سوا : الغموض المشوّق والحبّ المستحيل
بعد النجاح الكبير الذي حصده مسلسل "وأشرقت الشمس"، انتظر الجميع ما ستكون نتيجة لقاء المخرج شارل شلالا مع البطلين يوسف الخال وإيميه صيّاح، بالإضافة إلى رلى حمادة، جوزف بو نصّار ورودريغ سليمان... كانت المقارنة بين ذلك المسلسل وبين "سوا" مرتقبة، لكن منذ الحلقة الأولى أخَذَنا النصّ والإخراج، القصّة والتقطيع والأداء، إلى مكانٍ آخر!
منذ الحلقة الأولى، ومن المَشاهد الأولى يبدأ التشويق وتتجلى جمالية الصورة. وأيضاً من الحلقة الأولى نقع على ما بتنا نستغربه اخيراً: لماذا نجد عماد (يوسف الخال) لبنانياً وشقيقه زياد (عبد المنعم العمايري) سورياً؟ ولماذا يقول ديب اللبناني، إنّ المرء يفضّل السكن إلى جوار أولاد بلده؟ هذه النقطة ستُبرَّر لاحقاً، بطريقة لن تقنع الجميع، بأنّ زياد من أم سورية!
النصّ الذي كتبته رينيه فرانكوديس أتى جاذباً، مشوّقاً، فيه غموض يشدّ المشاهدين وقصّة حبٍّ مستحيلة تدغدغ مشاعرهم. الخطوط كانت متشعّبة والتطوّرات سريعة في معظم الحلقات. لكنّ هذه الصفات في النصّ كانت سيفاً ذا حدّين إذ حدّدت نوعية معيّنة للمشاهدين وحدّت قليلاً من الاستمتاع بالمشاهَدة عند العامّة. هذا النوع من الأعمال المشوّقة يحتاج إلى جمهورٍ يستطيع أن يركّز على التفاصيل - وهذا نادراً ما نراه لدى الجمهور التلفزيوني - بحيث لا يستطيع أن يتغيّب عن أية حلقة وإلّا ضاع في تشعّبات الحبكة.
نقول إنّ هذا الأمر سيفٌ ذو حدّين لأنّه يضمّ إيجابيات مهمة، فجمهور الدراما يحتاج إلى أمرٍ جديد، وهذا ما قدّمه مسلسل "سوا"، لكن ربّما كان المشاهدون يحتاجون أولاً إلى مرحلةٍ انتقالية كي يعتادوا فكرة أنّ المسلسل لا يُمكن مشاهدته وهم يقومون بأمورٍ أخرى في البيت.
إخراجياً استطاع المخرج شارل شلالا أن يقدّم عملاً جيّداً، فلم يبخل بالتقطيع وبحركة الكاميرا، ولم يتأخّر عن إدارة التمثيل، فكان الأداء مقنعاً معظم الوقت. إنّها ليست المرّة الأولى التي يتعاون فيها مع مدير التصوير كمال بو نصّار، وليست المرّة الأولى التي نستمتع فيها بالكادرات والألوان الجميلة، مع الكثير من اللقطات الخارجية المميّزة، برّاً وجوّاً، في لبنان وفي بولندا.
لكنّ الإخراج المضبوط لشارل شلالا لم يخلُ من الهفوات التي تحدّث عنها المشاهدون عبر مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية، مثل مشهد إلقاء الدرك القبض على العميد، أو مثل المرور الزمني الذي يدعو إلى الإستغراب أحياناً كأن ننتقل من النهار إلى الليل في حين أن شخصين ما زالا يجلسان "عَ فرد قعدة"...
على صعيد التمثيل، ما زال يوسف الخال رقماّ صعباً في الدراما اللبنانية والعربية، وما زال يستطيع جذب المشاهدين من خلال أداءٍ مقنع. المرحلة الصعبة أمامه حالياً تكمن في خلق تعابير وجهٍ وردود فعلٍ وطريقة كلام جديدة لم يرَها جمهوره من قبل. إيميه صيّاح أثبتت في هذا المسلسل أنّ نجاحها في "وأشرقت الشمس" لم يكن مصادفة ولم يكن "حظّ المبتدئين"، فرأينا أداء أكثر نضجاً وإقناعاً، مع العلم أنّ مشاهد البكاء كان يمكن أن تكون أقوى. عبد المنعم العمايري استطاع أن يسمّر أنظارنا عليه من خلال طريقة كلامه ونظراته، تماماً كما فعل جوزف بو نصّار من خلال عينين بريقهما يقول الكثير. شكران مرتجى استطاعت أن تقدّم شخصية المربية بطريقة مميّزة جعلتنا نتفاعل معها. رودريغ سليمان الذي نطمح إلى أن نراه أكثر على الشاشة الصغيرة أدّى دوره باحترافٍ قادرٍ على المزج، في الآن نفسه، بين الخير والشر. الشاب إيف شلالا تميّز أيضاً، في معظم مشاهده، فكان مقنعاً رغم أنّ الدور لم يكن سهلاً، مع العلم أنّنا لاحظنا فرقاً في الأداء بين حلقة وأخرى، ربّما بسبب الترتيب الذي تمّ تصوير المَشاهد فيه، فكان أداؤه يتحسّن مشهداً بعد آخر، ومثله الياس الزايك الذي أثبت حضوره في كل مشهد تسنت له فيه الفرصة للتميّز.
أمّا الممثلة رلى حمادة التي تضع اسمها، مرّة جديدة، في آخر لائحة الممثلين في الجينيريك، فنحترم رغبتها ونتحدّث عنها في الختام، وهكذا يكون الختام مسكاً! استطاعت رلى حمادة أن تلعب عدداً من الشخصيات في شخصية واحدة، وأن تقفز بينها بسرعةٍ، بدقّةٍ، بمهارةٍ، فلا تجعل أحداً يشعر بأنّ في تركيبة الشخصية خللاً ما. وبقدر ما يُحسب هذا الأمر لها، يُحسب أيضاً للكاتبة التي مرّرت لها الكرة كي تستطيع تسجيل هدفٍ في شباك الدراما اللبنانية.
إنتاجياً، لا يمكن إلّا تشجيع Chelae Production و Black Tie Production على الإستمرار في الاستثمار السخي في الدراما اللبنانية، وكلّنا أمّل بألّا يتسّرب إليهما شبح التباخل والإسترخاص والإستعجال...
وهنا لا بدّ من الإستفادة من نجاح هذا المسلسل كي نذكّر جميع العاملين في هذا القطاع بأنّ النجاح مضمون، ولا مخاطرة أبداً في الاستثمار في مجال الدراما، فكلّ ما يحتاجه الأمر: نصّ متين مع حوار سهل، إخراج مضبوط، أداء مقنع، بالإضافة طبعاً إلى إنتاجٍ يؤمّن كلّ ما يتطلّبه العمل... إفعلوا ذلك وسنهنّئكم على النجاح منذ الآن! .النهار