ساتلوف وشينكر: تزايد الضغوط على الأردن.. ومخاوف جديدة
جو 24 :
في عام 2013، حذرت "مذكرة التخطيط للطوارئ" الصادرة عن "مجلس العلاقات الخارجية" في الولايات المتحدة تحت عنوان "عدم الاستقرار السياسي في الأردن" من أن أكبر تهديد يتربص استقرار المملكة الأردنية الهاشمية ينبع من المظالم المحلية التي تؤدي إلى تأكل قاعدة الدعم العشائرية الأساسية للنظام. فعلى الرغم من الحرمان الاقتصادي وبطء وتيرة الإصلاحات والاعتقاد السائد بأن الفساد لا يزال من أهم مصادر الإحباط الشعبي في الأردن، إلا أن القصر الملكي استطاع منذ ذلك الحين ضبط أقوى عناصر المعارضة من العشائر والإسلاميين السياسيين المحليين، أي جماعة «الإخوان المسلمين». ولكن مع تضاؤل خطر الاضطرابات الداخلية، نما احتمال توسع الصراع السوري، مما يشكل خطراً متزايداً يهدد الأردن.
مخاوف جديدة
لدى الأردن تقليد قديم في منح ملاذ للاجئين، ولكن المملكة وصلت إلى نقطة التشبع. إذ إن اللاجئين السوريين في الأردن، الذين يصل عددهم حالياً إلى حوالي 1.4 مليون شخص يشكلون مصدراً هاماً لعدم الاستقرار في المملكة. فلم يتم تسجيل سوى نصف اللاجئين المتواجدين في الأردن لدى "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، فيما يعيش أقل من 10 في المائة من منهم في مخيمات رسمية للاجئين، وتنتشر الغالبية في أنحاء البلاد.
واللاجئون، الذي يشكلون 13 في المائة من سكان الأردن، يطرحون عبئاً كبيراً على الاقتصاد الأردني الضعيف. ففي عام 2015 كانت تكاليف استضافة اللاجئين تعادل 17.5 في المائة من ميزانية البلاد وعامل يساهم إلى حد كبير في العجز الذي تعاني منه الأردن والبالغ 2 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، لا يشمل الاقتصاد الأردني مساحة كبيرة لاستيعاب اللاجئين. فمعدل البطالة في البلاد يبلغ 12 في المائة، كما أن نسبة البطالة في صفوف الشباب تبلغ 30 في المائة. لذا يمكن للاجئين الذين يتنافسون على الوظائف النادرة أن يثيروا المزيد من التوتر الاجتماعي.
ومن جهة أخرى، يشكل الأمن في الأردن مصدر قلق متزايد. فعلى الرغم من أن الجيش يعمل بفعالية على منع عمليات التسلل وعلى ضبط الحدود، بما في ذلك المناوشات الدورية مع المسلحين والمهربين السوريين، تبرز أدلة على أن بعض اللاجئين متأثرين بأيديولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») - الذي نصب نفسه بنفسه كدولة إسلامية - أو بالإسلام السلفي. إذ أفادت بعض التقارير أن ما يقدر بنحو ثلاثة آلاف أردني انضموا إلى القتال في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن عوامل أخرى آخذة في التصاعد، مثل الحوادث المرتبطة بالإرهاب وخلايا نائمة مزعومة لـ تنظيم «داعش» وعمليات الاعتقال.
وفي نهاية عام 2015، تحولت سياسة عمان نحو الحد من تدفق اللاجئين، مما قطع الطريق على أكثر من خمسة عشر ألف سوري على طول الحدود الأردنية السورية. كما كانت الحكومة تعمل على إنشاء "منطقة آمنة" على الجانب السوري من الحدود، وتقديم المساعدة الإنسانية والأمنية للميليشيات المحلية مع التطلع إلى إقامة منطقة يمكن أن يعيش فيها اللاجئون بأمان نسبي من نظام بشار الأسد و تنظيم «الدولة الإسلامية» على حد سواء. ومع ذلك، يمكن لحملة موسعة يقوم بها النظام السوري أو روسيا في جنوب سوريا أن تثير موجة من الهجرة الجماعية نحو الحدود الأردنية سيكون من الصعب درؤها.
التداعيات السياسية
يشكّل استقرار الأردن أولوية قصوى بالنسبة إلى الولايات المتحدة. فالمملكة شريك رئيسي في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» ومواجهة التوسع الإيراني ودعم التوصل إلى حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي. كما أن التعاون الأردني الضمني مع شريكتها في المعاهدة، أي إسرائيل، يُعتبر نقطة إضافية تصب في المصالح الإقليمية للولايات المتحدة. إذ من شأن عدم الاستقرار الداخلي في الأردن، وخصوصاً الاضطرابات التي تهدد وضع القيادة الراهن، أن يعرض هذه المصالح الأمريكية الهامة للخطر. فتصاعد الضغوط التي يمارسها اللاجئون على الموارد الشحيحة في الأردن، فضلاً عن تدابير التقشف المقابلة لذلك، يمكن أن تغذي المشاعر المزعزعة للاستقرار والمناهضة للنظام. وعلى الرغم من أنه من المرجح أن تؤدي الهجمات الإرهابية المستوحاة من تنظيم «الدولة الإسلامية» في المملكة الأردنية إلى تزايد الدعم للنظام الملكي، إلا أنه يمكن للحوادث الأمنية أن تلحق ضرراً أكبر بالاقتصاد الذي يعاني أصلاً من الصعوبات. وبالتالي، فإن أي تدفق إضافي من اللاجئين قد يقلب الموازين، مما سيتسبب بأزمة في البلاد، تتأتى على الأرجح من المتذمرين في صفوف اللاجئين و/أو من الأردنيين الساخطين.
التوصيات
منذ عام 2011، قدّمت الولايات المتحدة حوالي 700 مليون دولار من الدعم الإنساني للاجئين في الأردن. كما وزادت واشنطن من التزاماتها الأمنية والاقتصادية تجاه عمان من خلال توقيع "مذكرة تفاهم" في شباط/ فبراير 2015 بغية زيادة المساعدات السنوية الأساسية من 660 مليون دولار إلى مليار دولار سنوياً من عام 2015 وحتى عام 2017، من بينها الأموال لتغطية تكاليف تمويل ضمانات قروض إضافية.
وقد تلقت الأردن مليارات الدولار في إطار دعم الميزانية لمشاريع البنية التحتية من دول الخليج ومئات ملايين الدولارات من الأمم المتحدة لدعم اللاجئين. وعلى الرغم من أن المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية تشكل عاملاً حيوياً في هذا السياق، إلا أن نفقات الأردن المتصلة باستضافة اللاجئين وتأمين الحدود تفوق المبالغ التي يتلقاها. وبالمثل، فإن ضمانات القروض المدعومة من الولايات المتحدة قد تخفف الأزمة النقدية الفورية في الأردن، ولكنها لن تؤثر كثيراً على خلق فرص عمل دائمة أو على التخفيف من التحديات الاقتصادية والأمنية المستمرة التي يشكلها اللاجئون، والذين قد يبقى العديد منهم في الأردن لسنوات عديدة، ذلك إن عادوا في أي وقت. لذا، يتوجب على واشنطن أن تتخذ الخطوات الاستباقية التالية للمساعدة في عزل الأردن عن الأثر المحتمل لامتداد الأزمة من سوريا الذي من شأنه زعزعزة استقرار المملكة:
·زيادة المساعدة الإنسانية. إذا لم يكن من الممكن سياسياً منح زيادة صافية بمئات ملايين الدولارات لأموال دعم اللاجئين، يمكن لواشنطن النظر في توزيع أكثر عقلانية وعدلاً لأموال دعم اللاجئين السوريين التي تقدمها في دول الشرق الأوسط الأخرى والبالغة 533 مليون دولار. على واشنطن أن تضغط على حلفائها الأوروبيين والعرب (أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت) بغية إضافة عنصر دعم للميزانية السنوية بقيمة مليار دولار على مشاريع استثماراتها في البنية التحتية القائمة في المملكة.
·دعم عملية توظيف اللاجئين السوريين. إن ارتفاع معدلات البطالة وعدم كفاية فرص العمل والهجرة الخاضعة للرقابة، كلها عوامل يبدو أنها تدفع حركة هجرة الرجال السوريين إلى أوروبا. لذا، بغية إغراء السوريين للبقاء في المنطقة، إن لم يكن في سوريا نفسها، سيكون من الضروري توفير درجة معينة من الفرص الاقتصادية. يجب على واشنطن تشجيع الدول الأوروبية، وألمانيا على وجه التحديد، على الاستثمار في مبادرات لخلق فرص عمل في الأردن، حالما يوفر الأردن تصاريح عمل لعدد أكبر من اللاجئين السوريين. فقد تم تحديد عملية توفير فرص العمل للاجئين المحليين كأولوية أوروبية خلال مؤتمر المانحين لسوريا الذي انعقد في شباط/ فبراير 2016 في لندن.
·زيادة التعاون في مجالي الدفاع والاستخبارات. إن تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني بين واشنطن وعمان عاملان قويان بالفعل بشكل استثنائي. ومن أجل تعزيز العلاقة وتحسين قدرات الأردن على جمع المعلومات الاستخباراتية حول جنوب سوريا، يجب على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تزويد المملكة الأردنية بقدرات متقدمة من خلال طائرات بدون طيار للمراقبة والهجوم.
·إنشاء منطقة آمنة حقيقية. على الرغم من أن الأردن قد بذل بعض الجهود بعيداً عن الأنظار لدعم المجتمعات المحلية على الجانب السوري من الحدود، إلا أن تلك الجهود تفتقر إلى حصولها على الموافقة لإنشاء منطقة آمنة إنسانية مدعومة دعماً كاملاً وعلى الحفاظ عليها، حيث تقدم قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمن للمأوى والتغذية للسوريين النازحين داخلياً. وبالتالي، فإن إنشاء مثل هذه المنطقة مع الشركاء في التحالف الذي يكافح تنظيم «الدولة الإسلامية» سيخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الحفاظ على الأردن وعلى مصادر القلق الإنسانية عبر حماية المدنيين.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الادني