الدولة ام
علي السنيد
جو 24 :
الدولة لا تحشر مواطنيها في الزاوية، او تنكل بهم، وتضيق عليهم سبل معيشتهم، وكأنها في حالة صراع معهم، او تبحث عن حجج للاشتباك بهم، او تجعلهم يصدمون بالجدار، ولا تفقدهم الامل، او تصحر ارواحهم بغرس المعاناة في طريقهم. ولا تعمل على قاعدة النكاية بالناس، وافقادهم اعصابهم، او تتخذ من القرارات الاعتباطية التي تدفعهم تحت سورة الغضب للخروج الى الشارع للاحتجاج والتظاهر واطلاق الشتائم. والوزير ليس مريضا نفسيا ليتعمد في قرارته تعقيد المواطنين في كل حين، وزرع الكآبة والعبوس في نفوس العامة، وتركهم نهبا للغضب، وليضفي عليهم الصعوبات والاشكالات ، وليجدوا رهقا في الحياة،، ولا يكون هنالك من سبيل كي يتفهم طبيعة الواقع الشعبي المتعب، وحتى التقويم فلا يكون بكسر نفوس الناس وتعذيبهم، وانما بامضاء القانون بروح سليمة.
وهي ليست قوة في الدولة ، او شجاعة في الوزير ان يخضع الناس لقرارات فاجرة في العام مرة او مرتين ليختبر قوة صبرهم واحتمالهم دون مراعاة حتى لمبادئ القانون والعدالة، وضرورة عدم اضطهاد الناس في طرائق عيشهم المعتادة، وحتى اجراء التغيير فيحتاج الى تدرج، ومراعاة للحالة الشعبية، والقرارات لا تنزل على رؤوس الناس وكأنها سوط عذاب، والوزير الصالح لا يجلد ظهور مواطنيه كلما وجد نفسه بحاجة الى حقنة سادية في روحه المتخمة بالعنف والاضطراب، ولا يكون في عمله الوزاري باحثا عن سبل الصدام مع الناس كلما امكن
والدول الحديثة تقيم القانون والنظام ميزاناً في حياتها، وتحافظ على السمات المدنية للدولة، ويظل التوازن يسود العلاقة بين المواطن والجهات الرسمية، ويبقى السلام يجتاح نفوس مواطنيها لان الرسميين فيها متصالحين مع انفسهم وليسوا اعتباطيين، وهنالك رأي قانوني سائد يحمي حقوق الناس، ولا يسمح بتمادي أصحاب السلطة على حياة الناس وافقادهم صبرهم
و الدولة ام رؤوم ترعى شؤون افرادها، وتسهل عليهم سبل الحياة، وتزرع الامل في نفوسهم، وتدفعهم نحو الانطلاق، والتقدم وهي تجترح بامكاناتها المادية المعجزات في سبيل الرقي بهم ، ودفعهم نحو حياة افضل، وتكون في قرارتها مراعية للمصلحة العامة، ولا تهدف للفتك بشرائح معينة، او تدمير جهة شعبية، او حتى وضع الناس امام وضع اشبه بالمصيبة، ولا تضيع جهود الناس، وتجعل تعبهم يروح ادراج الرياح، او تفشل احلامهم وتطلعاتهم الصغيرة، ولا تفتح مجالا كي تسود روح العداء في الدولة، وتمني الخلاص الشعبي، وزوال هذا الواقع
وان الحكم المتشدد - لمن يعشق الاستبداد من مسؤولينا - قد واجه الزوال بحكم التجربة التاريخية، وادى الى انهيار الدول ، وتحولها الى ركام، وقد خلف في السجل التاريخي العالمي ملايين ومئات ملايين الضحايا والمشردين، ولم يبق الا الحكم العدل المتوازن الذي يقيم القانون بعيدا عن الجلافة والغلظة، والجمود، والعمل بروح النكاية في الناس، وعلينا ان ننقي تجربتنا السياسية من كل متعجرف جبار لا يرى في مواطنيه الا انهم أعداء لا يستحقون معاملة كريمة طيبة.