ما وراء صورة السيّدة صاحبة السترة الصفراء
جو 24 :
ليس جديداً طرح اشكالية نشر صور الضحايا في وسائل الاعلام الغربية، اذ قضيَ الأمر منذ زمن بعيد لصالح عدم انتهاك خصوصية الضحية وحجب الصور الملتقطة من دون اذنها.
غير ان النقاش لا يطال حصراً صور ضحايا فارقوا الحياة وجثثهم مضرجة بالدماء، او قد تحولت أشلاء، ولا مصابين بجروح بليغة، بل يشمل صور مصابين بجروح طفيفة وآخرين اصيبوا بالصدمة نتيجة وجودهم في مكان قريب من التفجير.
مناسبة الحديث مقال نشر في جريدة "ليبراسيون" الفرنسية للصحافية كليمنتين مرسييه، وتناول الصورة التي تحوّلت رمزاً لهول صدمة تفجيرات بروكسل، وتظهر فيها مضيفة الطيران الهندية نيدي شابكار صاحبة السترة الصفراء فيما الدم يسيل من جبينها وقد تمزقت ثيابها بعد خروجها من تحت الركام في مطار #بروكسيل، والى جانبها سيدة تتحدث عبر الهاتف وتظهر اصابتها بجروح في يدها.
وعلى غرار عدد كبير من الأشخاص الذين أصيبوا في صالة المغادرة في مطار "زافنتيم"، كانت شابكار قد وصلت للتو إلى المطار للقاء زملائها قبيل الصعود على متن رحلة متوجهة إلى نيويورك، عندما وقعت سلسلة من الانفجارات التي أسفرت عن وقوع عشرات القتلى والمصابين.
مرسييه تندد في مقالها بنشر الصورة في كبريات وسائل الاعلام العالمية، بدءاً من "الاسوشيتد برس" التي وزعت الصورة باعتبار ان مصدرها ينتمي الى "صحافة المواطنة"، الى "الواشنطن بوست" التي نشرتها على صدر صفحتها الاولى، و"التايم" وغيرها.
وتحاجج بأننا نشاهد في الصورة سيدة تحت وقع الصدمة، لم نعرف اذا كان من التقط الصورة سألها عن اسمها وعن سماحها بالامر من عدمه. نشاهد، ودائماً وفق مرسييه، سيدة حافية القدمين قد مزقت ثيابها وبان بطنها عارياً وحمالة صدرها ...
وأثارت الصورة حيرة مجالس التحرير في العديد من الصحف، هكذا وضعتها صحيفة "لو سوار" كصورة مانشيت في عدد الكتروني مسائي خاص اثر المجزرة لكن سرعان ما استبدلتها بصورة لتكريم الضحايا عبر اضاءة الشموع والورود، بعد ردود فعل تنتقد انتهاك خصوصية السيدتين عبر مواقع التواصل.
ملتقطة اللحظة المثيرة للجدل هي المصورة الجورجية كيليفان كاردافا التي صودف وجودها في مطار بروكسيل اثناء الحدث. وتقول ل"التايم"، انها لم تفكر سوى بتوثيق ما حصل والتقاط اكبر عدد من الصور لنقل حقيقة ما جرى الى العالم، زاعمة بأن الضحايا الذين التقطت صورهم كانوا تحت وقع الصدمة ولم يكن لديهم شيء لقوله حتى النطق بأسمائهم.
حجة المصورة لا تقنع مرسييه التي تابعت مقالها النقدي مستحضرة سابقة رفع دعاوى قضائية من قبل ضحايا استخدمت صورهم من دون اذنهم ونجحوا بعد محاكمات طويلة في الحصول على مبالغ طائلة.
لا يهم في توقفنا عند هذه الاشكالية المثارة في الاعلام الغربي معرفة ان كانت نيدي شابكار سترفع دعاوى قضائية على جميع وسائل الاعلام التي استخدمت صورتها من دون اذنها على امتداد الكوكب، علماً انها لا تبدو في هذا الوارد وقد تحدثت في غير مقابلة صحافية من المستشفى.
اللافت هو مستوى النقاش الذي بلغه موضوع عرض صور الضحايا في الاعلام الغربي ومقارنته بواقعنا حيث لا يزال أغلب الاعلام يستسهل عرض صور الضحايا والدماء، اما عبارة "خصوصية الضحية" فتبدو ترفاً لا يبالي به من لم يرد بالممارسة ان تكون حقوق الانسان صميمة في ثقافته. هناك نقاش اذا كان يحق نشر صورة سيدة مصابة بالصدمة وبعض الجروح الطفيفة، وهنا حدث ولا حرج عن صور ضحايا حوادث سير وانتحار وجرائم قتل...وعن رؤوس انتحاريين واشلاء ضحاياهم، والانكى حين يبرر الامر بحجة عدم السيطرة خلال النقل المباشر. لكن مهلاً، هذا ليس انبهاراً سطحياً بما هم عليه ومقارنته نمطياً بما نحن عليه. الأبعد في قصة صورة صاحبة السترة الصفراء يكمن في رفض المعترضين "الكبريائي" تكيّف العين مع صورة أوروبا المغطاة بالدم في انتظار مجزرة "داعش" المقبلة، حتى لو جسدت هذه الصورة سيّدة هندية اتخذت من بروكسيل مجرد محطة ترانزيت.النهار اللبنانية