الكذب.. واقعية يمارسها شباب لدوافع متعددة
الكذب ظاهرة اجتماعية نفسيه ملازمة للوجود البشري، وهي واقعية يُمارسها شباب بأشكال مختلفة، ولدوافع متعددة.
تصنف هذه الظاهرة حسب الحال والهدف والسبب والحجم (كذبة كبيرة أم صغيرة)، وحسب المجال الحياتي فهناك الكذبة الاجتماعية، والاقتصادية، والكوميدية، والسياسية.
ويرى اساتذة علم النفس والاجتماع أن الكذب نوع من الانكار واختلاق وقائع لم تحدث، داعين مؤسسات التنشئة الاجتماعية إلى محاربتها لانها تزيد المشاكل عند الشباب.
الثلاثينية منى احمد تعترف بأنها لجأت للكذب حتى تجد شريكاً للحياة، وتقول «كنت اشعر انه هو ايضا يكذب علي «فعلت مثله ولجأت الى الكذب فمثلاً عندما كان يسألني كنت أكذب عليه حتى يتحقق المراد وانا الان ام لطفلين والى الآن انا وزوجي نكذب احيانا حتى تكون الحياة افضل».
فيما تلجأ العشرينية جمانا أحمد إلى الكذب للفت الانتباه فقط «سواء امام الاهل او الزملاء بالجامعة فانا ارفض ان يكون هنالك منافس لي فأكذب بلبس الماركات والمكياج وذهابي الى المطاعم وهكذا».
ويقول الطالب الجامعي محمد علي «انا اكذب عندما يكون الشخص المقابل يكذب كثيرا فانا ارد عليه فقط من باب الاستهزاء والسخرية».
ويضيف واخر كذبة كانت» باستئجار السيارة واضطررت للكذب على والدي اختصاراً للمشاكل».
ورغن أن الجامعي فادي (سنة رابعة اقتصاد) يتجنب الكذب، يعترف بأنه يضطر اليه وهو يعتبره «كذباً ابيض».
ويشير إلى آخر «كذبة» قالها لاصدقائه وهي «كانت شراء والدي سيارة لي مع العلم «هي سيارة اخي استعيرها منه».
مقابل ذلك يرفض الشاب رائد السالم الكذب بجميع ألوانه وأشكاله، محذرا من اللجوء اليه بأي حال من الاحوال.
استاذ الارشاد النفسي الدكتور محمد ابراهيم ابو شوك يشير إلى أن الكذب من منظور علم النفس هو نوع من الإنكار وينظر إليه على انه تجنب قول الحقيقة وقول ما لم يحدث واختلاق وقائع لم تحدث مع المبالغة في نقل ما حدث ويتطور الكذب ويتجمل في ناظريهم.
ويبين أن «ظاهرة الكذب تبدأ في الأغلب منذ الطفولة من تنشئة الطفل فى بيئة تتصف بالخداع وعدم المصارحة والتشكيك في صدق الآخرين فاغلب الظن أنه سيتعلم نفس الاتجاهات السلوكية في مواجهة الحياة وتحقيق أهدافه، والطفل الذي يعيش في وسط لا يساعد في توجيه اتجاهات الصدق والتدرب عليه، فإنه يسهل عليه الكذب خصوصا إذا كان يتمتع بالقدرة الكلامية ولباقة اللسان».
ويشدد على أن «الكذب صفة أو سلوك مكتسب نتعلمه وليس صفة فطرية أو سلوك موروث... والكذب عرض ظاهري لدوافع وقوى نفسية تحدث للفرد سواء أكان طفلا أو بالغا. وقد يظهر الكذب بجانب الأعراض الأخرى كالسرقة أو الحساسية والعصبية أو الخوف. وقد يلجأ بعض الآباء والأمهات إلى وضع أبنائهم في مواقف يضطرون فيها إلى الكذب وهذا أمر لا يتفق مع التربية السليمة كأن يطلب الأب من الابن أن يجيب السائل عن أبيه كذبا بأنه غير موجود... فان الطفل في هذه المواقف يشعر بأنه أرغم فعلاً على الكذب ودرب عليه أنه أمر مقبول».
وحول اسباب وانواع الكذب يشير الى انه يتمثل في الرغبة في تجميل الظاهر، وذلك بأن يحسن بعض الشباب مظهرهم فيتجملوا بما ليس فيهم، بهدف التميزً أمام المحيطين به. وهو رفض لواقع يعيشونه من فقر أو إحباط فيلجأوا للكذب حتى يجملوا حاضرهم أو إيهام النفس بالأفضل والخروج من مأزق أو وسيلة نجاة ما يفاقم المشكلة وخصوصا حين يكشف الكذب، ايضا المجتمع الذي نعيش فيه يعتبرالشاب الكذب حذاقة (شطارة) هدفه الوصول لمبتغاه الذي يريده.
ويضيف ابو شوك أن من اسباب الكذب ايضا «الحب»، ويقول «قد يحب شاب أو شابة شخصاً فيكذب ليتجمل بالصفات التي يراها المقابل له بأنها الصفات المناسبة لشريك الحياة، والكذب في دراسات كثيرة وباعتقادي اكثر عند الشباب وذلك لانهم الاكثر تحملاً للمسؤولية في المجتمع ولانهم يحبون التمتع بالقوة والسيطرة.
وأشارت دراسة صادرة عن جامعة ميامي إلى أن الشباب تفوق على الفتيات في مجال الكذب، منوهة بأن الشباب يكذبون ست مرات في اليوم تقريباً، و الفتيات يكذبن ثلاث مرات في اليوم تقريباً.
ويدعو استاذ علم الاجتماع في جامعة الحسين بن طلال الدكتور هاشم الطويل مؤسسات التنشئة الاجتماعية الى محاربة هذه الظاهرة، و إعطاء المؤسسة الأسرية دورا لمحاربتها ، فالنظام الاجتماعي العام يتألف من عدد من النظم الفرعية (النظام الأسري، الديني، السياسي، التربوي-التعليمي، والاقتصادي) فمن المسلم به أن تكون العلاقة ما بين هذه النظم علاقة تكاملية وليست علاقة تناقضية، حتى يقطف المجتمع ثمار التربية السليمة لأجياله.
ويعتقد الطويل أن الكذب كمرض نفسي واجتماعي لا يؤمن بالنوع الاجتماعي، إلا أن طبيعة القيم السائدة في المجتمع العربي والعادات والمفاهيم تُعطي مؤشر على أن للشباب النصيب الأكبر ، لأن المفاهيم السائده في المجتمع لا أقول أنها تُشجع الشباب على ذلك، لكنها لا تعاقبهم كما تعاقب الفتيات، فالفتاه تلجأ للكذب لتغطية حقيقة قد تضعف مكانتها الاجتماعية، أو لإخفاء الذات، أما الشاب فقد يكذب لتعظيم الشأن.الراي