jo24_banner
jo24_banner

الخطة الوطنية لحقوق الإنسان إطار نظري متقدم في مواجهة واقع متراجع

الخطة الوطنية لحقوق الإنسان إطار نظري متقدم في مواجهة واقع متراجع
جو 24 :
كتب: عمر محارمة - 

تواجه الخطة الوطنية لحقوق الإنسان ذات التحديات التي واجهتها كافة الخطط و البرامج السابقة الساعية لتعزيز حقوق الإنسان في الإردن فـ «الكلام كثير والفعل قليل» لا بل إن الفعل قد يكون عكسيا وسلبيا ويقوض بعض الحقوق والحريات.

العام 2015 شهد الكثير من المظاهر السلبية التي شكلت انتهاكا لحقوق الإنسان وكانت هذه الإنتهاكات جسيمة في بعض الأحيان، خصوصا فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، فالعام الماضي قد يكون الأسوأ منذ عقود في مجال توقيف الصحفيين وملاحقتهم قضائيا.

فقد جاء قرار ديوان تفسير القوانين لشرعنة توقيف الأشخاص في القضايا الإعلامية، من خلال استخدام قانون الجرائم الإلكترونية، الذي سمح بحبس الأشخاص في القضايا المتعلقة بالتعبير عن الرأي، لاغيا الأثر الإيجابي لقانون المطبوعات والنشر الذي يمنع الحبس في هذا المجال، وخلال العام الماضي تم توقيف العديد من الأشخاص بمن فيهم صحفيون وفق قانون الجرائم الإلكترونية.

بل إن بعض الانتهاكات شكلت تعديا على أحكام الدستور وقرارات المحكمة الدستورية، وهو ما يبدو جليا في التعامل مع النقابات المستقلة، فالتعديلات التي جرت على الدستور عام 2011 ضمنت بوضوح حق الأردنيين بتشكيل نقابات، وجاء القرار التفسيري للمحكمة الدستورية رقم 6 لسنة 2013، الذي أجاز للعاملين في القطاع العام تشكيل نقابات لهم، الا أنه وحتى هذه اللحظة، لم تستجب الحكومة لذلك، فهي تمنع العاملين من تشكيل نقابات خارج نطاق النقابات العمالية السبعة عشر القائمة منذ أربعين عاماً، وتخضع في سياساتها العامة لسيطرة الحكومة.

ولم تكتف الحكومة بالتقييدات القائمة على عمل منظمات المجتمع المدني على مستويي التأسيس وآليات العمل، في إطار قانوني الجمعيات والشركات، التي تخالف معايير الحق في التنظيم كجزء من منظومة حقوق الإنسان، ولم تقتصر المضايقات والتضييقات على المنظمات العاملة في شؤون حقوق الإنسان والديمقراطية، بل تعداها لمنع بعض أعمال وأنشطة تتعلق بدمج الأشخاص من ذوي الاعاقة بالمجتمع، وحماية المجتمعات المحلية من المخاطر البيئية لبعض الشركات، وصلت لمستوى توقيف رئيس إحدى الجمعيات البيئية.

وشهد العام الماضي تقديم الحكومة لتعديلات على قانون العقوبات تجرم الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص الذين يمارسون حقهم في الإضراب في العديد من القطاعات الاقتصادية بالغرامات المالية والسجن، و مارست الحكومة ذلك، وقبل إقرار التعديلات من قبل السلطة التشريعية، حيث قامت بتوقيف واعتقال نشطاء نقابيين مارسوا حقهم في الإضراب، وفض العديد من الاعتصامات والاضرابات العمالية بالقوة كذلك جرى منع العديد من الاجتماعات والتجمعات المدنية والسياسية.

الأمثلة على انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، كثيرة و يضاف لها انتهاكات عريضة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد شهد عام 2015، تراجعاً في العديد من المؤشرات، فمؤشر البطالة ارتفع ليصل إلى 13.8%، يضاف إلى ذلك الارتفاعات الكبيرة في تكاليف المعيشة، التي لا تتلاءم بالمطلق مع مستويات أجور الغالبية الساحقة من العاملين بأجر، وحسب الأرقام الرسمية فإن ما يقارب 90% من العاملين بأجر يحصلون على رواتب شهرية تضعهم تحت خط الفقر.

وهنالك شكاوى مستمرة من تراجع جودة الخدمات الصحية في المؤسسات الحكومية، يقابلها ارتفاع كبير وغير مبرر في تكاليف الطبابة في القطاع الخاص، أما فيما يتعلق بالخدمات التعليمية، فلا يخفى على أحد حالة التدهور في جودة التعليم الأساسي والجامعي والمهني، حيث لا ينجح في امتحان الثانوية العامة ما يقارب 50 % من الطلبة، يضاف لها تدني درجة امتلاك خريجي الجامعات للمهارات الأساسية في تخصصاتهم التي لا تتجاوز 44%، حسب بيانات وزارة التعليم العالي.

بالمحصلة فان واقع حقوق الانسان يراوح مكانه ويتقهقر الى الخلف فيما تتزايد الأطر النظرية و السجلات الورقية لقضايا حقوق الانسان وآخرها الخطة الوطنية، دون أن يترجم هذا الكم الكبير من الحوار الى واقع يلمس المواطن أثره في مختلف جوانب حياته.

خلوات عدة عقدت لترجمة الخطة الوطنية لحقوق الانسان، ولقاءات مكثفة سعت الى وضع التقرير الحكومي للرد على ملاحظات وتوصيات تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان، لكن السؤال الكبير الذي لا يجد اي باحث اجابة له «ما الجديد...؟».

وما بين اجتماعات وندوات وورش عمل وخلوات متتالية يحضر التنظير والحديث الكثير عن حقوق الانسان، فيما تضيع القضية الاساس عند الفعل الذي يعتمد نجاح اي دولة عليه لوضعها في تصنيف الدول التي تحترم حقوق الانسان.

فطالما أن المواطن لم يلمس تطورا وتحسنا بحقه في التعليم والعمل والصحة والسكن والبيئة النظيفة والمعيشة اللائقة، فإن الخلل سيبقى موجودا والتصنيف بين دول العالم لن يتغير.

حقوق الانسان ليست كلاما انشائيا للاستهلاك الاعلامي واستعراض الخطط والاستراتيجيات، بل ممارسة فعلية يتوجب ان يلمس أثرها المواطن، ليضمن ان لا أحد سيأخد دوره على شباك دائرة حكومية، وانه سيجد وسيلة نقل توصله الى منزله وكذلك العلاج اللازم في اقرب مركز صحي اليه، والذي لن يخاف ان يرفع صوته عندما لا يجد كل ذلك.

الأردن مثقل بالانتقادات القاسية التي توجه له من مؤسسات محلية ودولية كان ابرزها ما طرح غداة المراجعة الدورية لتقرير الأردن الشامل أمام مجلس حقوق الانسان في تشرين الأول 2014، وإن كانت تلك الانتقادات لا تمثل رؤية شاملة كاملة لكل ما تعانيه حقوق الإنسان في الاردن من ضعف في الجوانب المختلفة، الا أنها كشفت عن أن الأردن في السواد الأعظم من قضاياه لم يتحسن، بل في بعضها عاد للخلف خطوة أو اثنتين.

يأتي ذلك في الوقت الذي اصبحت فيه موضوعات حقوق الإنسان تفرض نفسها على الفكر القانوني، والسياسي، والتنظيم الدولي، وفي الجامعات كبرامج علمية يتم تدريسها للطلاب بعد ان اصبحت قضية حقوق الإنسان قضية عالمية، تجاوزت حدود الدول ونطاق قوانينها وأنظمتها الداخلية، ولقد أفرز لنا هذا العامل إشكالية السيادة، والتدويل، وعلاقة النص الوطني بالنصوص الدولية، والمعيارية الدولية لمفهوم الحقوق.

كما ارتفع اهتمام أنظمة الحكم بمختلف أشكالها بهذه القضية لاتخاذها كوسيلة لتحصين نفسها بالشرعية، وإبعاد تهمة الديكتاتورية والاستبداد عن ممارساتها حيث تُعتبر قضية حقوق الإنسان ومدى احترامها والالتزام بها بمثابة مقياس لتقدم الأمم ورفعتها، لأن فقدان الحقوق والحريات كان على مرّ العصور سبباً من أسباب انهيار الحضارات.

لذلك صار تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها مهمة رئيسة للضمير الجمعي للمجتمع الإنساني، وبذات الدرجة من مهام الأمم المتحدة بموجب ميثاقها. ومنذ العام 1948، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعدّ بمثابة المعيار المشترك للإنجاز بالنسبة لجميع الشعوب وكافة الأمم .

إن الحديث عن الأهمية المتنامية لموضوع حقوق الإنسان يقود بالضرورة إلى التعـرض إلى الأسس الفـلسفية، والرؤى العقائدية، والتراكم الحضاري، والإشكاليات القانونية، ويتمثل في إعطـاء وتقديم مفهوم ودلالة المصطلح حقوق ومعـنى الإنسان عند الحديث عن هذه الحقوق ، باعتبار أن الحقوق أساس التأصيل، فمصطلح الحق هو مصطلح قانوني يعني السلطة أو القدرة التي يقررها القانون لشخص ويكون له بمقتضاها ميزة القيام بعمل معين.

ومما يلاحظ على هذا التعريف أنه ربط مفهوم الحقوق بالقانون، والقول بأن الحقوق الطبيعية هي التي يُمكن أن يتمتع بها الإنسان دون أن يُقرها القانون، أما تشريعات حقوق الإنسان فهي النصوص القانونية والقواعد العرفية التي تحمي حقاً من حقوق الإنسان، ويعتبر جزءا من منظومة حقوق الإنسان دون النظر إلى مصدرها الديني، أو الوطني أو الدولي. ويُفهم من هذا التعريف أن تشريعـات حقوق الإنسان هي المنظومة القانونية الكفيلة بحماية حقوق الإنسان.

لقد آن الأوان لكي نتوقف عن استجداء احترامنا وكرامتنا... وحقوقنا ... وشرعـتنا الإنسانية. علينا أن نفرض احترام تلك الشرعة بوعي ويقظة، وليرفع كل إنسان منا صوته عاليا بأنه إنسان بكل ما يحمله ذلك من معان في مواجهة الجميع حكاما ومحكومين.-(الدستور)
 
 
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير