توتي وسباليتي.. كل الحكاية بين العبقري والملك
كانلوتشيانو سباليتيهو صاحب جائزة "أفضل مدرب في إيطاليا" عام 2005، حيث استطاع قيادة فريقه أودينيزي للتأهل إلى الدور التمهيدي من دوري أبطال أوروبا، لأول مرة في تاريخ النادي.
إدارة روما آنذاك بقيادةزويلا سينسي، لم تفوت الفرصة، تعاقدت مع المدرب صاحب الرأس الأصلع الذي ظهر نبوغه.
لم يخيب سباليتي الظنون، جعل من روما فريقا هو الأمتع في أوروبا كلها ربما، ابتكر طرقا جديدة في اللعب، لم يقتنع بالمهاجمين الموجودين فأسس لخطة "المهاجم الوهمي"، كان سباليتي هو أول من طبق هذه الطريقة.. لا مهاجم صريح.. هناكفرانشيسكو توتييلعب في مركز المهاجم الوهمي، الكل يسجل، مانشيني، وتادي، وخلفهم الإيطالي الرائع بيروتا..
بقيادةسباليتيفاز روما بالكأس الإيطالية مرتين، وبالسوبر الإيطالي مرة، وصل إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، حقق نتائج لا تنسى، فوز علىريال مدريدذهابا وإيابا في ثمن نهائي البطولة الأوروبية الأهم، ولا أحد من عشاق الجيالورسي ينسى الفوز بسداسية على إنتر ميلان في ذهاب نهائي الكأس الإيطالية.
بالطبع استحق سباليتي أن يكون المدرب الأفضل في إيطاليا في مواسمه مع روما، قاد الفريق للوصافة 3 مرات وأصبح الذئاب أكثر إمتاعا وبالتالي كان هو صاحب "أفضل مدرب" 2007 و2008.
كان قدوم سباليتي إلى روما بمثابة إحياء للفريق، ففي تلك الفترة تعاقب على قيادة الفريق مدربين كثر لم يستطيع أحدهم ترك بصمة فعاش النادي سنوات من الشتات.. فمن برانديلي إلى الألماني فولر، ثم لويجي دل نيري، وبعده برونو كونتي.. ليأتي في النهاية المدرب الأكثر ذكاء وإبداعا والذي وضف لاعبي روما بطريقة لا تصدق.
طموح سباليتي يبعده إلى روسيا.. وعلاقة توتي بسباليتي الوطيدة
مع انطلاق موسم 2008-2009 بدا أن المدرب الطموح لا يعجبه أن يكون الوصيف، فبعد 3 مرات على التوالي في نفس المركز طالب إدارة الذئاب ببعض التدعيمات، وقرر أن الأولوية لمهاجم قوي يعطيه حلولا أكثر حين يعجز أسلوبه الجمالي على تحقيق الفوز.
لم تلب إدارة سينسي طلباته، بدأ الفريق موسم 2009-2010 بخسارتين، الثانية أمام يوفنتوس بثلاثية لهدف.
لم يرضخ سباليتي لبخل سينسي وفضل الانسحاب وتقديم استقالته مبررا ذلك بأنه لم يجد الدعم الكافي لخططه الخاصة.
تكونت علاقة شخصية رائعة بين المدرب سباليتي واللاعب الأفضل في فريقه وربما في إيطاليا ككل توتي، كان الاعتماد على اللاعب هو أساس خطط المدرب، ولم يخيب توتي ظن سباليتي طوال 3 مواسم.
في إحدى تصريحات توتي آنذاك، قال: "أتمنى أن يستمر سباليتي حتى أنهي مسيرتي الكروية".. كانت رغبة الأسطورة الإيطالية في استمرار المدرب الذي أعاد الحياة للفريق عارمة.
رغم القطيعة التي طرأت على علاقة اللاعب دانيلي دي روسي، والمدرب سباليتي، وبسببها لم يتبادلا الحديث لعدة شهور، بسببمشاكل شخصية للاعب مع طليقته تمارا، ظلت علاقة توتي بالمدرب متميزة، ونجح في تنقية الأجواء بين صديقه دي روسي ومدربه المحبوب سباليتي.
رحل سباليتي بطريقة محزنة، وتعاقدت إدارة روما مع المدرب رانييري، معه سار الفريق بطريقة مذهلة، مع تبقي 4 مباريات للفريق كان في الصدارة وليس أمامه سوى الفوز على سمبدوريا و بارما وكالياري و كييفو لحصد اللقب المفقود.. حينها سأل أحد الصحافيين توتي عن رأيه في الفارق بين سباليتي ورانييري فأجاب: "بالنظر إلى ما نقدمه الآن، أعتقد أن سباليتي استحق الإقالة".
للأسف خسر روما البطولة في اللحظات الأخيرة حين سقط في ملعبه أمام سامبدوريا بهدفي باتزيني في أكثر مباريات روما حزنا بآخر 10 سنوات، الأكثر أسفا أن توتي خسر صداقة سباليتي بكل تأكيد.. إلى الأبد.
سباليتي الذي رحل إلى روسيا مفضلا صقيعها على حرارة الدوري الإيطالي، فاز باللقب هناك مع زينيت، بعث توتي رسالة تهنئة له، وحين أُبلغ بالرسالة رد سباليتي قائلا:"أشكره على شعوره، لكن كان بإمكانه أن يتحدث عني بشكل أفضل بعد رحيلي".
سبالتي لا ينسى كلام توتي.. والعتاب على قدر المحبة
تطبيقا لهذا المثل لم ينس سباليتي كلمات توتي بحقه، ربما لم يكن يتوقع أن يقول فرانشيسكو بالذات ما يقلل من قيمته كمدرب.. أسرها سباليتي في نفسه حتى عاد 2016.
تراجعت النتائج.. غارسيا يرحل.. وسباليتي يعود بوجه جديد
مع تدهور نتائج روما منتصف الموسم الحالي كان لزاما على الإدارة الأمريكية التي تقود الفريق حاليا التخلي عن المدرب الفرنسي غارسيا، لم يجد بالوتا رئيس النادي من يقنعه أكثر من سباليتي، رغم معارضة المدير الرياضي ساباتيني إقالة غارسيا أصر بالوتا على موقفه، فعاد سباليتي.
عاد سباليتي وفي ذهنه كل ما حدث في فترته التدريبة الأولى مع الفريق، أول ما كان يدور في رأسه.. الفريق بحاجة إلى الانضباط.. انا بحاجة لوضع قواعد.. العمل فقط هو الهدف لتعويض الفارق مع يوفنتوس، وعقلية لاعبي روما تخذلهم في الأوقات المهمة.
شخصية سباليتي كانت أقل حزما من المطلوب قبل 10 سنوات، مشهد لاعب الوسط أكويلاني لحظة استبداله حين رفض مصافحته لا يغيب عن ذهن المدرب.. نفس المشهد أعاده البرازيلي هالك مهاجم زينيت معه أيضا.
بالوتا "الجبان".. وسباليتي في وجه الأسطورة
المشكلة أن توتي وهو بسن الـ39 قرر أن يكمل مسيرته كلاعب، ولا يرغب في الرحيل عن عشقه روما، فيما لا يبدو أن قراره مرحب به داخل الإدارة، ربما من أجل فكرة النجم الواحد التي تفضل إدارة أمريكية التخلي عنها والبدء في مرحلة أخرى أكثر احترافية، لكن الشجاعة لم تكن من صفات الأمريكي من أصل إيطالي جيمس بالوتا وإدارته فماطل في كل مرة ولم يعط توتي جوابا حاسما حتى لو كان : "لن يتم تجديد عقدك، وعليك البحث عن فريق آخر"..خوفا من رد فعل الجماهير..
مع قدوم سباليتي كان توتي للتو عائدا من إصابة، لم يشركه المدرب، مرة مباراتان، ثلاث، وأربع، الوضع لا يتغير.. ليس هذا فحسب، في كل مؤتمر صحفي له يقول: "أنا لا أدرب توتي، أدرب روما"، أو: توتي لاعب من ضمن الفريق، وليس شيئا آخر.
المشكلة ان سباليتي ظهر وكأنه يتعمد الانتقاص من أسطورة روما، ففي كل مرة يعطيه الأمر بعمليات الإحماء منذ الدقيقة 30، وفي النهاية يشرك أي لاعب ما عداه!
استمرار روما في تحقيق النتائج الإيجابية لم يعط الفرصة للاحتجاج، لكن أمام ريال مدريد قرر سباليتي الزج بتوتي في آخر 10 دقائق والفريق خاسر بهدفين، تأخر توتي في النزول وتظاهر بعدم سماع المدرب، ثم نزل إلى أرض الملعب قبل النهاية بدقيقتين.
ساسية التطفيش تشعل غضب الملك
سياسة "التطفيش" التي اتبعت بدلا من المواجهة، لم تأت بنتائج جيدة، فخرج توتي ليصرح بأن علاقته بسباليتي لا تتعدى صباح الخير، وطالب يطلب بمزيد من الاحترام وبأن على بالوتا أن يكون أكثر صدقا، سباليتي يخرجه من معسكر الفريق.. لأول مرة بعد 23 عاما في الناديتوتي يستبعد من معسكر للفريق.. أعاد سباليتي توتي إلى منزله قبل مواجهة باليرمو، لكن الملك قرر أن يشاهد المباراة من الملعب ووسط الجماهير..
الكل يهتف باسم اللاعب، وتوتي يبكي تأثرا، الفريق يفوز بسهولة، لكن توتي يربح هذه الجولة ضد سباليتي، الهتاف كان لفرانشيسكو.. "توتي هو روما"، و"نو توتي نو بارتي".
سباليتي صرح بعد تلك المباراة بأن المشكلة تم حلها، وقال :توتي أفضل لاعبي إيطالي فيما بعد الحرب العالمية الثانية، ابني قال لي هل انت مجنون؟ تتجادل مع توتي.
مع استئناف المباريات عاد إلى دكة الاحتياط، لم يعترض، لا جديد في مفاوضات تجديد العقد.. تأجيل وكأن توتي يتسول عقدا لعام مع النادي الذي لطالما رفض مئات العروض من أجله.
دي روسي ليس أكبر عمرا من كايتا.. المعايير مزدوجة!
تحجج سباليتي بأن توتي لم يعد بنفس اللياقة، وهو امر صحيح، لكن فلنتساءل: هل أداء توتي في أسوأ أحواله البدنية يمنعه من تقديم الإضافة، خصوا أن دزيكو الذي يلعب أساسيا في الغالب يضيع الكرات التي سيسجلها توتي وهو في سن الستين، سؤال آخر لماذا يشرك سباليتي المالي سيدو كايتا بدلا من دي روسي، رغم أن كايتا على وشك الاعتزال وهو صاحب مجهود بدني أقل من دي روسي وفي سن أكبر!
توتي ودي روسي، يتعمد بالوتا التقليل منهما، وسباليتي لا يجد أي غضاضة في تنفيذ طلباته، بل بالعكس ربما هما طريقه للسيطرة المطلقة على فريق يسعى لتكوينه.
توتي أكثر من يعرف متى يتوقف يا بالوتا
الاكيد أن فرانشيسكو توتي لا يصر على عدم الاعتزال بدون سبب، فاللاعب الذي كان من أسباب حصول إيطاليا على كأس العالم 2006 اعتزل اللعب الدولي بعدها مباشرة، أي إن توتي وقبل 10 سنوات كاملة قرر ان جسده لا يسمح بأن يلعب بنفس القوة مع المنتخب والنادي.
هو نفس اللاعب الذي يعرف الآن أن مستواه الحالي كفيل بجعله حاسما، ومفيدا لروما.
جمهور روما متأكد أن توتي لا يطلب اللعب أساسيا، وهو نفسه قال هذا مرارا، لكن لمسته الذهبية لا تقدر بثمن.. الكرة تلعب بالعقول وليس الأقدام، وتوتي العاشق لا يمكن ان يلعب على حساب فريقه، لو شعر للحظة بان وجوده يضر بالفريق فسيتوقف بدون أي سياسة مهينة للاعب ولجماهير روما.
في آخر 3 مواجهات تعقدت أمور الفريق، وقتها اضطر سباليتي للزج بالملك، وفي أقل من 65 دقيقة في المباريات الثلاث سجل 3 أهداف وصنع آخر وساهم بشكل مباشر في 5 نقاط هي الأهم في الموسم.
أمام تورينو أشرك سباليتي الدقيقة 85 والفريق متأخر 2-1، تغيير ربما يهدف لإحراج اللاعب أكثر من أي شي آخر، لكن رد توتي كان سريعا، فبعد 23 ثانية سجل هدفا، وأتبعه بثان في أقل من 3 دقائق، وبدلا من أن يحرجه سباليتي صنع توتي التاريخ كما اعتاد، أسرع لاعب بديل يسجل في تاريخ الكالتشيو، وأسرع ثنائية في تاريخه شخصيا، أبكى الكل في الاولمبيكو فرحا، وكتب بالخط العريض: "no totti no party "
الجميل أن توتي لم يهاجم سباليتي بعد خروجه منتصرا في معركة التطفيش والتطنيش بل كتب على موقعه الرسمي:"أهدافي يجب أن توحد لا أن تفرق، لحظات جميلة، أتمنى دوما أن أفرح مع الجماهير وزملائي ومدربي".
في الغالب سيرضخ بالوتا للملك ويجديد عقده وبشروط توتي، فحتى 3 دقائق في نهاية مباراة معقدة كافية لأن تقول لرجل الأعمال الأمريكي "الملك لا يمكن عزله أو إسقاطه من عرشه".. توتي يعرف متى يتوقف..
فورزاتوتي.. فورزا آخر الأساطير التي ما زالت تمتعنا في كرة القدم الإيطالية.