بالفيديو- أنهى سايمون حياته بارادته...هل تخطى التقرير الذي وثّق لحظات موته المحظور؟
اتهم مراسل جريدة "ذي تلغراف" البريطانية باتريك فوستر في مقاله المنشور في 16 من الحالي هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بأنها تلعب دور "المحفز الأول على الانتحار" بعد بثها مقطع فيديو للحظات الأخيرة في حياة رجل الأعمال البريطاني سايمون بينر( 57 عاماً) داخل عيادة انتحار سويسرية .
أوضح فوستر ان الـ"بي بي سي" أكدت أن هذه المقاطع هي جزء من وثائقي من 90 دقيقة بعنوان "الموت على طريقة سايمون" يواكب تراجع صحة بينر اثر إصابته بمرض عصبي قاتل غير قابل للشفاء. وبعد أن حرمه المرض من الكلام، اتّخذ قرار وضع حد لحياته في 19 تشرين الأول 2015 ، الذي يصاف ذكرى مولده، من خلال لجوئه إلى عيادات متخصصة "للمساعدة على الانتحار" في سويسرا.
سايمون نموذج لمن لهم الحق بالموت بكرامة!
ذكر فوستر أن "سايمون أنهى حياته مبتسماً وهو يمسك بيد زوجته ديبي. حقنته إحدى الطبيبات في عيادة للمساعدة على الانتحار في مدينة بازل السويسرية الدكتورة إيريكا بريسيك بمادة تؤدي الى موته من دون ألم. ينقطع المشهد وتصبح الشاشة سوداء كأنها أسدلت الستارة على خيار صعب سبقته رسالة من سايمون مؤثرة جداً كتبها لزوجته عن رحيله إلى عالم لا ألم فيه.
كشف الوثائقي وفقاً لصحيفة"الدايلي ميرور"البريطانية الصادرة في 10 شباط الماضي شهادة لسايمون قرأها أحد المشاركين في إعداد الفيلم قال فيها: "أنا من الرجال الذين يتمتّعون بالاستقلالية في الحياة. لم أر نفسي متآلفاً مع المرض الحاد الذي أصابني. تشبه حالتي حالة سيارة قديمة "مضى عليها الزمن وولى" ولم تعد عملية إصلاحها مجدية." وأعلن أنه "عندما عدنا من المستشفى بعد تشخيص مقلق لتطور مرضي، قررت أن أقتل نفسي أو أن ألجأ إلى الموت الرحيم."
الغريب في كل ذلك أن سايمون أعلن في بطاقته المهنية على خدمة "Linkedin" عن وضعه الصحي مشيراً إلى ساعة موته وتوقيت مراسم دفنه الجمعة 13 تشرين الثاني 2015. وشرح أيضاً أن قراره يرتبط بتراجع صحته جراء مرضه المستعصي الذي ينذر بجلجلة متصاعدة لسنة 2017 / 2018.
الإعلام في قفص الاتهام !
اعتبر محللون كثر في انتقادات لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي أن الـ "بي بي سي" قامت بواجبها المهني، ولو جاء الامرعلى حسابها وحرية سايمون الشخصية. لكن جريدة "ذي تلغراف" لفتت في أحد مقالاتها الى أن " هيئة الإذاعة البريطانية لجأت إلى النهج ذاته عام 2011 عندما بثت فيلماً وثائقياً عن رجل قرر إنهاء حياته في عيادة "دجيناس" الرائدة في المساعدة على الموت في سويسرا.
أما آراء المناهضين لما قامت به الوسيلة الاعلامية العريقة في السلطة الرابعة فتبرز في بيانات مندّدة بهذا العمل من رجالات دين من الأديان السماوية الثلاثة. وصدر الهجوم الأشرس من المسؤولة الإعلامية عن جمعية Care Not killing أليستير طومسن التي اتّهمت الـ "بي بي سي" بأنها تشجع من خلال بثّها مقاطع من الفيديو أشخاصاً كثراً على وضع حد لحياتهم .
ورفع القيمون على الموقع الإلكتروني للجمعية سقف اتهاماتهم للوسيلة معتبرين أنها فشلت فشلاً ذريعاً في اعتماد الموضوعية خلال مواكبتها لحالات الموت الرحيم أو نماذج اختارت المساعدة على الانتحار.
واعتبر الموقع على صفحته الأولى أن الـ "بي بي سي" وقعت في المحظور لأنها روّجت للانتحار، وهذا يتناقض مع الأدبيات المهنية التي لطالما تمايزت بها في العمل.
أضف إلى ذلك، بروز واقع النقاش الحادّ الذي جرى داخل "البيت الواحد" في الوسيلة المذكورة، واستعان بعض مقدمي البرامج فيها بالدليل الذي وضعته منظمة الصحة العالمية، التي تحذر من نشر صور أو إيحاءات توحي بالانتحار، أو حتى نشر أي تفاصيل دقيقة عن الوسيلة المتبعة للانتحار.
سويسرا وتنظيم عمل عيادات الانتحار
نقلت مجلة متخصصة في أدبيات الطب أو "Journal of Medical Ethics" أن المساعدة على الانتحار اعتبرت قانونية في سويسرا منذ العام 1941، شرط ألا يكون للمساعد على الوفاة أيّ مصلحة شخصية من مرافقة الشخص المعني إلى الموت. وذكر المصدر نفسه أن الأمور أضحت أكثر سهولة بعد افتتاح أحد القانونيين "عيادة ديغنيتاس" في العام 1998 التي تتولى المساعدة على الانتحار طبياً وقانونياً. وتوقفت المجلة عند دراسة لحظت اقتراحاً جديداً يقدمه المجلس التنفيذي السويسري لتنظيم عمل العيادات. وذكر المجلس أن القواعد التي تقترحها الحكومة وتفرض أن يعلن الراغبون في المساعدة على الانتحار بطرق محددة عن هدفهم واثبات السعي مع المتخصّصين لعلاج بديل لمرضهم قبل الوصول إلى إنهاء حياتهم.
وعدّد المجلس جملة تغيرات تفرض من خلالها إصدار تقريرين لطبيبين مستقلّين، ينصّ في كل منهما أن "المقدم على الانتحار لديه الأهلية القانونية لإتخاذ القرار مع ضرورة تشخيص معاناته وان مرضه غير قابل للشفاء".
وحدّد الخبير في مسألة الانتحار في جامعة زوريخ البروفسور بريجيتي تاج في مقال نشر في المجلة عينها أن "المساعدة على الانتحار، أو ما يعرف بالموت السلبي، سيظل مسموحاً للمصابين بأمراض خطيرة".
الى ذلك، نقل موقع " ذي ميرور" البريطاني شهادة إحدى الطبيبات في عيادة للمساعدة على الانتحار في مدينة بازل السويسرية الدكتورة إيريكا بريسيك البارزة في الفيلم الوثائقي الخاص بسايمون قولها "إننا نلتزم بدوام صباحي لأن الجهات الرسمية المواكبة لعملنا ترغب في العودة كل يوم إلى ديارها بين الرابعة والخامسة بعد الظهر". ولم تتردّد في القول: "لدينا أحياناً إقبال لافت في العيادة، وهذا ما يجعلنا نبدأ عملنا في الثامنة والنصف صباحاً...".