رسالة الى رئيس الوزراء
يا نسور أعن هذا المواطن المظلوم!
كثيراً ما قلت للدكتور أحمد عطية السعودي: ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك
ولكن كان يتأبى عن حك جلده بل كانت الظهور الدائرة تلقاء وجهه يحكّها ويتولى أمرها وينسى نفسه تحت وطاة الإيثار أحياناً، وابتعادا عن بهرجة الذات في أحايين كثيرة، نعم كان يتأبى لأنه يرى أنه لا قيمة للعلم والعلماء، فكثيراً ما ردّ علي:
وإذا قصدت لحاجةٍ فاقصد لمعترفٍ بقدرك
واليوم - مع إشراقة حكومة جديدة- أجدني ناطقاً بحال هذا ' العالم المفكر ' و' الأديب الناقد ' الذي لا تعرفه شاشة، ولم يلتفت إليه مسؤول .
دولة الرئيس عبد اللة النسور الأكرم:
* أرجو ألا تشيح بوجهك عن قراءة هذا المقال بمبررات كثيرة، منها أننا لسنا بصدد معالجة حالات فردية وسلم الأولويات لا يتسع لهذه المفردات.. ولكن يتراءى لي أن البدء بمعالجة الفساد والمحسوبية وملفات الفقر والبطالة ستوصلك إلى حالة هذا المواطن!! وإذا رأيت أن تبدأ من حالة هذا المواطن المظلوم وأمثاله القابضين على الجمر ستصل عبر جسر هؤلاء إلى مصانع الفساد وآليات الواسطة وكافة الأمراض الوبائية التي نذرتم أنفسكم لتقديم التدابير الوقائية والعلاجية لها.
* يا سيدي أخاطبك اليوم بشأن هذا المواطن لأنني أدرك أنك القاضي المعروف والقانوني الشهير، وأعي أن مفردة 'الظلم' تثير في نفسك تداعيات كثيرة وكبيرة، وأنه لؤمٌ ومرتعه وخيم، وأعلم أنك تبحث عن :'العدالة' وليس أدل على ذلك من سيرتك التي اتسمت بالمصداقية والنزاهة.
* يا سيدي إن ' العدالة' تعني – فيما تعني اليوم - أن لا تبقى مرابطاً في 'عمان' فثمّة وجع في الجنوب.. وفي جنوب الطفيلة على وجه التحديد يقطن هذا المواطن، الذي كان 'المنجل' و'الفأس' و'القدوم' وسيلته للإمساك بتلابيب الحياة التي ما زالت تغالبه في صراع لئيم وخسيس..
* بزّ هذا الشّاب القروي أقرانه في الثانوية العامة، ولم يجد من سبيل إلى انتمائه لهذه الأمة إلا أن يكرس نفسه خادماً للغة العربية فدرسها حتى ملكت عليه نفسه، وأنفق على تعلُّمها حتى نفد قوته وقوت عياله.. إلى أن وجد نفسه يتصدر قائمة الخريجين تميزاً وتفوقاً في جميع مراحل دراسته.
* قبل ثلاثين عاماً بدأ هذا الشاب مسيرة العمل والعطاء يوم أن صافح جلالة الملك الراحل- المغفور له بإذن الله- الحسين بن طلال، وتسلم منه جائزة الأوائل في الجامعة الأردنية سنة ( 1980 م).
* وجد أحمد عطية نفسه معلماً في قرية وادعة اسمها ' بصيرا' مسقط رأسه، ويتفاجأ بعد مُضي ستة أشهر من قيامه بالتعليم أنها غير مأجورة، فيحتسب أجرَه عند الله، ولا يَثنيه ذلك عن أداء الرسالة ومواصلة العمل بجدٍّ ونشاط واجتهاد. وقد أحبّ طلبته اللغة العربية وبلغ من حبهم لها أن العديد منهم أصبحوا اليوم أساتذة في الجامعات وقد تخصَّصوا في ذات المبحث الذي أحبوه وأحبوا أستاذه من قَبْل.
* كانت أحلامه وتطلعاته أكبر من ظروفه وإمكانياته، فبقي على هذا الحال حتى وجد نفسه مبعوثاً على حساب وزارة التربية والتعليم إلى جمهورية السودان، فأتمّ دراساته العليا (الماجستير والدكتوراة) هناك.. هناك رحل وأقام، وهناك تتلمذ على أيدي الكبار من علماء العربية ومبدعيها، وقد شهد له هؤلاء بالنبوغ والتميّز.
* وفي غمرة المقاطعة للانتخابات البرلمانية التي جرت في الأردن سنة ( 1997م ) قرر الدكتور أحمد خوض الانتخابات فكان قاب قوسين أو أدنى، ورضي بهذه النتيجة، ولسان حاله يلهج بأنه: يكفى شرف المشاركة وصدق المحاولة..!
* ولكن قلبه بقي معلقاً بالتعليم، فراح يتقدم بطلبات للتعيين في الجامعات الأردنية من الجنوب وحتى الشمال مرورا بالوسط ، وهو يطرق أبوابها، فلم يستجبْ له أحد، وبقي يتجرّعُ مرارةَ الحسرة والأسى أربع عشرة سنة حتى هذه الساعة! وحجة بعض الجامعات ' أنه خريج السودان ' وهذه الحجة الواهية لا تصمد أمام منطق الحق والدليل، بل هي خيط من دخان سأقطعها لك ببعض النسمات الآتية:
أولاً : كان هذا الرجل مبعوثاً من قبل وزارة التربية والتعليم إلى جمهورية السودان.
ثانيا: درس في معهد الخرطوم الدولي وجامعة القران الكريم بالانتظام وليس بالمراسلة والطرود البريدية وأقام هناك المدة القانونية بل وتزيد.
ثالثاً: لقد حصل على درجة الدكتوراة سنة(1997م) قبل هذا اللغط الذي أُثير مؤخراً حول خريجي الجامعات السودانية.
رابعاً: له عدد من الدراسات المحكمة المنشورة في مجلات علمية راقية، وله بحوث عديدة ظهرت في لقاءات وندوات ومؤتمرات داخل الأردن وخارجه، كما أن له عدداً من المؤلفات المنشورة وغير المنشورة التي شهد لها جمع غفير من العلماء والأدباء في العالم العربي والإسلامي.
خامساً: في كل الجامعات الأردنية تمّ تعيين من يحمل درجات علمية من الجامعات السودانية.. ولكن يبدو أن حمزة لا بواكي له.
سيدي دولة الرئيس، وبعد،
فمنذ أربعة عشر عاماً وهذا العالم محبوس في بيته مسجون في قريته .. ولديه أحد عشر فرداً في الأسرة منهم أربعة طلاب متفوقين على مقاعد الدرس في الجامعات الأردنية، ويعيل هذه الأسرة بمبلغ مادي لا يفي بمتطلبات شاب واحد في العشرين من العمر، فضلاً عن احتياجات أسرة كبيرة نهشتها أنياب الفقر منذ سنين خلت...!!
لم يكن أحد يتوقع أن يحمل الدكتور أحمد عطية السعودي حقيبة وزارية في حكومتكم ، ولا أحد يطلب منكم ذلك.. فأحمد عطية السعودي، يحمل حقائب متعددة-يدفع لها من جهده وماله ووقته - في لواء بصيرا:
* يحمل حقيبة التنمية حيث يرأس لجنة الزكاة، فيوزع المعونات والصدقات على الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ويحمل حقيبته التربية والتعليم فيعلم الطلاب النحو والصرف والبلاغة في بيته..
* ويحمل حقيبة الإعلام فيذود عن الوطن والمواطن في محاضراته ولقاءاته..
* ويحمل حقيبة المواصلات فتراه ماشياً على قدميه حاملاً أغراضه في يديه..
* ويحمل حقيبة الثقافة فهو مشرف على المكتبة العامة في بصيرا ويؤسس نواتها الأولى..
* ويحمل حقيبة الأوقاف فهو خطيب الجمعة ..
* ويحمل حقيبة السياحة فما إن يزوره ضيف حتى يذهب به صوب ضانا ولحظة والبتراء ..
سيدي دولة الرئيس:
الدكتور احمد عطية السعودي مواطن أردني مظلوم ليس له طموح سوى أن يدرّس في جامعة أردنية وقد أبدى من قبل استعداده لرؤوساء كثير من الجامعات أن يقوم بهذا العمل بلا مقابل مادي، شكراً لله وانتماء للوطن وإكراماً للعلم والمعرفة.
يأتي هذا الظلم الواقع على هذا المواطن،خلافاً لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه، الداعية إلى فتح أبواب الشَّفافية، والقضاء على الفساد والمحسوبية، ومحاربة الفقر والبطالة، فهو لا يرضى أن يُظلم إنسان في هذا الوطن، ولا يرضى بأنْ تتقلّب هذه الكفاءة الوطنية ليلَها ونهارَها على جمر الأسى والحرمان.
سامي السعودي