منطق المغامرة بقوت المواطن واستثمار الكلام المعسول في تصريحات النسور
أمل غباين - بعد إثباته لعدم قدرته على تجاوز الكوتا الوزارية، بدأ رئيس الحكومة عبدالله النسور بالترويج لقانون المطبوعات العرفي الذي عارضه قبل أن يصل لرئاسة الوزراء، كما استسلم لاشتراطات السلطة ولم يواصل معارضته لقانون الصوت المجزوء، بل وتنازل عن طموح الولاية العامّة عبر تصريحاته التي قال فيها إن الإفراج عن معتقلي الحراك يحتاج لمكرمة ملكيّة.
الملفات الأربعة لم يتمكن النسور من تجاوزها، وليس هذا فحسب، بل عمد الرئيس إلى استثمار مهاراته الكلاميّة للترويج لرغبات وتوجهات حكومة الظل، التي تحاول حلّ الأزمة الاقتصادية على حساب جيب المواطن البسيط، عوضا عن استرداد الأموال المنهوبة واجتثاث الفساد.
الكلام المعسول الذي حاول النسور من خلاله إقناع الناس بالقبول بقرار رفع الأسعار لا يمكن له أن يحقق أهدافه.. صحيح أن شعبنا يحمل كل صفات المديح التي أوردها النسور في سياق لعبته الكلاميّة، غير ان المواطن لم يعد يملك ما يقدّمه لإرضاء رغبات تحالف المال والسلطة، حيث وصل إلى درجة لا يستطيع فيها تلبيّة أدنى متطلبات الحياة الكريمة.
أضف إلى ذلك أن محاولة النسورلإقناع المواطنين بأنه ليس أمام صنّاع القرار إلا رفع الأسعار أو خفض قيمة الدينار، تدلّل على تجاهل السلطة لكافة الحلول الممكنة، تلبيةً لتوجيهات صندوق النقد الدولي.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي د. منير حمارنة إن ما جاء في تصريحات النسور لا يمكن القبول به شعبيا، مشيرا في ذات السياق إلى ان السياسة الرسمية أوصلت البلاد الى هذه الحالة الاقتصادية المتردية، وهي التي يجب ان تتحمل أوزراها بعيدا عن جيب المواطن.
وبين ان مثل هذا التصريح بمثابة تهديد للمواطن الاردني، مؤكدا ان الحل يكمن في إعادة النظر بالسياسيات الاقتصادية والضريبة وطبيعة الانفاق.
وطالب حمارنة بوقف الاعتماد على المساعدات الخارجيّة ودعم المؤسسات المستقلة على الفور، محذرا من تبعات رفع الاسعار و"نهب جيب المواطن".
واكد حمارنة أن عملية رفع الاسعار لن تكون عملية سهلة في حال تطبيقها، بل ستجر البلاد الى عدم الاستقرار.
أما رئيس تحرير صحيفة الغد الزميلة جمانة غنيمات فقالت إن ماجاء به النسور حول دعم الحكومة للبنزين بنسبة 100% كلام غير دقيق، الا انها أيّدته فيما يتعلق بتصريحه حول الدعم الحكومي للكهرباء والغاز.
واستهجنت غنيمات تصريحات الرئيس حول الدينار الأردني، مشيرة الى أنه لا يجوز لاي كان -حتى رئيس الوزراء- التشكيك بمكانة الدينارالأردني.
وأكدت غنيمات ان تصريحات النسور حول الدينار مبالغ فيها، وانها خلقت حالة من الرعب في مجتمع المال والاقتصاد، محذرة من النتائج السلبية لهذه اتصريحات على قيمة الاحتياط لدى البنك المركزي.
وأضافت: إن النسور وضع المواطن ضمن خيار غير واقعي، وإن كان حجم الاحتياطي تراجع في الآونه الأخيرة، الا انه مازال بالنسبة لحجم الاقتصاد ضمن المعايير الدولية.
وبينت غنيمات انه كان الأولى ان يقدم رئيس الوزراء بدائل اخرى بعيدا عن جيب المواطن.
وتساءلت عن الحلول التدريجية التي تقتضي الحكمة اتباعها، كوقف الهدر في الموازنة وفيما يتعلق بالمؤسسات المستقلة وقانون الضريبة ورسوم التعدين وادارة سوق المحروقات وحجم موازنة العام 2013.
وشددت على ان هذا القرار في حل تم تطبيقه سيواجه رفضا شعبيا واسعا ولن يتم تمريره بسهولة.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن تصريح النسور يأتي استكمالا لتصريحات حكومات سابقة، غير أنه كان الاكثر صراحة. وأضاف إن هذا التصريح يؤكد عزم الحكومة على رفع الدعم عن السلع الاساسية.
وبين ان دعم السلع الاساسية بالاصل يعد تشوها في عالم الاقتصاد، مشيرا الى ان الحكومة تحاول ازالة هذا التشوه بتوقيت غير مناسب على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
وتابع: إن دعم السلع الاساسية يعدّ أحد أشكال الأمان الاقتصادي والاجتماعي، وقد انبرت إليه الحكومات نتيجة اشكالات تتعلق بالحكومات نفسها، لانها أسهمت في زيادة حجم المديونية زيادة الهدر وتضخيم حجم الموزانة دون مصوغات تنموية.
وبين ان جوهر الحل يكمن في إلغاء أو دمج المؤسسات المستقلة كونها تحظى بالدعم الأكبر من خزينة الدولة.
ورغم عدم قناعته بتوقيت رفع الدعم قال عايش إن هذا القرار قد يقبل شعبيا في حال اثبت تقليص عجز الموازنة وتم ايصال الدعم لمستحقيه بشكل حقيقي، مضيفا: فيجب ان تكون الجدية هي الآلية التي يتم بموجبها ايصال الدعم لمستحقيه.
واعتبر عايش أن دعم السلع الاساسية احد مداخل الفساد، مشيرا إلى انه كان يستخدم في بعض الحالات للمنفعه الشخصية.
وقال إن توقيت تصريحات النسور غير مناسبة موجها تساؤله للحكومة حول مدى إدراكها لقدرة المواطن على التكيف اجتماعيا وسياسيا مع مثل هذا القرار.
وطالب عايش الحكومة بإعطاء دليل للمواطن يثبت ان رفع الدعم عن السلع الاساسية سيحقق استقرارا لسعر الدينار.
وبين أن هذا القرار سيدخل البلاد في متاهه اخرى كون المواطن غير مستعد لتحمل قرارت لا تؤدي لتحسين معيشته.