نحو إنطلاقة فلسطينية جديدة
حمادة فراعنة
جو 24 : الحياة تتجدد مثل خلايا الانسان ، وحينما تتوقف عن النمو والتطور تموت ويموت معها الانسان ، والتغيير هو مواصة الحياة بالشكل الذي يعكس حراك القوى النامية الجديدة وتمددها ، وفي السياسة ولدى التنظيمات لا هروب من هذه المعادلة ، إذا لم يستطع حزب أو حركة سياسية تعبأة الفراغ ، تأتي قوة أخرى لتغطية الحاجة، لتقود.
في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني بعد نكبته المدمرة عام 1948 ، وتشريد نصفه خارج وطنه ، واحتلال الجزء الأكبر منه ، وتمزيق ما تبقى منه إلى ثلاثة مناطق الضفة والقطاع ومنطقة 48 مفصولة عن بعضها البعض ، ولدت قوى سياسية عربية عابرة للحدود ، كانت الأقوى والأكثر نفوذاً بين الفلسطينيين ، مكونة من حزب البعث ، وحركة القوميين العرب ، والشيوعيين ، وحركة الإخوان المسلمين وحزب التحرر الاسلامي ، ولكن تطلعاتها كبيرة ، تفوق تطلعات الفلسطينيين ومعاناتهم ، فراهن الفلسطينيون على مواقفهم ، ولكن الأحزاب الخمسة ربطت تحرير فلسطين بقيام الوحدة العربية ، أو عودة الخلافة الاسلامية ، أو بناء الاشتراكية وانتصارها بوجود هانوي عربية ، فأدرك غالبية الفلسطينيين أن لا خيار لهم سوى خيارهم الفلسطيني ، ومشروعهم الوطني الديمقراطي الخاص بهم هوية وتمثيلاً في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، الذي تمدد عام 1967 ليحتل كل فلسطين ، فولد من رحمهم من هو الأقدر على تمثيلهم ، والتعبير عن وجعهم ، والتمسك المباشر بتطلعاتهم ، سواء عن القطاع الذي يعاني من الإحتلال وقسوته داخل وطنهم ، أو عن قطاع اللاجئين المشردين في المنافي على أرض المخيمات خارج فلسطين .
فكانت فصائل المقاومة الفلسطينية ، التي تفوقت على نفوذ الأحزاب الخمسة ، بامكاناتهم الضعيفة ، وكانت حركة فتح صاحبة مبادرة قفزت بعد معركة الكرامة عام 1968 ، كي تقود الحركة السياسية والوطنية الفلسطينية ، بتمسكها ببرنامج المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وبقيت كذلك حتى التوصل إلى اتفاق أوسلو ، وتداعياته بالاعتراف الإسرائيلي الأميركي بالعناوين الثلاثة : بالشعب وبالمنظمة وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وانتقال العنوان الفلسطيني وقيادته من المنفى إلى الوطن ، وولادة السلطة الوطنية كأداة لمنظمة التحرير ، وتجسيداً لمشروع الدولة المستقلة المنشودة على أرض الوطن .
ولكن ذلك تجمد ، وتوقفت حركة فتح عند ذلك التاريخ ، وبدأ التراجع عبر محطات متتالية :
1- فشل استكمال خطوات أوسلو التدريجية متعددة المراحل باغتيال إسحق رابين على الجبهة الإسرائيلية ، وتقدم اليمين الإسرائيلي المتطرف والأكثر عدوانية وتعصباً وشراسة ، ليكون صاحب القرار والادارة في قيادة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي والذي يعمل على ابتلاع كل فلسطين ، باستثناء قطاع غزة ، عبر تهويد القدس والغور ، وتوسيع الاستيطان ، وتمزيق الضفة الفلسطينية جغرافياً وسكانياً وجعلها طاردة لأهلها .
2- رحيل القائد الوطني والتاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات ، وتراجع برحيله قيم الائتلاف الوطني العريض ومؤسساته ، وغياب الوحدة الداخلية والتماسك التنظيمي ، وافتقاد بوصلة الأولويات والمواجهة .
3- تقدم حركة حماس ، كحركة سياسية معارضة بديلة لسياسات منظمة التحرير ونقيضها الأئتلافي الجبهوي ، ونجاحها في الانتخابات البلدية والتشريعية وانقلابها الأحادي في السيطرة المنفردة على قطاع غزة منذ عام 2007 وحتى يومنا هذا ، وسعيها نحو صفقة سياسية مع العدو الإسرائيلي على غرار إتفاق أوسلو عبر تركيا وقطر ، ونظام محمد مرسي السابق عبر تفاهمات القاهرة في 20/11/2012 ، وتم تجديدها يوم 26/8/2014 ، من أجل دولة مؤقتة على أرض غزة ، تستند لأتفاق هدنة طويلة الأجل مع تل أبيب .
لم يكن الوضع العربي أفضل حالاً مما هو عليه اليوم بالنسبة للفلسطينيين ، ولم يكن الوضع العربي رافعة مساندة ، فقد كان عبئاً ثقيلاً أرغم الشعب الفلسطيني وقيادته للإنحناء لقرار 242 عام 1988 ، ولمؤتمر مدريد عام 1991 ، والهروب نحو إتفاق أوسلو عام 1993 ، ولكن كان ذلك يتم على أرضية أوسع تفاهم فلسطيني ممكن ، كان ياسر عرفات ورفاقه ، وجورج حبش ومكانته ، ونايف حواتمة وقدراته ، والشيوعيون وعلاقاتهم الدولية ، روافع الشعب الذي يفتقد للإسناد وللتماسك ولروح المبادرة ، والتفاعلات اليوم في الشارع الفلسطيني وحركاته تواجهها الاعدامات الإسرائيلة للشباب والشابات ، ومتطلبات التنسيق وشروطه في رام الله ، والتهدئة والتزاماتها من غزة .
الشعب الفلسطيني بحاجة لوقفة تقييم ومراجعة ، وإنطلاقة جديدة لمشروعه الوطني الديمقراطي على أرض الوطن وهو ما سوف تحمله الأيام القدمة وتبشر به ، وهو ما نراه ونشاهده عبر سلسلة الاحتجاجات الفلسطينية ، في القدس والضفة والقطاع ، بدءاً من مظاهر الاحتفال بيوم إنطلاقة الثورة ومناسبة رحيل أبو عمار في غزة ، وإنتفاضة القدس الشبابية منذ بداية شهر تشرين أول 2015 ولا تزال ، وإضراب المعلمين في الضفة ، مظاهر أخاذة فاقعة ، تعكس الاحتجاج الشعبي والوطني الفلسطيني ضد الإحتلال أولاً ، وضد التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب ثانياً ، وضد التهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب ثالثاً ، أي ضد سلطتي رام الله وغزة وخياراتهم السياسية غير المبادرة ، وغير الكفاحية ، وفشلهما في استكمال خطوات الإستقلال السياسي والاقتصادي عن الإحتلال ، فالرواتب مرتبطة بسلطة الإحتلال وافراجاتها وتكرمها الأمني وهامش الحرية الذي تسمح به لطرفي الانقسام الفلسطيني .
h.faraneh@yahoo.com
في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني بعد نكبته المدمرة عام 1948 ، وتشريد نصفه خارج وطنه ، واحتلال الجزء الأكبر منه ، وتمزيق ما تبقى منه إلى ثلاثة مناطق الضفة والقطاع ومنطقة 48 مفصولة عن بعضها البعض ، ولدت قوى سياسية عربية عابرة للحدود ، كانت الأقوى والأكثر نفوذاً بين الفلسطينيين ، مكونة من حزب البعث ، وحركة القوميين العرب ، والشيوعيين ، وحركة الإخوان المسلمين وحزب التحرر الاسلامي ، ولكن تطلعاتها كبيرة ، تفوق تطلعات الفلسطينيين ومعاناتهم ، فراهن الفلسطينيون على مواقفهم ، ولكن الأحزاب الخمسة ربطت تحرير فلسطين بقيام الوحدة العربية ، أو عودة الخلافة الاسلامية ، أو بناء الاشتراكية وانتصارها بوجود هانوي عربية ، فأدرك غالبية الفلسطينيين أن لا خيار لهم سوى خيارهم الفلسطيني ، ومشروعهم الوطني الديمقراطي الخاص بهم هوية وتمثيلاً في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، الذي تمدد عام 1967 ليحتل كل فلسطين ، فولد من رحمهم من هو الأقدر على تمثيلهم ، والتعبير عن وجعهم ، والتمسك المباشر بتطلعاتهم ، سواء عن القطاع الذي يعاني من الإحتلال وقسوته داخل وطنهم ، أو عن قطاع اللاجئين المشردين في المنافي على أرض المخيمات خارج فلسطين .
فكانت فصائل المقاومة الفلسطينية ، التي تفوقت على نفوذ الأحزاب الخمسة ، بامكاناتهم الضعيفة ، وكانت حركة فتح صاحبة مبادرة قفزت بعد معركة الكرامة عام 1968 ، كي تقود الحركة السياسية والوطنية الفلسطينية ، بتمسكها ببرنامج المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وبقيت كذلك حتى التوصل إلى اتفاق أوسلو ، وتداعياته بالاعتراف الإسرائيلي الأميركي بالعناوين الثلاثة : بالشعب وبالمنظمة وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وانتقال العنوان الفلسطيني وقيادته من المنفى إلى الوطن ، وولادة السلطة الوطنية كأداة لمنظمة التحرير ، وتجسيداً لمشروع الدولة المستقلة المنشودة على أرض الوطن .
ولكن ذلك تجمد ، وتوقفت حركة فتح عند ذلك التاريخ ، وبدأ التراجع عبر محطات متتالية :
1- فشل استكمال خطوات أوسلو التدريجية متعددة المراحل باغتيال إسحق رابين على الجبهة الإسرائيلية ، وتقدم اليمين الإسرائيلي المتطرف والأكثر عدوانية وتعصباً وشراسة ، ليكون صاحب القرار والادارة في قيادة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي والذي يعمل على ابتلاع كل فلسطين ، باستثناء قطاع غزة ، عبر تهويد القدس والغور ، وتوسيع الاستيطان ، وتمزيق الضفة الفلسطينية جغرافياً وسكانياً وجعلها طاردة لأهلها .
2- رحيل القائد الوطني والتاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات ، وتراجع برحيله قيم الائتلاف الوطني العريض ومؤسساته ، وغياب الوحدة الداخلية والتماسك التنظيمي ، وافتقاد بوصلة الأولويات والمواجهة .
3- تقدم حركة حماس ، كحركة سياسية معارضة بديلة لسياسات منظمة التحرير ونقيضها الأئتلافي الجبهوي ، ونجاحها في الانتخابات البلدية والتشريعية وانقلابها الأحادي في السيطرة المنفردة على قطاع غزة منذ عام 2007 وحتى يومنا هذا ، وسعيها نحو صفقة سياسية مع العدو الإسرائيلي على غرار إتفاق أوسلو عبر تركيا وقطر ، ونظام محمد مرسي السابق عبر تفاهمات القاهرة في 20/11/2012 ، وتم تجديدها يوم 26/8/2014 ، من أجل دولة مؤقتة على أرض غزة ، تستند لأتفاق هدنة طويلة الأجل مع تل أبيب .
لم يكن الوضع العربي أفضل حالاً مما هو عليه اليوم بالنسبة للفلسطينيين ، ولم يكن الوضع العربي رافعة مساندة ، فقد كان عبئاً ثقيلاً أرغم الشعب الفلسطيني وقيادته للإنحناء لقرار 242 عام 1988 ، ولمؤتمر مدريد عام 1991 ، والهروب نحو إتفاق أوسلو عام 1993 ، ولكن كان ذلك يتم على أرضية أوسع تفاهم فلسطيني ممكن ، كان ياسر عرفات ورفاقه ، وجورج حبش ومكانته ، ونايف حواتمة وقدراته ، والشيوعيون وعلاقاتهم الدولية ، روافع الشعب الذي يفتقد للإسناد وللتماسك ولروح المبادرة ، والتفاعلات اليوم في الشارع الفلسطيني وحركاته تواجهها الاعدامات الإسرائيلة للشباب والشابات ، ومتطلبات التنسيق وشروطه في رام الله ، والتهدئة والتزاماتها من غزة .
الشعب الفلسطيني بحاجة لوقفة تقييم ومراجعة ، وإنطلاقة جديدة لمشروعه الوطني الديمقراطي على أرض الوطن وهو ما سوف تحمله الأيام القدمة وتبشر به ، وهو ما نراه ونشاهده عبر سلسلة الاحتجاجات الفلسطينية ، في القدس والضفة والقطاع ، بدءاً من مظاهر الاحتفال بيوم إنطلاقة الثورة ومناسبة رحيل أبو عمار في غزة ، وإنتفاضة القدس الشبابية منذ بداية شهر تشرين أول 2015 ولا تزال ، وإضراب المعلمين في الضفة ، مظاهر أخاذة فاقعة ، تعكس الاحتجاج الشعبي والوطني الفلسطيني ضد الإحتلال أولاً ، وضد التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب ثانياً ، وضد التهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب ثالثاً ، أي ضد سلطتي رام الله وغزة وخياراتهم السياسية غير المبادرة ، وغير الكفاحية ، وفشلهما في استكمال خطوات الإستقلال السياسي والاقتصادي عن الإحتلال ، فالرواتب مرتبطة بسلطة الإحتلال وافراجاتها وتكرمها الأمني وهامش الحرية الذي تسمح به لطرفي الانقسام الفلسطيني .
h.faraneh@yahoo.com