بين يوم الأرض الفلسطيني وبين تصريحات مرشحي الرئاسة الأمريكية
د. حسين عمر توقه
جو 24 :
المقدمة :-
يخطىء من يظن أن يوم الأرض قد بدأ بتاريخ 30/3/1976 لأن يوم الأرض الفلسطيني لا يمكن تحديده بيوم أو بحادثة وإنما هو يوم يتجدد في كل لحظة يسقط فيها شهيد . بداية من الشيخ الشهيد عز الدين القسام (والمجاهد الصادق) الشيخ الشهيد فرحان السعدي الذي أعدمته بريطانيا بعد محكمة صورية بتاريخ 22/11/1937 وهو في التاسعة والسبعين من عمره وهو صائم في شهر رمضان الكريم المبارك صاحب المقولة ( معاذ الله أن أكون مذنبا ) وأنا أدافع عن أرضي. وصولا إلى طفلي الخليل الشهيد عبد الله عايد العجلوني والشهيد هيثم اسماعيل محمد البو رحمهما الله وأسكنهما فسيح جنانه.
خلال مسيرة النضال والدفاع عن الأرض والعرض فلقد شهدت أيام الأرض الفلسطينية خلال قرن من الزمان آلاف الشهداء من فلسطين والأردن وسوريا والعراق ومصر ولبنان وكل الدول العربية والإسلامية وشهدت السماء الفلسطينية عشرات الإنتفاضات والثورات والحروب . بدءا بثورة 1920 واضطرابات يافا عام 1921 وثورة البراق عام 1929 ومعركة يعبد عام 1935 والثورة الكبرى 1936/1939 وحرب 1948 وحرب 1956 وحرب 1967 وما تبعها من حرب الإستنزاف على الحدود الأردنية والحدود المصرية وحرب 1973 وعملية الليطاني عام 1978 وإجتياح لبنان عام 1982 وما تبعه من معارك وقتال حتى عام 2000 وثورة الحجارة عام 1987 وإنتفاضة الأقصى عام 2000 وحرب تموز ( الحرب الإسرائيلية على لبنان ) عام 2006 والحرب الأولى على غزة عام 2008 والتي أطلق عليها اليهود إسم ( الرصاص المصبوب ) بينما أطلق عليها الفلسطينيون إسم ( حرب الفرقان ) والحرب الثانية على غزة عام 2012 والتي عرفت عند اليهود بإسم ( عامود السحاب ) والتي رد عليها الفلسطينيون بعملية ( حجارة السجيل ) . والحرب الثالثة على غزة والتي أطلق عليها الصهاينة إسم ( الجرف الصامد ) بينما أطلق عليها الفلسطينيون إسم (العصف المأكول).
واليوم ونحن نعيش أبعاد الثورة الجديدة في قلب فلسطين نستقبل في كل يوم شهداء أطفال أبرياء من الفتيات والفتيان الذين باعوا انفسا تموت غدا بأنفس لا تموت أبدا . يسطرون بأحرف من نور في وجه التاريخ صفحات جديدة من التضحية والإباء ويؤكدون أن فلسطين ستعود طالما أن هناك طفلا يصرخ بأعلى صوت أنا فلسطيني وأن فلسطين هي أرضي في كل يوم تشرق فيه الشمس ويُرفع فيه الأذان فوق المسجد الأقصى وتُقرع فيه أجراس الكنائس في القدس وبيت لحم وأن كل يوم في فلسطين هو يوم الأرض.
تصريحات مرشحي الرئاسة الأمريكية :-
منذ اليوم الأول الذي تآمرت فيه كل من بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا والمنظمة الصهيونية العالمية عام 1907 وأقرت المخطط الإستعماري المجرم (وثيقة كامبل بنرمان) بإحتلال العالم العربي الإسلامي الممتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي وإستعماره وأقرت في هذا المؤتمر إتخاذ كل الإجراءات اللازمة من أجل تهجير اليهود من شتى أرجاء العالم وإقامة وطن قومي يهودي في قلب العالم العربي في فلسطين.
وقررت العمل على إحتلال وإستعمار العالم العربي وتقسيمه إلى ممالك وإمارات ودويلات متناحرة متنازعة وسلب ثرواته لا سيما النفط والعمل على إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة ومتأخرة ومنع أي توجه وحدوي فيها وحرمانها من إكتساب العلوم والمعارف التقنية ومحاربة أي إتجاه في هذه الدول لإمتلاك العلوم التقنية.
إن من يتابع تصريحات مرشحي الرئاسة الأمريكية أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية لا سيما فيما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ووصفها بأنها العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل . وان إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأنها الحليف الإستراتيجي الوحيد للولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب. ويتنافس بعضهم بالإدلاء أنهم ضد الإتفاقية النووية التي تم التوصل إليها مع إيران وأنهم سيعمدون في اليوم الأول لإنتخابهم إلى إلغاء هذه الإتفاقية . ويؤكد البعض الآخر أنهم سيقومون بمحاربة تنظيم داعش والقضاء على هذا التنظيم كنت أتمنى على هؤلاء المرشحين أن يخبرونا من الذي أوجد تنظيم الدولة الإسلامية ومن الذي قدم ويقدم السلاح لهذا التنظيم.
كان المرشحون الأمريكيون ينددون بالسياسة الأمريكية الراهنة في التهرب من مسؤولياتها الإستراتيجية على مسرح العالم في أوكرانيا وإحتلال الروس لشبه جزيرة القرم وإرسال الطائرات الروسية لشن غاراتها في سوريا وقيام روسيا بدعم نظام الرئيس بشار الأسد . ولماذا لم يقطع الرئيس ألأمريكي زيارته الرسمية إلى كوبا والعودة إلى واشنطن بمناسبة وقوع التفجيرات الإرهابية الثلاثة في مدينة بروكسل بل إن بعضهم قد أخطأ في التمييز بين الإتحاد الأوروبي وبين حلف الأطلسي .
كما أعلن أحد المرشحين موقفه المناوىء للإسلام والمسلمين وحظر السماح للاجئين المسلمين من الدخول إلى الولايات المتحدة بل ويتمادى بأنه سيوقف شراء النفط العربي . ولم يقتصر الأمر على اللاجئين العرب بل طالب أحدهم بفرض رقابة أمنية وإستخبارية على التجمعات الإسلامية الأمريكية والمساجد في المدن الأمريكية . ونسي مبادىء الثورة الأمريكية الرئيسة بعدم التمييز بين الأديان .
وبالمقابل لا أدري هل يعلم مرشحو الرئاسة الأمريكية أنهم بتصريحاتهم هذه قد أغفلوا الكثير من أبعاد السياسة الإستراتيجية الأمريكية لا سيما الأغراض القومية بعد إنسحاب القوات الأمريكية من كل من العراق وأفغانستان وبعد لجوء قيادة أوباما إلى خوض الجيل الرابع من الحروب التي تتمثل في إيقاظ الخلايا النائمة وفي إذكاء الحروب العربية العربية والمسلمة المسلمة وإشعال الفتن والحروب الأهلية ومحاولة إيقاع الشرخ الأكبر بين كل من المعسكر السني بقيادة السعودية وتركيا والمعسكر الشيعي بقيادة إيران وإيقاع حرب أشد عنفا من الحرب العراقية الإيرانية في عهد الرئيس العراقي صدام حسين والإمام الخميني حسب ما ورد من توصيات في مخططات بيرنارد لويس التي تم إقرارها من قبل وزارة الدفاع الأمريكية ومجلس الأمن القومي. وفي محاولة قوية لتحقيق الهلال الشيعي الممتد من إيران إلى العراق إلى سوريا ولبنان بحيث يتم تطويق العالم السني من الشمال أرضا ومن خلال محاولات السيطرة على كل من ميناء مضيق هرمز ومضيق باب المندب جنوبا للسيطرة على وارادات وصادرات دول الخليج العربي بحراً. وخلق التنظيمات الإرهابية والثورات الداخلية لتفتيت الدول العربية وفي مقدمتها العراق وسوريا ومصر ويتبعها ليبيا واليمن .
إن الولايات المتحدة هي التي عمدت إلى خلق هذه التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية كما فعلت في خلق تنظيم القاعدة . وإن ما يجري على الساحة العربية بدءا بالربيع العربي في كل من سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن وقبلها في السودان هو استمرار لسياسة تفتيت وتقسيم العالم العربي وتدمير الجيوش العربية لا سيما تلك الجيوش العربية التي حاربت إسرائيل.
في ظل هذه الظروف العربية والإقليمية تراجعت القضية الفلسطينية ولم تعد القضية الأهم في العالم العربي بل إن تعاظم القوة العسكرية الإستراتيجية الإيرانية وسياستها في فرض هيمنتها على بعض العواصم العربية قد أرغم بعض الدول العربية إلى التفكير جديا في التحالف مع إسرائيل من أجل خلق توازن إستراتيجي عسكري بينها وبين إيران . ويتمنى الكثيرون على إسرائيل أن تسعى لتحقيق إتفاق نهائي يعطي الفلسطينيين دولتهم الفلسطينية المنشودة . ولكن الصهيونية العالمية لا ترغب في تحقيق مثل هذا السلام وإنما ترغب في ضم الضفة الغربية وتهجير أكبر قدر من الفلسطينيين خارج فلسطين وتوطين أكبر قدر ممكن من المستوطنين اليهود وخلق واقع ديمغرافي جديد حيث بلغ تعداد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية ما يزيد على مليون مستوطن يهودي وإن سياسة تهويد القدس العربية ماضية على قدم وساق وبالرغم من قناعة الفلسطينيين والعرب والمسلمين أجمعين أن القدس هي وطن لكل المسلمين والعرب وأنها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين إلا أنهم عاجزون عن إيقاف هذا الظلم الكامن في تهويد القدس ومصادرة أراضيها وتهجير المقدسيين أصحاب الحق الأصليين.
والسؤال الذي نطرحه هنا ما هي العلاقة الحقيقية بين إيران وإسرائيل بعيدا عن التصريحات العدائية التي يتبادلها الزعماء الإيرانيون والإسرائيليون وهل يستطيع العرب الوثوق بإسرائيل وهل يمكن لإسرائيل أن تحيد عن مخططات الصهيونية العالمية التي رفعت شعار دولة إسرائيل بين النيل والفرات عام 1902 في الخريطة التي وزعها ثيودور هيرتزل أول رئيس للمنظمة الصهيونية العالمية.
وعودة إلى تصريحات بعض مرشحي الرئاسة الأمريكية الذين يصفون فيها المقاومة الفلسطينية بأنها إرهاب أعود لأذكرهم بأن أقسى أنواع الإرهاب في العالم حسب تعريف الموسوعة البريطانية هو الإحتلال العسكري وإن اطول إحتلال عسكري قائم في تاريخنا المعاصر الآن هو الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولبعض أجزاء الدول العربية كما هو الحال في مرتفعات الجولان . وإن من حق الشعوب أن تلجأ إلى كل السبل والوسائل المتاحة والمقاومة المستمرة من أجل الحصول على الحرية والتخلص من الإحتلال العسكري .
وسؤالي هنا هل يعلم مرشحو الرئاسة الأمريكية تاريخ القضية الفلسطينية وهل يعلم المرشحون الأمريكيون أن الولايات المتحدة لديها أكثر من 1500 قاعدة حربية عسكرية بحرية وبرية وجوية موزعة في أرجاء العالم.
أنا لم أسمع طوال حياتي بأي دولة عربية قد عملت حتى هذه اللحظة على صناعة دبابة أو مدمرة أو طائرة حربية أو صاروخ أو قنبلة نووية أو حتى قمر صناعي واحد . واليوم ونحن نرقب الدمار والقتل والتشريد في قلب العالم العربي ونرقب تحول الأرض العربية إلى حقول لتجربة السلاح الغربي والشرقي وفي مقدمته السلاح الأمريكي حيث استولى تنظيم الدولة الإسلامية على 2000 دبابة أمريكية ومئات المدافع وآلاف الرشاشات الأمريكية من مخلفات فرق الجيش العراقي . لقد تحولت السماء العربية إلى سموم ملوثة وتحولت أرضها إلى مقابر لليورانيوم المنضب ومخلفات الصواريخ والقنابل المحرمة ولا يعلم أحد حتى هذه اللحظة نوعية الأمراض السرطانية التي ورثها الأطفال العرب في ظل القصف المستمر والرعب والهلع ونقص الدواء والغذاء .
وإنني أسأل هؤلاء المرشحين منذ اللحظات ألأولى لإحتلال العراق والقضاء على نظام الرئيس صدام حسين كم هو عدد العلماء العراقيين الذين تمت تصفيتهم تحت سمع الإدارة الأمريكية ولماذا تم تسليم العراق على طبق من ذهب إلى إيران .
وبدل التهديد في منع اللاجئين السوريين من الإستيطان في بقاع الدنيا أوقفوا هذه الحروب وأوقفوا تنظيماتكم العميلة بل أوقفوا مدهم بالمال والسلاح.
حقيقة واحدة يجب أن يدركها المرشحون الأمريكيون أنه طالما كانت هناك حياة فوق سطح الأرض فسوف تبقى دول العالم بأسره بحاجة إلى النفط والغاز العربيين. وما أحوجنا في العالم العربي إلى فن إدارة هذه الثروات وأن ندرك أنه ليست هناك صداقات دائمة بين الدول وإنما هناك مصالح مشتركة.
كما يجب أن يدرك أصحاب السياسة والإستراتجية في العالم بأسره ومن ضمنهم ترامب وكروز وساندرز وكلينتون وكاستش أن السلام لن يعم في الشرق الأوسط قبل أن يتم إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية . وأن الدين الإسلامي هو دين متمم للأديان السابقة اليهودية والمسيحية فكفاكم تسييسا للأديان فالدين الإسلامي دين سلام وليس قائما على الإرهاب والترويع وأن هذه التنظيمات الإرهابية التي أوجدتموها بأيديكم سوف ترتد إن عاجلا أو آجلا بإرهابها إلى نحوركم.
* الكاتب باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي