من البحر إلى العمل القسري.. طلاب مدارس إيطالية يحاكون تجربة اللاجئين بتفاصيلها القاسية
اصمتوا! لا تتحركوا! ابقوا رؤوسكم منخفضة! إننا في وسط البحر والرحلة ستستمر طوال الليل، حينما نقترب من الساحل ستكون أكثر اللحظات حساسية وستفعلون فقط ما نخبركم به".
بهذه الكلمات يبدأ مشروع محاكاة مأساة اللاجئين الذين يصلون أوروبا وإيطاليا يومياً قادمين من دول عربية وأفريقية هرباً من النزاعات الدموية، وخاصة في سوريا.
مشروع "كوكب المهاجرين" الخاص بمركز المعلومات والتعليم من أجل التنمية CIES الإيطالي، هو منظمة غير ربحية، انطلق في عشر مدارس بالعاصمة روما، ومن بينها مدرسة "فالنتي" في ضاحية "برينيستينا الشرقية، ومن المقرر أن يمتد ليشمل العديد من المعاهد العلمية في أنحاء إيطاليا، لإيصال المأساة التي يعيشها المهاجرون للأطفال.
ورصدت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية طلاب المرحلة المتوسطة (الإعدادية) وهم يبقون بداخل أحد الفصول في ظلام دامس مع إغلاق النوافذ، بينما يُسمع صوت أمواج البحر المتلاطمة والمنبعث من كاسيت قديم مصحوباً بالصوت القاسي لأصحاب المراكب أو بالأحرى منظمو رحلات اللاجئين والذين جسد دورهم معلمون، فيما يعايش الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و13 عاماً مشوار اللاجئين.
وتصف الصحيفة المشروع بأنه "درس الحياة" بالنسبة للطلبة، والذي تم الحديث عنه فقط في الكتب، ويكون من الصعب عادة تخيله لمن في سنهم، وإن كانوا غالباً ما استضافوا أحد اللاجئين على مقاعدهم بالفصل.
ويسمح المشروع للتلاميذ بالمراحل التمهيدية بأن يعيشوا ما يعيشه آلاف المهاجرين الذين يصلون إيطاليا كل عام عبر البحر المتوسط.
4 مراحل
وينقسم المشروع إلى أربع مراحل، في الأولى يتم منح التلاميذ بطاقات هوية غير حقيقية، ومن ثم يصعدون على ظهر المركب المطاطي، بينما يرتدي المعلمون ملابس البحارة أصحاب المراكب أو بالأحرى منظمي الهجرة غير الشرعية، ثم يصلون إلى مكاتب الشرطة الإيطالية.
وفي النهاية، يتناقش التلاميذ ويخبرون برأيهم عن التجربة التي عاشوها مع مربيين وأطباء نفسيين لمعرفة الخوف والمشاعر التي عايشوها.
وحضر مشروع المحاكاة هذا بعض من الأبطال الحقيقيين، والذين وصلوا إيطاليا على ظهر مراكب الهجرة، مثل آشيد، وهو صحفي صومالي فر بعدما جرى تهديده بالقتل لإبلاغه عن تهريب غير شرعي للنفايات، وكذلك شاب بنغالي يدعى محمود كان ضمن ضحايا الفيضانات.
ويتم خلالل عملية المحاكاة تعصيب أعين الأطفال، وتسليمهم إلى أصحاب مراكب الهجرة، وتصعيدهم على المركب.
في البداية يبدأ البعض بالضحك والمزاح، لكن بمجرد أن إطفاء الأنوار وتشغيل صوت أمواج البحر، يأخذون الأمر بجدية ولا ينطقون بكلمة.
وفضل بعض الطلاب الخروج من المحاكاة وقد فاضت عيناه بالدموع ويبحث عن الأمان بين ذراعي معلمه الذي يشرح له المغزى من اللعبة.
بوصولهم إلى الميناء، يتم اقتيادهم إلى مكتب الشرطة لجمع البصمات الرقمية، فمنهم من يتم الاعتراف به لاجئاً والبعض الآخر يُرفض، وينتهي بهم الحال في دائرة الاستغلال.
وفي فصل آخر، يظهر مشهد جديد، يبدو فيه أحد الجلادين وهو يعرض على المهاجرين الأطفال العمل كبائعي ورود أو حقائب، وإمعاناً في المحاكاة هناك أيضاً من يضطر للعمل بالدعارة.
وتخبرهم امرأة شقراء تبدو عليها ملامح الثراء "ستعملون من العاشرة مساء إلى السابعة صباحاً، ومن كل 10 يورو تتقاضونها سأحصل أنا على 7، واثنان للإيجار، ويورو واحد يبقى لكم. اضحكن أيتها الجميلات، أنتن في إيطاليا".
تناول جديد
وعن المشروع الذي يمثل طفرة في تناول قضايا المهاجرين في إيطاليا خاصة بين الأطفال، تقول مديرة مدرسة "فالنتي"، روزا ماريا لاوريتشيلا، إنه "قوي، وبالرغم من أن المدرسة ترفض فوبيا الخوف من الغرباء، لكن لا تزال هناك الكثير من الأحكام المسبقة التي ينبغي هزيمتها"، وتتابع "فالأجنبي واقع أقرب دائماً للأطفال، وفي معهدنا هناك نحو عشرين طفل لا يحملون جنسيات الاتحاد الأوروبي بين أعمارهم 7 و12 عاماً يعيشون في مراكز استقبال".
وتقول الصحيفة إن الدورة قبل تنفيذها في المدارس يتم تقديمها إلى الآباء، والذين يقول أحدهم "كانت تجربة رائعة، ومدخل رائع لإطلاعهم على واقع مجهول بالنسبة إليهم"، بينما رآه البعض منهم لا يناسب سنهم الصغيرة.
ويبدو أن المشروع بدأ يؤتي ثماره سريعاً، حيث تركت الطالبة إليزا (13 عاماً) رقم هاتفها المحمول لأحد المهاجرين وأخبرته "إذا كنت بحاجة لي فإنني موجودة".
-
-
-
-
-
-
-
-
-
هافينغتون بوست عربي