الأردن.. النسور يتحدى سنوات التنكيت بمخطط مفاجئ للتجديد
جو 24 :
مصطفى العلي - في بلد لا يزيد فيه متوسط عمر الحكومات عن 11 شهرا، ونسبة منتظري دورهم في التوزير عالية بشكل استثنائي، فإنه يصعب على الأردنيين أن يبلعوا فكرة استمرار رئيس الحكومة لأربع سنوات، ويشقّ عليهم أن يتصوروا أنه نفسه يمكن أن تتجدد له الرئاسة أربع سنوات أخرى، خاصة إذا كانوا لا يملون التسلي بانتقاده.
ليس في أدوات الديمقراطية الأردنية ما يضمن للانتقادات السيّارة، سواء في الصحافة أو البرلمان أو الشارع، أن تتحول إلى قوة ضغط حقيقية تطيح بالحكومة أو تعيق التجديد للرئيس ما دام أن "الغطاء” لم يرفع عنه، خصوصا في غياب الأحزاب ذات القواعد وافتقاد الكتلة البرلمانية القادرة على سحب الثقة. والمقصود بـ "الغطاء "هو الرضا النسبي لدى مراكز صنع القرار عن أداء الرئيس، وعدم وجود كلفة مؤثرة للاستمرار بالوقت الراهن.
ينطبق ذلك على الحكومة كما على مجلس النواب، سلطتان تجتاحهما الآن موجة غبار من الشائعات والتحليلات والفتاوى عن قرب حلهما، لكنها تبقى تحليلات منزوعة الفتيل.
شائعات التغيير رياضة موسمية تنطلق من صالونات سياسيي عمّان الغربية المرفهة، لكنها هذه المرة لقيت سنداً من فتوى قانونية تقول، إن صدور وسريان قانون الانتخاب الجديد يعني سحب الشرعية من مجلس النواب الحالي.
وتعززت هذه الفتوى – على ضعف سندها- بانتقاد لعجز الحكومة عن الإبداع والتميز، نشره الملك تغريدة في صفحته بتويتر.
وزاد في سرعة الرياح المغبرّة الحاجبة للرؤية بخصوص مصير الحكومة والنواب، انتشار قصص الحساسية والنكايات بين رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية، ثم تغيير مفاجئ لمجلس”الهيئة المستقلة للانتخابات” المناط بها إدارة إجراءات وضوابط ولوجستيات الانتخابات النيابية، وسط ترجيحات منطقية بأن الانتخابات باتت منتظرة أواخر السنة ضمن الحدود المرنة للمدة الدستورية التي هي أربع سنوات.
من الآن وحتى تحديد موعد الانتخابات فإن السيناريوهات المتداولة تراوح ما بين أن تبقى حكومة النسور لتجري الانتخابات، أو أن تقال أو تستقيل لصالح حكومة انتقالية وظيفتها الإشراف على الانتخابات. لكن الذي قد يتفاجأ به متربصو النسور وما أكثرهم، هو أنه يرسم لخوض الانتخابات البرلمانية على أمل أن ينجح هو ومجموعة من الشخصيات التي رعاها طوال السنوات الأربع الماضية بحيث تتشكل، في المجلس القادم الذي سينخفض عدد أعضائه إلى 130 نائبا، كتلة راجحة إلى الحد الذي تستطيع فيه ترشيح رئيس الحكومة وتضمن لها الثقة.
وكرئيس مفترض أو منتظر لتلك الكتلة فإن عودة النسور لتشكيل الحكومة ستتحقق هذه المرة كإنجاز في برنامج الإصلاح السياسي تحت باب الحكومة البرلمانية، وهو الفصل الذي لم يتحقق حتى الآن من رزمة الإصلاح التي التزمت بها الدولة في أعقاب موجة "الربيع العربي” وتضمنت قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات واللامركزية مع بعض التعديلات الدستورية، ولم يبق منها إلا بند تداول الحكومات البرلمانية.
موضوع الحكومة البرلمانية كان يراد تطبيقه قبل أربع سنوات في أعقاب الانتخابات الماضية، لكن التجربة لم تنجح؛ لأن تشكيلة النواب الجدد تفتقد الحد الأدنى من القدرة التوافقية اللازمة لشكليات ترشيح رئيس ومجموعة من الوزراء من تحت القبة.
النسور حظي يومها بوعد ملكي أن تدوم حكومته أربع سنوات هي عمر المجلس النيابي. ويبدو أن رئيس الحكومة الموصوف بالدهاء، تنبّه من يومها إلى أن تحقيق مطلب الحكومة البرلمانية ليس صعبا إذا جرى التخطيط له على مدى أربع سنوات تكفي لخلق شبكة من العلاقات والمصالح تضمن في الانتخابات القادمة توصيل عدد من النواب كافٍ لتشكيل كتلة أغلبية.
وهذا ما يبدو أنه بات متاحا في ظل شبكة من الإجراءات ليس أقلها قانون انتخاب جديد، ليست فيه معيقات هيكلية لتفصيل كتلة برلمانية بمقاس معين. خمسة على الأقل من الوزراء المقربين من رئيسهم سيخوضون الانتخابات القادمة، بعد أن يكون تسلم رئاسة الهيئة المستقلة للانتخابات وزير حالي هو من الذين لا يخفون درجة إعجابهم بالرئيس.
وفي الحصيلة أرضية جاهزة ودون منافسين، من أجل أن ينجح النسور في الانتخابات النيابية آخر السنة، ويرأس تحت القبة كتلة برلمانية تضمن له الثقة في رئاسته للحكومة.
قدرة النسور على إقناع مراكز صنع القرار بأنه الوحيد الذي يستطيع تنفيذ الهدف السياسي الكبير بنقل الأردن إلى ديمقراطية الحكومات البرلمانية، هي قدرة يبدو أنها شفعت له ليصمد أربع سنوات كانت غير مقنعة للكثيرين، ثم ليجدد أربع سنوات أخرى، الناس فيها مشغولون بالتوقي من لظى الحرب على الحدود الشمالية.
سئل الرجل مرة كيف يحتمل كل هذا التشنيع عليه في نكت وكاريكاتيرات لرفع الأسعار ولكل شيء ، ومن دون أن يغضب أو يقمع، فأجاب: "بالعكس ، أنا أفتخر أنني علمت الأردنيين التنكيت”.
وحسب رئيس وزراء أسبق، فإن النسور في ختام دورة أربع السنوات الثانية – إن سارت الأمور في طريقها دون مفاجآت- فإنه سيقول : أفتخر أنني بعد التنكيت علمت الأردنيين فضيلة الصبر على المكاره.-(نقلا عن إرم)