعة لألملم دفء فراشي لأستيقظ على صوت أمي تنادي مستبقة إيصال معلومة: لا دوام اليوم "الدنيا ثلج والطرق مسكرة".
لا أنكر تثاقل جسدي للنهوض من السرير ووضع موعد آخر للاستيقاظ مع تحد يتجدد كل بضع دقائق، حتى يتبدد كل ذلك في لحظة أشم فيها رائحة الخبز المحمص.. فأمي تحضر الفطور.
نعم إنها رائحة الخبز مع رائحة البطاطا والبيض المشوي داخل أوراق صفحات الجريدة الرياضية كون أمي غير مهتمة بالرياضة، كل ذلك على "صوبة الفوجيكا" التي يعرف معظم الناس معنى "اللمة العائلية حولها".
وحول الفوجيكا؛ وهي صوبة الكاز التي كانت تستخدم قبل ظهور صوبات الغاز والتي لا تزال تستخدم حالياً في بعض البيوت على شكلها القديم؛ كنا نسترق لقيمات الطعام قبل الإعلان عن موعد بدء الإفطار بحضور كبير العائلة وهو والدي، حيث لم نكن نستطيع الانتظار، فدبس العنب مع الطحينية يضاهي لذة "النوتيلا" لمحبيها حالياً.
التسابق على تناول الطعام لحظات متسارعة تتوقف في لحظة نفاد الخبز عندما تقول أمي لا يوجد لدينا المزيد، هل كنا نعرف معنى التهافت والتموين المسبق، كما هو الحال عليه مؤخراً، فقد شهدت المنخفض الحالي ارتفاعا على طلب الخبز بنسبة 150 % و100% على المواد الغذائية و200% على المحروقات، وفقاً للأرقام الرسمية.
ليس الخبز وحده ما نفد من مطبخنا ربما لن تجتمع مكونات طبخة واحدة للغداء المنتظر في يوم عائلي بامتياز، وبالرغم من أنه كان موعد التبضع وشراء حاجيات المنزل، إلا أن المنخفض الجوي سبق هذه المهمة التي تقع على عاتق والدي وحال دون تنفيذها.
التذمر غير مسموح فكل ما في المنزل من طعام وخير هو "نعمة الله" ويجب أن نحمده عليها كما تقول جدتي التي بادرت آنذاك باقتراح تحضير شوربة العدس "اللي بتدفي العظام بهالبرد" على حد تعبيرها، حيث لم تكتف بذلك الوصف بل تطرقت الى فوائد العدس كنوع من الترغيب ضاربة مثالاً بأنها تغني عن طبق السمك بكافة أنواعه!
حتى هذه اللحظة كنا نكتفي بمتابعة أحوال الطقس عبر النافذة بعيداً عن ضجيج نشرات الهواتف الذكية وتطبيقاتها ومواقع الرصد الجوي، التي وصفها بعض الكتاب بأنها أشبه بتحد الكلاسيكو ما بين دائرة الأرصاد الجوية وموقع طقس العرب إلى جانب "هواة الطقس" والذين تملأ صفحاتهم وتوقعاتهم مواقع التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي ولد لدى الحكومة توجها لتنظيم عمل المراصد الجوية.
تعلمنا من أمهاتنا بحدسهن فهن أصدق من الخرائط الجوية، عندما كانت تقول أمي "الدنيا هواها ثلج" أو "الغيم أبيض" كانت تلك التوقعات بالنسبة لنا حقيقة عاجلة أم آجلة لا تحتمل الخطأ، فهي أمي التي لا تخطئ أبداً.
ومع بدء النهار كان التلفزيون الأردني الشاشة الوحيدة التي تزودنا بالمعلومات آنذاك والتي كانت تنفرد بالآخر أخبار الطرق وإعلان العطلة الرسمية وأي مستجدات أخرى، تأخذنا بجولة لمشاهد الثلج تبدأ من حديقة التلفزيون وتجوب في شوارع العاصمة على أنغام فيروز وهي تغني "تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج".
وفيما يخص نشرة الطقس كان المتنبئ الجوي في دائرة الأرصاد الجوية علي عبنده يطل علينا في الظروف الاستثنائية بشكل مستمر، من خلال البرامج المفتوحة التي أستذكر فيها المذيع عساف الشوبكي.
بداية الثلج وترقب تساقطه لحظة بلحظة كان يعني لنا أحلاما يحققها بناء "رجل الثلج" الأجمل في الحارة، وتبادل رمي كرات الثلج ولكن كيف والباب مغلق لأن اللعب بالثلج والخروج من المنزل أثناء تساقطه "سبب رئيسي للإصابة بالإنفلونزا ونزلة البرد" بحسب توجيهات والداي، إضافة إلى أن الخروج بالثلج ممنوع كأحد البنود الأساسية والاستبدادية بنظرنا من قوانين المنزل، إلا أن أحلامنا البريئة كانت دافعاًً قويا لرسم مخطط الخروج وتهريب معدات بناء رجل الثلج، وما أعظمها تلك اللحظة التي تقرر فيها أمي الدخول إلى المطبخ فهي تشكل لحظة تاريخية للانطلاق نحو الفضاء الأبيض.
الأردنيون عادوا ليستذكروا "الثلجة الكبيرة" كما أطلق عليها كبار السن عام 1992، عندما اجتاحت المملكة في أواخر العام 2013 عاصفة سميت بـ"أليكسا" من حيث كثافتها وسماكتها، أو العاصفة جنى التي حلت على البلاد الموسم الماضي، إلا أنها لم تكن عواصف مفاجئة كما في السابق، حيث كانت عواصف معلن عنها وفقاً للتنبؤات الجوية منذ نحو أسبوع سبقها.
لا أنكر تثاقل جسدي للنهوض من السرير ووضع موعد آخر للاستيقاظ مع تحد يتجدد كل بضع دقائق، حتى يتبدد كل ذلك في لحظة أشم فيها رائحة الخبز المحمص.. فأمي تحضر الفطور.
نعم إنها رائحة الخبز مع رائحة البطاطا والبيض المشوي داخل أوراق صفحات الجريدة الرياضية كون أمي غير مهتمة بالرياضة، كل ذلك على "صوبة الفوجيكا" التي يعرف معظم الناس معنى "اللمة العائلية حولها".
وحول الفوجيكا؛ وهي صوبة الكاز التي كانت تستخدم قبل ظهور صوبات الغاز والتي لا تزال تستخدم حالياً في بعض البيوت على شكلها القديم؛ كنا نسترق لقيمات الطعام قبل الإعلان عن موعد بدء الإفطار بحضور كبير العائلة وهو والدي، حيث لم نكن نستطيع الانتظار، فدبس العنب مع الطحينية يضاهي لذة "النوتيلا" لمحبيها حالياً.
التسابق على تناول الطعام لحظات متسارعة تتوقف في لحظة نفاد الخبز عندما تقول أمي لا يوجد لدينا المزيد، هل كنا نعرف معنى التهافت والتموين المسبق، كما هو الحال عليه مؤخراً، فقد شهدت المنخفض الحالي ارتفاعا على طلب الخبز بنسبة 150 % و100% على المواد الغذائية و200% على المحروقات، وفقاً للأرقام الرسمية.
ليس الخبز وحده ما نفد من مطبخنا ربما لن تجتمع مكونات طبخة واحدة للغداء المنتظر في يوم عائلي بامتياز، وبالرغم من أنه كان موعد التبضع وشراء حاجيات المنزل، إلا أن المنخفض الجوي سبق هذه المهمة التي تقع على عاتق والدي وحال دون تنفيذها.
التذمر غير مسموح فكل ما في المنزل من طعام وخير هو "نعمة الله" ويجب أن نحمده عليها كما تقول جدتي التي بادرت آنذاك باقتراح تحضير شوربة العدس "اللي بتدفي العظام بهالبرد" على حد تعبيرها، حيث لم تكتف بذلك الوصف بل تطرقت الى فوائد العدس كنوع من الترغيب ضاربة مثالاً بأنها تغني عن طبق السمك بكافة أنواعه!
حتى هذه اللحظة كنا نكتفي بمتابعة أحوال الطقس عبر النافذة بعيداً عن ضجيج نشرات الهواتف الذكية وتطبيقاتها ومواقع الرصد الجوي، التي وصفها بعض الكتاب بأنها أشبه بتحد الكلاسيكو ما بين دائرة الأرصاد الجوية وموقع طقس العرب إلى جانب "هواة الطقس" والذين تملأ صفحاتهم وتوقعاتهم مواقع التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي ولد لدى الحكومة توجها لتنظيم عمل المراصد الجوية.
تعلمنا من أمهاتنا بحدسهن فهن أصدق من الخرائط الجوية، عندما كانت تقول أمي "الدنيا هواها ثلج" أو "الغيم أبيض" كانت تلك التوقعات بالنسبة لنا حقيقة عاجلة أم آجلة لا تحتمل الخطأ، فهي أمي التي لا تخطئ أبداً.
ومع بدء النهار كان التلفزيون الأردني الشاشة الوحيدة التي تزودنا بالمعلومات آنذاك والتي كانت تنفرد بالآخر أخبار الطرق وإعلان العطلة الرسمية وأي مستجدات أخرى، تأخذنا بجولة لمشاهد الثلج تبدأ من حديقة التلفزيون وتجوب في شوارع العاصمة على أنغام فيروز وهي تغني "تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج".
وفيما يخص نشرة الطقس كان المتنبئ الجوي في دائرة الأرصاد الجوية علي عبنده يطل علينا في الظروف الاستثنائية بشكل مستمر، من خلال البرامج المفتوحة التي أستذكر فيها المذيع عساف الشوبكي.
بداية الثلج وترقب تساقطه لحظة بلحظة كان يعني لنا أحلاما يحققها بناء "رجل الثلج" الأجمل في الحارة، وتبادل رمي كرات الثلج ولكن كيف والباب مغلق لأن اللعب بالثلج والخروج من المنزل أثناء تساقطه "سبب رئيسي للإصابة بالإنفلونزا ونزلة البرد" بحسب توجيهات والداي، إضافة إلى أن الخروج بالثلج ممنوع كأحد البنود الأساسية والاستبدادية بنظرنا من قوانين المنزل، إلا أن أحلامنا البريئة كانت دافعاًً قويا لرسم مخطط الخروج وتهريب معدات بناء رجل الثلج، وما أعظمها تلك اللحظة التي تقرر فيها أمي الدخول إلى المطبخ فهي تشكل لحظة تاريخية للانطلاق نحو الفضاء الأبيض.
الأردنيون عادوا ليستذكروا "الثلجة الكبيرة" كما أطلق عليها كبار السن عام 1992، عندما اجتاحت المملكة في أواخر العام 2013 عاصفة سميت بـ"أليكسا" من حيث كثافتها وسماكتها، أو العاصفة جنى التي حلت على البلاد الموسم الماضي، إلا أنها لم تكن عواصف مفاجئة كما في السابق، حيث كانت عواصف معلن عنها وفقاً للتنبؤات الجوية منذ نحو أسبوع سبقها.
تابعو الأردن 24 على 
