كلمة أخيرة بحق النواب
علي السنيد
جو 24 :
شيء يدعو للأسف حقيقة فيما يتعلق بمصير النائب الأردني في معترك الحياة البرلمانية ، وكيف يغدو وهو ممثل الارادة الشعبية مصدر نقمة شعبية، وحتى ليصبح حل المجلس مطلبا شعبيا، وربما ان الحكومات لا يطالها ما يطال المجالس النيابية من سخط الشارع ونقمته، وهو ما يدعو الى البحث وتقصي أسباب ما يحدث في كل مرحلة برلمانية تقريبا ولماذا نصل الى ذات النتيجة حيث سقوط البرلمان شعبياً.
والبرلمان هو الركن الاول في النظام السياسي الأردني الذي تحدد هويته المادة الدستورية بكونه نظام نيابي ملكي. وهو الشريك الدستوري للملك في النظام الأردني، وهو المعبر الاصيل عن الشعب ، وفي حين ان السلطة التنفيذية التي تستمد مشروعية عملها من ثقة النواب هي التكريس غير السليم للتعين في النظام السياسي الاردني، وهي ليست إرادة شعبية مباشرة، وبالكاد تستمد الشرعية من الثقة البرلمانية، والتي قد لا تتحصل عليها بطريقة سلمية. ولذلك يكون نظريا الاعتداء على السلطة المنتخبة المتمثلة بالبرلمان هو اعتداء على الشعب، ومس بمكانته في النظام الدستوري، واي تطاول على النائب من جانب السلطة التنفيذية هو نظرياً تطاول على الشعب صاحب الشرعية.
وواضح ان الواقع التطبيقي لا يشي بشيء من ذلك بتاتاً ، وقد وصل تضاؤل قيمة البرلمان الى الدرجة التي يطرح البعض القانوني رأيا يؤكد فيه ان بقاء البرلمان بعد إقرار قانون الانتخاب اصبح غير قانوني، وهو يشجع على حله من قبل السلطة التنفيذية، وربما ان الشعب فعلاً بانتظار الخبر السار بحل البرلمان، وكأن الحل يعبر عن رغبة شعبية، او يحقق الإرادة الشعبية .
والامر لا يكون على هذا النحو في الديموقراطيات حيث يكون الحل على سبيل الحصر والاستثناء، والاصل ان تكون مدة بقاء البرلمان محمية دستورياً ، وتكون توجهات حله من قبل السلطة التنفيذية قبل اكمال مدته الدستورية مدعاة الى غضب الشارع لكون البرلمان هو المعبر عن الإرادة الشعبية. وهو ما يجب ان يدرس بعناية وتقصي للاسباب التي تفضي الى سقوط البرلمان شعبياً في كل مرحلة تقريباً، وكأنه قدر محتوم ، وحيث تنطلق الدعوات الى حله.
ولعل البداية تكون بمحاولة ارجاع هذا المآل المأساوي للنواب الى المكتسبات التي يتحصل عليها النائب ومدى مساواته مع الوزير عضو السلطة التنفيذية الممثل للركن الثاني في النظام السياسي، وهو الركن الملكي ، فهل هذا النائب الذي يعبر نظريا عن الشعب يماثل اعضاء السلطة التنفيذية التي لا تعمل الا بعد الحصول على اذنه بالحكم،، ولعل من ابسط مؤشرات فهم ذلك معرفة ان مدير مكتب رئيس الوزراء منح لقب معالي في حين ان رئيس مجلس النواب الحالي ظل لا يحمل هذا اللقب، ومع الاخذ بعين الاعتبار ان مجلس النواب يوازي دستورياً او يفوق مجلس الوزراء كون ان الركن النيابي دستورياً يراقب اعمال السلطة التنفيذية التي يتولاها الملك بواسطة رئيس وزرائه.
واذا تطرقنا الى بعض المقاربات ما بين النائب ممثل الركن الاول في النظام السياسي ، والوزير ممثل الركن الثاني فيه لتفهم اتجاهات الغضب الشعبي فسنجد ان النائب الاردني ما يزال لا يتحصل على سيارة او سائق في حين ان الوزير مشمول بها، وفي اللحظة التي لا يتوفر للنائب سوى غرفة واحدة تمثل مكان عمله المشترك مع مدير مكتبه المعين من قبله ، فان رئيس قسم في احدى الوزارات يجد مكانا لائقا يمارس فيه عمله اكثر من النائب، وهذا ناهيك عن الفحش في اثاث مكاتب الوزراء والامناء العامون والمدراء العامون، ووجود مكاتب لسكرتيراتهم تفوق في حدها الأدنى مكاتب السادة النواب، وتجد ان اجنحة في مباني الوزارات تحجز مكاتبا لهؤلاء الوزراء الذين يضطر النائب المراجع لهم ، وهو يحمل قضايا وهموم مواطنيه لان يجلس احيانا بالساعات انتظارا للسماح له بمقابلة احدهم!!!.
والوزير مزود بطواقم من المدراء والمستشارين والسكرتيرات وغرفة اجتماعات خاصة به، ومصعد خاص به ، وباب في الوزارة لدخوله ومغادرته وكي لا يراه المواطنون، ويرافقه سائق ، وشرطي، وقد يجد النائب نفسه في وضع لا يحسد عليه عندما يطلب من سائقه ، وهو يراجع احدى الوزارات - من اجل مواطنيه- بعدم الاصطفاف في المنطقة المخصصة لذلك امام مبنى الوزارة، وعليه الاصطفاف في مكان اخر!!!. وقد يجد النائب نفسه محرجاً امام المواطنين المرافقين له اذا اخبر ان الوزير الذي جاء للقائه في موعد مضروب مسبقا قد غادر الوزارة ، ولم يقم بمجرد الاعتذار عن الموعد، والمطلوب في هذه الحالة من ممثل الشعب ان يبقى صامتاً ولا يرد لكي لا يصل الخبر الى الاعلام وتحدث الفضيحة بالادعاء بان النائب غضب وزمجر وانهال بالتهديد والوعيد في الوزارة الفلانية، او انه على مجرد اصطفاف سيارته غضب وحذر وتوعد ، والقضية لا تعدو كونها ان هذا النائب يضطر يومياً لان يصل للعديد من الوزرات تلبية لحاجات الناس، وهو بالحد الأدنى يطلب معاملة تليق بمكانته الدستورية. والنائب لا يعامل في الدوائر الأمنية غالباَ الا على سبيل العداء ، وكأن الديموقراطية التي جاءت به ما تزال مرفوضة ، ولا تمثل نهجا للدولة.
وهذا النائب يمسه الحنق الشعبي ربما على خلفية حجم مكافأته الشهرية التي يتساوى فيها مع راتب الوزير مع فارق ان الوزير له مخصصات تضاعف راتبه عدة مرات تقدم له خارج سياق المؤسسية، وفيما النائب يخصم من مكافأته مخصصات سائق، ومدير مكتب، ووقود يومي لسيارته، وتترتب عليه التزامات اجتماعية تتعلق بحاجات الفقراء والمعوزين من أبناء دائرته الانتخابية، وغالباً ما يجد نفسه اذا لم يكن من أصحاب الشركات يقع في الدين وهذا من واقع الممارسة العملية، او يظل تحت وطأة طلب المعونة من المقربين منه لمواجهة أعباء الحالة الاجتماعية ، وفي حين ان الوزير لا يترتب عليه شيء من ذلك كونه لا يتعامل مباشرة مع القاعدة الشعبية، ولا توجد عليه التزامات تخصه في هذا الجانب، وهو لا يستقبل المواطنين في منزله، وربما من ليس معه واسطه فلا يستقبل في مكتبه ايضاً، ولا يضطر للإجابة على هاتفه النقال الا لمن يعرفه من المقربين منه، وهو غير ملزم باجابة حاجات الناس، ومع ما يتطلبه ذلك من كلف مالية عالية.
ومع ان النائب هو الاقرب الى الناس ويعتبر لقاؤه مطلبا شعبيا يوميا سواء اكان ذلك من خلال المراجعات لمنزله في الصباح الباكر، او عند عودته مساءاً، او في الليل احياناً، وملازمة الاتصال به على هاتفه الخلوي حيث تنهال عليه مئات الاتصالات يوميا من قبل أبناء قاعدته الانتخابية التي منحته اصواتها وحولته الى الدور النيابي، وكذلك القيام بمراجعة مكتبه في المجلس بشكل يومي، وقد تستمر هذه الاتصالات في أيام العطل، ويبقى النائب على مدار اليوم تحت طلب القاعدة الانتخابية في مجمل قضايا الناس سواء الفردية منها او كانت في طلب الخدمات العامة من المؤسسات، والدوائر، والوزرات، او لمتابعة المطالب العامة للدائرة الانتخابية، وحتى حصول الموظفين في بعض الوزارات والأجهزة الأمنية على حقوقهم فيحتاج لتدخله، وربما ان نقل مريض من مستشفى الى مستشفى من مهامه ايضاً، وكذلك مداومة الاتصال مع كافة الجهات الخاصة طلبا للعمل لطالبي العمل.
وللنائب دور اجتماعي يتعلق بسعيه لتطويق بؤر التوتر التي تقع في المجتمع من خلافات ومشاجرات وقضايا يومية وتحتاج الى حلها. والفقراء يصلون النائب أيضا طلبا لشيء يقيهم غائلة الفقر.
وربما ان المفهوم الشعبي لدور النائب ينطوي على حجم المشكلة الحقيقية حيث يظل الأردني يعتقد ان الحل لما يعترض طريقه من قضايا يجب ان يتوفر لدى النائب الذي يحمل يوميا عشرات القضايا للوزارات والدوائر، ويظل يلف على الوزارات ، وقد يعامل بطريقة غير لائقة ، وخاصة اذا كان من نواب المعارضة الذين يقعون في تناقض حاد ما بين مواقفهم السياسية المغضبة للحكومات وبين الطلب من الوزراء تلبية قضايا قواعدهم الانتخابية، وقد يتعرضون للتسويف والمماطلة، وذلك في عرف بعض الوزراء الذين يتملكهم الحقد ، والاسوأ من ذلك ان يتم تحميل هذا النائب مسؤولية عدم تجاوب الوزراء والمدراء مع قضاياهم فيصبح عرضة للنقد ، وللنقمة الشعبية على خلفية سوء السياسات الحكومية، وكأنه مجرد واقي يحمي تقصير الوزراء، او قصور السياسات الحكومية، وربما ان هاتفه يوصل له بعض الشتائم ، وقد يتعرض في المناسبات العامة للعتب، وهذا هو مآل عمله النيابي اخيراً في حين ان الوزراء يوسع لهم في المجالس باعتبار ان مجرد حضورهم يعتبر تشريفاً لاهل الحفل والمكان، ويقابلون بالدعوات الى الولائم التي يعتبر تلبيتها تكريما وتشريفا للداعين لها.
ولعل هذا يفسر جانبا من ازمة النائب شعبيا وحيث لا يتم الالتفات غالبا لمهمته الدستورية الحقيقية، وهي دوره التشريعي و الرقابي او تمكينه من التعبير عن الموقف السياسي دون وضعه تحت رحمة الحكومات.
وهكذا يبقى هذا النائب يدور في دوامة الغضب الشعبي حتى يصل اما الى قطع العلاقة مع قاعدته الانتخابية، ويغدو بلا امل، ويحترق من فوره، او ان يستهلك شعبيا ويستنزف الى نهاية مدته النيابية حيث تشيعه اللعنات، او ان يسقط في حضن الحكومات، ويبحث عن مكتسبات خاصة به، ويصبح يطلب رضى الوزراء، وبذلك يقلب القاعدة الدستورية التي تضعه في موقع رقابي اعلى من هؤلاء الوزراء، وهم الذين يجب ان يطلبوا رضى الجسم النيابي، ونادرا نادرا من النواب من يمسك على جمر نيابته الى النهاية، ويخرج وقد انهكته المرحلة، ونالت من صبره ، وجلده ، وهو بالكاد يحاول الحفاظ على الحد الأدنى المطلوب من الرضى الشعبي.
ولا شك ان النائب الذي ترهقه التزامات العمل البرلماني قد يضعف امام سوء هذه المعادلة التي تجعله في موقف حرج، وخاصة اذا كان بلا عمل بعد خروجه من العمل النيابي، وقد انشبت الدنيا اظفارها في بعض هؤلاء النواب السابقين، وجعلتهم عبرة لمن يعتبر، وخاصة النواب الفقراء الذين سلكوا طريق المعارضة، وعاد احدهم لا يجد قوت يومه ، ويشاع ان كثيرا من الوزراء ينشغلون عادة بعمل شركات مع شركاء لهم خارج السلطة ، ويسهلون اعمالها، او في ترتيب أوضاعهم استغلالا للسلطة الممنوحة لهم حتى اذا ما خرجوا من الحكم وجدوا المواقع المجزية في انتظارهم في القطاع الخاص.
وانا اكاد اجزم ان الحكومات تريد الإبقاء على النواب رهائن لهذا الحال ، وتود الحفاظ على هذه المعادلة التي لا تجد لها مثيلا في النظم السياسية الحديثة على مستوى العالم، فالنائب ممثل الإرادة الشعبية لا تنزع ارادته، وهو ليس مجرد ضحية لهذه الحكومات، وليكون اداة لحمايتها بصد الغضب الشعبي عنها ، والحاقه بنفسه، ولتكون سوء سياساتها سببا حتميا في حرقه شعبيا ورميه في نهاية المطاف كي يتضور جوعا وابنائه اذا لم يكن من أصحاب الشركات ، وأصحاب الملايين.
وهكذا تغلق مرحلة نيابية بائسة عينيها، ويستقبل الشعب مرحلة أخرى بذات المواصفات اللهم الا اذا انتقلنا الى زمن الحكومات البرلمانية، وان يكون هنالك إرادة سياسية بان تترك الحياة البرلمانية تفضي للحكومات البرلمانية بحيث تتشكل وفق قاعدة الأغلبية والأقلية البرلمانية، وان يسمح للتكتلات ان تتبلور على الشكل الحقيقي، ويقتسم البرلمان بين التيارات والقوى الحزبية، والتي تقدم برامج سياسية ترتبط برضى المواطن، وبذلك تتغير المعايير الشعبية للحكم على أداء النواب، وتحاسب الحياة البرلمانية على مستوى الإنجاز البرامجي، والاهداف المجتمعية الكبرى.