خلعت الحجاب... وهربت من النظام و"داعش"
جو 24 : ترى أن التمرد ليس صفة مكتسبة، بل يخلق مع الإنسانوالظروف تشعل فتيله، وتفسح أمامه الطريق، كما أنتمردها الدفين كفتاة في بلد عاش ثورة وأزمة وحربًا مدمرةعلى مدى خمس سنوات مضت، دفعها لاتخاذ قراراتأشبه بالمغامرة بكل شيء، ولم يكن أولها التحاقها بالثورة،ولا آخرها هجرتها بمفردها إلى أوروبا بعد أن قررت خلعحجابها.
وكما الأسطورة السومرية القديمة التي تتحدث عن "ليليتو" تلك الروح الأنثوية التي سكنت شجرة صفصاف فجاء"جلجامش" ملك أورك فقطع جذع الشجرة وطارد الأنثىالمتمردة في البراري، وجدت هبة عز الدين من يقمعتحرّرها، ويستنكر قراراتها غير المألوفة على محيطهاومجتمعها ويطاردها، مما دعاها أخيراً لتصبح لاجئة فيهولندا على أمل عودة قريبة إلى سوريا عسى تستطيع أنتكمل ما بدأته قبل خمس سنين مع اندلاع الثورة.
بالتأكيد لم تكن تتصور المعيدة العشرينية في كلية الآداببجامعة حلب والقادمة من ريف إدلب، أن السنوات القادمةسوف تكون حافلة بالأحداث عندما قررت الالتحاق بالثورة،لم تكن ترى سوى أن الحركة الشبابية التي اكتسحتالشرق الأوسط بشكل عام، فرصة لإكمال تمردها الخفيفوالمحارب، كفتاة تحاول إكمال تعليمها العالي وتعيش فيمجتمع شرقي ذكوري قبلها، فكانت فرصة للعمل علىترسيخ حياة أفضل كما كان يعتقد معظم الشباب الملتحقينبركاب الثورة.
تقول هبة عزالدين عن ذلك: بالنسبة لي فقد كنت متمردةعلى مجتمعي الريفي المحافظ قبل الثورة، فكنت من القلةالنادرة اللواتي أكملن تعليمهن الجامعي، والوحيدة منمحيطي التي أكملت دراسات عليا، التعليم للفتاة كانخروجا عن المألوف، في بيئة يسودها الزواج الباكر،وتحكمها العادات والتقاليد، والأمر الآخر أن الجامعة كانتفي مدينة حلب، لذلك كان علي أن أسافر لوحدي وأسكنلوحدي في تلك المدينة، الشيء الذي كان مستهجنا جدابالنسبة لفتاة، ربما كون والديّ متعلمين ساهم إلى حدكبير في تنمية ذاك التمرد في داخلي.
لم تتوانَ هبة عن التظاهر مع الطلاب والناس خارجالجامعة، ثم بعد ذلك لوحقت من قبل الأجهزة الأمنية للنظامالسوري مما دعاها إلى التوقف عن عملها، وجعل نشاطهاأكثر تنظيما ورسوخاً، فساهمت عام 2012 بتأسيسمنظمة حرائر سورية التي كانت تعنى بحقوق المرأةوالطفل، ثم غادرتها بعد ذلك بعد أن اقتنعت أن المرأة فيغالب الأحيان هي عدوة نفسها، وتحجّم ذاتها بإرادتها، لابل تسعى لوضع العصي بعجلة تقدم النساء الأخريات،وهذه النتيجة بالذات دفعتها لاحقاً لاتخاذ طريق خاص بهالكي تتحرّر كمرأة.
في هذه الأثناء كان الوضع العسكري يتغيّر بشكلجذري، فتحولت بعض المناطق من سيطرة الجيش الحرّالى سيطرة داعش، ومن ثم المجموعات الجهادية الإسلاميةكأحرار الشام وجبهة النصرة، ومعظم هذه المجموعات علىاختلاف أيديولوجيتها الثورية والفكرية والعقائدية، بحسبعزالدين، "لم تكن قادرة على خلق أو تشجيع مؤسساتمدنية بديلة أو ما يسمى الإدارة الذاتية البديلة للمناطقالمحررة، مما أدى إلى فراغ مؤسسي وأمني كبير، كما أنتهميش دور القضاء متمثلا بالقضاة المنشقين وتعطيل عملالمحاكم المدنية لتحل محلها المحاكم الشرعية، إضافة الىانحلال جهاز الشرطة أنشأ حالة مجتمعية يسودها قانونالغاب أو سيطرة الأقوى، لذلك بدأت بالعمل كمنسقةميدانية لمشروع القضاء والشرطة الحرّة في محافظة إدلب،وعلى خلفية عملها هذا ونشاطات أخرى في الداخلالسوري تعرضت عزالدين لمحاولة اغتيال من مجهولين،حيث قاموا بإطلاق النار على السيارة التي كانت تستقلها،فدفعها ذلك إلى مغادرة سورية باتجاه تركيا.
ولأن الثورة كانت فأسًا لهدم كل الأصنام الفكرية بحسبهبة الثائرة، فقد حفرت في وجدانها عميقاً وغيرتمعتقداتها بكثير من الأمور، وكسرت كثيرًا من القناعاتالراسخة لديها، وجعلتها تفكر أكثر بالدين والمجتمع وعلاقةالذكر بالأنثى. وبناء عليه، وبعد تعمق كبير، قررت خلعالحجاب. تقول عن ذلك: أصبحت شخصًا لا أؤمن إلابنفسي، لأني أعلم تاريخ نفسي جيداً، وأعلم مكنوناتيبينما لا أثق بأي سردية أخرى، فأعتقد أننا نعيش علىفتات مراحل كثيرة من الكذب والتزوير في الحقائقالتاريخية والاجتماعية.
فكان قرارها بخلع الحجاب الانعطاف الأهم بحياتها، حيثتعرضت لانتقادات عنيفة من محيطها وحتى أصدقائهالاتخاذها هذا القرار، ولكنها تمسكت به ولم تتنازل عنه.وتوضح هبة عن سبب هذا التمسك رغم الضغوط التيتعرضت لها: أنا ابنة ريف فالحجاب كان جزءًا أساسياًمن ثقافة بيئتي، ولذلك تحجّبت وأنا بعمر الرابعة عشرة، ثمتأقلمت معه حتى ظننت أني أحبه، لكن أحسست أنه عبارةعن مطية لاستكمال السيطرة المجتمعية الذكورية على المرأةوتكريس تبعيتها، كمثل مبدأ الحجاب، ألا تغري المرأةالذكر الآخر في محيطها، وكأنها فقط جسد خلق للجنس،دون أن يتعلم ذاك الذكر أنها مثله تماما ولها خصوصيتها،التي يجب أن يكبح غرائزه الوحشية تجاهها، وما فاجأنيأن معظم الانتقادات التي تعرضت لها، لم تكن على مبدأالحلال والحرام بل التقاليد، وكأن التقاليد دين له ربهوطقوسه.
وتتابع: يعتقد الذكر أن المرأة تخلع الحجاب كي تغريذكورًا اخرين أكثر، ومعروف أن شعر المرأة يجعلها مغريةأكثر. أما أنا فلم أفكر بتلك الطريقة، لذلك وكردة فعللاشعورية، قصصت شعري قصة تدعى boyish haircutأي قصة شعر صبيانية. ربما كان ما بداخلي يريد أنيقول أني لست للإغراء أنا امرأة، لكن في الوقت نفسه، أحترم أي امرأة محجبة أو منقبة إن كان ذلك قرارهاالشخصي.
قررت هبة مغادرة تركيا والهجرة باتجاه أوروبا، وجاءقرارها بسبب اقتناعها بفساد معظم مؤسسات المعارضة،وهو ما حمل عددًا كبيرا من الشباب السوريين خلالالسنتين، إناثًا وذكورًا على الهجرة، خصوصاً مع عدمقدرتها على العودة إلى سوريا بسبب التهديدات التيوجهت إليها من أطراف عدة، حيث قررت السفر بشكلفردي بدون أن يرافقها أحد من ذويها، وفي "كامباتالانتظار" للحصول على أوراق اللجوء القانونية، فوجئت هبةبالكَمّ الكبير من السوريين المؤيدين للنظام السوريوداعش، ووجدت أنه من المستحيل التأقلم معهم، وتردف:أخشى على اللاجئين في أوروبا عموماً وهولندا خصوصاً،من هذين الصنفين.
وتعيش هبة ما بين محاولتها إكمال حياتها في أوروبا،وأمل بالعودة يوماً إلى سورية، فهي تحاول تعلم اللغةالهولندية، ورغم أنها حاصلة على الماجستير في طرقالتعليم، لكنها تبحث عن فرصة لإعداد رسالة دكتوراه فيمجال تصحيح النطق عند الأطفال، لأنها تعتقد جازمةبعودتها إلى سوريا يوماً ما، وسيكون هناك آلاف الأطفالممن فقدوا أو تعثّر نطقهم بسبب الحرب.
"النهار"
وكما الأسطورة السومرية القديمة التي تتحدث عن "ليليتو" تلك الروح الأنثوية التي سكنت شجرة صفصاف فجاء"جلجامش" ملك أورك فقطع جذع الشجرة وطارد الأنثىالمتمردة في البراري، وجدت هبة عز الدين من يقمعتحرّرها، ويستنكر قراراتها غير المألوفة على محيطهاومجتمعها ويطاردها، مما دعاها أخيراً لتصبح لاجئة فيهولندا على أمل عودة قريبة إلى سوريا عسى تستطيع أنتكمل ما بدأته قبل خمس سنين مع اندلاع الثورة.
بالتأكيد لم تكن تتصور المعيدة العشرينية في كلية الآداببجامعة حلب والقادمة من ريف إدلب، أن السنوات القادمةسوف تكون حافلة بالأحداث عندما قررت الالتحاق بالثورة،لم تكن ترى سوى أن الحركة الشبابية التي اكتسحتالشرق الأوسط بشكل عام، فرصة لإكمال تمردها الخفيفوالمحارب، كفتاة تحاول إكمال تعليمها العالي وتعيش فيمجتمع شرقي ذكوري قبلها، فكانت فرصة للعمل علىترسيخ حياة أفضل كما كان يعتقد معظم الشباب الملتحقينبركاب الثورة.
تقول هبة عزالدين عن ذلك: بالنسبة لي فقد كنت متمردةعلى مجتمعي الريفي المحافظ قبل الثورة، فكنت من القلةالنادرة اللواتي أكملن تعليمهن الجامعي، والوحيدة منمحيطي التي أكملت دراسات عليا، التعليم للفتاة كانخروجا عن المألوف، في بيئة يسودها الزواج الباكر،وتحكمها العادات والتقاليد، والأمر الآخر أن الجامعة كانتفي مدينة حلب، لذلك كان علي أن أسافر لوحدي وأسكنلوحدي في تلك المدينة، الشيء الذي كان مستهجنا جدابالنسبة لفتاة، ربما كون والديّ متعلمين ساهم إلى حدكبير في تنمية ذاك التمرد في داخلي.
لم تتوانَ هبة عن التظاهر مع الطلاب والناس خارجالجامعة، ثم بعد ذلك لوحقت من قبل الأجهزة الأمنية للنظامالسوري مما دعاها إلى التوقف عن عملها، وجعل نشاطهاأكثر تنظيما ورسوخاً، فساهمت عام 2012 بتأسيسمنظمة حرائر سورية التي كانت تعنى بحقوق المرأةوالطفل، ثم غادرتها بعد ذلك بعد أن اقتنعت أن المرأة فيغالب الأحيان هي عدوة نفسها، وتحجّم ذاتها بإرادتها، لابل تسعى لوضع العصي بعجلة تقدم النساء الأخريات،وهذه النتيجة بالذات دفعتها لاحقاً لاتخاذ طريق خاص بهالكي تتحرّر كمرأة.
في هذه الأثناء كان الوضع العسكري يتغيّر بشكلجذري، فتحولت بعض المناطق من سيطرة الجيش الحرّالى سيطرة داعش، ومن ثم المجموعات الجهادية الإسلاميةكأحرار الشام وجبهة النصرة، ومعظم هذه المجموعات علىاختلاف أيديولوجيتها الثورية والفكرية والعقائدية، بحسبعزالدين، "لم تكن قادرة على خلق أو تشجيع مؤسساتمدنية بديلة أو ما يسمى الإدارة الذاتية البديلة للمناطقالمحررة، مما أدى إلى فراغ مؤسسي وأمني كبير، كما أنتهميش دور القضاء متمثلا بالقضاة المنشقين وتعطيل عملالمحاكم المدنية لتحل محلها المحاكم الشرعية، إضافة الىانحلال جهاز الشرطة أنشأ حالة مجتمعية يسودها قانونالغاب أو سيطرة الأقوى، لذلك بدأت بالعمل كمنسقةميدانية لمشروع القضاء والشرطة الحرّة في محافظة إدلب،وعلى خلفية عملها هذا ونشاطات أخرى في الداخلالسوري تعرضت عزالدين لمحاولة اغتيال من مجهولين،حيث قاموا بإطلاق النار على السيارة التي كانت تستقلها،فدفعها ذلك إلى مغادرة سورية باتجاه تركيا.
ولأن الثورة كانت فأسًا لهدم كل الأصنام الفكرية بحسبهبة الثائرة، فقد حفرت في وجدانها عميقاً وغيرتمعتقداتها بكثير من الأمور، وكسرت كثيرًا من القناعاتالراسخة لديها، وجعلتها تفكر أكثر بالدين والمجتمع وعلاقةالذكر بالأنثى. وبناء عليه، وبعد تعمق كبير، قررت خلعالحجاب. تقول عن ذلك: أصبحت شخصًا لا أؤمن إلابنفسي، لأني أعلم تاريخ نفسي جيداً، وأعلم مكنوناتيبينما لا أثق بأي سردية أخرى، فأعتقد أننا نعيش علىفتات مراحل كثيرة من الكذب والتزوير في الحقائقالتاريخية والاجتماعية.
فكان قرارها بخلع الحجاب الانعطاف الأهم بحياتها، حيثتعرضت لانتقادات عنيفة من محيطها وحتى أصدقائهالاتخاذها هذا القرار، ولكنها تمسكت به ولم تتنازل عنه.وتوضح هبة عن سبب هذا التمسك رغم الضغوط التيتعرضت لها: أنا ابنة ريف فالحجاب كان جزءًا أساسياًمن ثقافة بيئتي، ولذلك تحجّبت وأنا بعمر الرابعة عشرة، ثمتأقلمت معه حتى ظننت أني أحبه، لكن أحسست أنه عبارةعن مطية لاستكمال السيطرة المجتمعية الذكورية على المرأةوتكريس تبعيتها، كمثل مبدأ الحجاب، ألا تغري المرأةالذكر الآخر في محيطها، وكأنها فقط جسد خلق للجنس،دون أن يتعلم ذاك الذكر أنها مثله تماما ولها خصوصيتها،التي يجب أن يكبح غرائزه الوحشية تجاهها، وما فاجأنيأن معظم الانتقادات التي تعرضت لها، لم تكن على مبدأالحلال والحرام بل التقاليد، وكأن التقاليد دين له ربهوطقوسه.
وتتابع: يعتقد الذكر أن المرأة تخلع الحجاب كي تغريذكورًا اخرين أكثر، ومعروف أن شعر المرأة يجعلها مغريةأكثر. أما أنا فلم أفكر بتلك الطريقة، لذلك وكردة فعللاشعورية، قصصت شعري قصة تدعى boyish haircutأي قصة شعر صبيانية. ربما كان ما بداخلي يريد أنيقول أني لست للإغراء أنا امرأة، لكن في الوقت نفسه، أحترم أي امرأة محجبة أو منقبة إن كان ذلك قرارهاالشخصي.
قررت هبة مغادرة تركيا والهجرة باتجاه أوروبا، وجاءقرارها بسبب اقتناعها بفساد معظم مؤسسات المعارضة،وهو ما حمل عددًا كبيرا من الشباب السوريين خلالالسنتين، إناثًا وذكورًا على الهجرة، خصوصاً مع عدمقدرتها على العودة إلى سوريا بسبب التهديدات التيوجهت إليها من أطراف عدة، حيث قررت السفر بشكلفردي بدون أن يرافقها أحد من ذويها، وفي "كامباتالانتظار" للحصول على أوراق اللجوء القانونية، فوجئت هبةبالكَمّ الكبير من السوريين المؤيدين للنظام السوريوداعش، ووجدت أنه من المستحيل التأقلم معهم، وتردف:أخشى على اللاجئين في أوروبا عموماً وهولندا خصوصاً،من هذين الصنفين.
وتعيش هبة ما بين محاولتها إكمال حياتها في أوروبا،وأمل بالعودة يوماً إلى سورية، فهي تحاول تعلم اللغةالهولندية، ورغم أنها حاصلة على الماجستير في طرقالتعليم، لكنها تبحث عن فرصة لإعداد رسالة دكتوراه فيمجال تصحيح النطق عند الأطفال، لأنها تعتقد جازمةبعودتها إلى سوريا يوماً ما، وسيكون هناك آلاف الأطفالممن فقدوا أو تعثّر نطقهم بسبب الحرب.
"النهار"