هل يمكن لـ"الإخوان" أكل نصف الرغيف والاحتفاظ به كاملاً؟!
عريب الرنتاوي
جو 24 : "لا يمكنك أكل نصف الرغيف والاحتفاظ به كاملاً...مثل قديم يختصر "واقع حال" الرئيس المصري المنتخب، ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين في مصر والمنطقة عموماً...وجود هذا الفريق في السلطة، أملى ويملي عليه، التخلي عن "نصف برنامجه وشعاراته ومواقفه" حين كان متخندقاً في مواقع المعارضة، وهذا أمر طبيعي ومفهوم، يتعين على هذا الفريق أن يتعامل معه، بكثير من الواقعية والشرح والتحليل، بدل ادعاء التمسك بالمواقف القديمة، والسعي للبرهنة على أن شيئاَ لم يتغير، لا في خطاب الإخوان ولا في ممارستهم.
طوال ثلث قرن مضى، أنشأ الإخوان "هرماً رابعاً" من المواقف والشعارات المُنددة بكامب ديفيد والمدينة له والمطالبة بإسقاطه...قبل أن يصلوا إلى السلطة، في الطريق إليها، وبعد الوصول إليها، أكثروا من الحديث عن "التمسك بالمعاهدات المُبرمة واحترام التزامات مصر الدولية"، وفي كل مرة كان يؤتى بها على ذكر "الكامب"، يأتي الرد الإخواني وفقاً لـ"اللازمة" ذاتها، لكن مع ذلك هناك من أصدقاء الإخوان وإخوانهم في الأردن وفلسطين، على وجه الخصوص، من يطلع عليك بأغلظ الإيمان بأن شيئاَ لم يتغير.
مجادلو الإخوان، ومن ضمنهم كاتب هذه السطور، ما كانوا ينتظرون أن يخرج مرسي بمصر إلى حرب جديدة مع إسرائيل، وما كنّا نتوقع من "إخوانه" أن يديروا ظهورهم لكل "محددات وضوابط" السياسة الخارجية المصرية، دفعة واحدة، كل ما كنا ننتظره، هو أن يخرج علينا من بينهم، من يشرح لنا، وبلغة لا تعرف "التورية" و"التقية"، وتليق بربيع العرب ومناخاته، فيقول: ما الذي حصل، وكيف يفكر الإخوان اليوم، وما هي إستراتيجيتهم للمستقبل، وما هو سُلّم أولوياتهم، وكيف سيتعاملون مع تركة مبارك الثقيلة في حقل السياسة الخارجية المصرية، وبالذات في المسألة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي...لا أكثر ولا أقل.
وأن يرسل الرئيس سفيراً لمصر إلى تل أبيب، بعد سنوات من "فراغ المنصب"، فهذا من مندرجات المعاهدة والالتزام بها، وإن كان أمراً يمكن الدفع به لفترة طويلة قادمة...أما أن تُشن أقذع الحملات ضد القرار الأردني بإرسال السفير الأردني إلى تل أبيب، وضد السلطة الفلسطينية و"نهجها الاستسلامي، ويضرب صفحٌ عن الخطوة المصرية المماثلة، فهذا موقف لا يمكن إلا أن يوصف بالنفاق والازدواجية.
وأن يُحمّل السفير المصري، برسالة بروتوكولية حارة في مبناها ومعناها من الرئيس المصري إلى نظيره الإسرائيلي، فتلك أقرب للفضيحة منها إلى أي شيء آخر، ويبلغ المشهد ذروته الدرامية في واقعتين اثنتين، أعقبتا الرسالة...الأولى وتتمثل في إنكارها، ولاحقاً بالقول أنها "برتوكولية" يكتبها الموظفون عادة، من دون علم الرئيس أو اطلاعه...والثانية، القول بأن فضيحة الرسالة جرى تضخيمها، وأن منتقدي الإخوان والمتصدين لهم في المياه العكرة، فاتهم أن الرجل لم ينطق باسم إسرائيل منذ توليه مقاليد المنصب وحتى يومنا هذا، مع أن منطوق الرسالة، فيه من "الهرولة" أكثر من النطق باسم إسرائيل.
مرة أخرى، يفضل الإخوان المضي في "سياسة الإنكار"...لقد أكلوا نصف الرغيف أو ثلاثة أرباعه، ولكنهم مع ذلك، ما زالوا يكابرون، ويصرون على الاحتفاظ به كاملاً.
ليس لدينا شك، في أن مرسى وإخوانه، يودون لو يستفيقوا ذات صباح، فلا يجدون معاهدة ولا سفارة ولا سفير...ونعرف أن مرسي مكرهاً لا طائعاً، يجد نفسه مضطر لتدبيج الرسائل والكتب وتبادل السفراء..لكن من قال أن المسألة هنا تتعلق بالمشاعر الشخصية والرغبات، ومن ذا الذي يستطيع أن يجزم بأن أنور السادات، كان في أحسن لحظات حياته ومزاجه، عندما زار إسرائيل ووقع كامب ديفيد...المسألة أبعد من ذلك بكثير.
مرة أخرى، نحن نفهم أوضاع مصر وظروفها، الداخلية والخارجية، ونريد لها أن تخرج من ضائقتها أصلب عوداً وأشد مضاءً، ولا نريد لها أن تخرج من أزمة لتدخل في أخرى، ولا أن تدخل في مغامرات وحروب سابقة لأوانها، ونتفهم شعار الإخوان "الالتزام بالمعاهدات المبرمة"، ولا يساورنا شك في أنه سينطق باسم إسرائيل عاجلاً وليس آجلاً...ولكن من حقنا على الإخوان أن نستمع منهم، لتصوراتهم المباشرة والإستراتيجية للتعامل مع ملفي القضية والصراع مع إسرائيل...نريد أن نعرف منهم "الخطة ب" التي يتعين أن يكونوا قد بلورها، بعد أن ثبت بأن "الخطة أ" لم تكن في واقع الحال، سوى شعار تعبوي تحريضي، هدفه إسقاط النظام، وليس إسقاط كامب ديفيد أو تحرير فلسطين.
ونريد أن نسمع من إخوان الأردن وفلسطين على وجه الخصوص، وكل إخوان المنطقة بصفة عامة: ماذا هم فاعلون إن هم وصلوا للسلطة في دولهم ومجتمعاتهم...هل سيستمسكون بشعاراتهم "إياها أم أنهم سيستبدلونها بشعار "الالتزام بالاتفاقيات المبرمة"...وماذا يعني تراجع منسوب الاهتمام بالتحشيد ضد السفارة ووادي عربة، بدلالة الاعتصامات الهزيلة الأخيرة...وكيف سيبنون مواقفهم وتحالفاتهم في المرحلة القادمة، خصوصاً حين يتصل الأمر بحماس والسلطة، وهل سيظل الرئيس عباس وسلطته، عنواناً للتهافت والتخاذل، بعد أن جرت مياه "بروتوكولية" حارة بين الرئاستين المصرية والإسرائيلية؟...هل ستتدفق مياه مماثلة بين "الدوار الرابع" ومقر رؤساء حكومات إسرائيل في القدس، إن قُدّر لحكومات "التداول على السلطة" أن تأتي بالإخوان على رأس حكومة برلمانية في الأردن؟.
ليس في الأمر مزايدة أو مناقصة من أي نوع، مع أن أصحاب الرؤوس الحامية، ستنفر عروقهم لفرط غضبهم من أسئلتنا وتساؤلاتنا...هي دعوة لإعمال صوت العقل والمنطق، والتفكير بالخيارات والبدائل، وفتح باب حوار داخلي (إخواني) بداية، ومع بقية القوى والتيارات والمكونات على مسار موازٍ، للبحث في مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، في ضوء نتائج وتداعيات "الربيع العربي"، بدل التمترس في مربع "الإنكار" و"المكابرة" و"الاتهامية الجاهزة".
(مركز القدس للدراسات السياسية)
طوال ثلث قرن مضى، أنشأ الإخوان "هرماً رابعاً" من المواقف والشعارات المُنددة بكامب ديفيد والمدينة له والمطالبة بإسقاطه...قبل أن يصلوا إلى السلطة، في الطريق إليها، وبعد الوصول إليها، أكثروا من الحديث عن "التمسك بالمعاهدات المُبرمة واحترام التزامات مصر الدولية"، وفي كل مرة كان يؤتى بها على ذكر "الكامب"، يأتي الرد الإخواني وفقاً لـ"اللازمة" ذاتها، لكن مع ذلك هناك من أصدقاء الإخوان وإخوانهم في الأردن وفلسطين، على وجه الخصوص، من يطلع عليك بأغلظ الإيمان بأن شيئاَ لم يتغير.
مجادلو الإخوان، ومن ضمنهم كاتب هذه السطور، ما كانوا ينتظرون أن يخرج مرسي بمصر إلى حرب جديدة مع إسرائيل، وما كنّا نتوقع من "إخوانه" أن يديروا ظهورهم لكل "محددات وضوابط" السياسة الخارجية المصرية، دفعة واحدة، كل ما كنا ننتظره، هو أن يخرج علينا من بينهم، من يشرح لنا، وبلغة لا تعرف "التورية" و"التقية"، وتليق بربيع العرب ومناخاته، فيقول: ما الذي حصل، وكيف يفكر الإخوان اليوم، وما هي إستراتيجيتهم للمستقبل، وما هو سُلّم أولوياتهم، وكيف سيتعاملون مع تركة مبارك الثقيلة في حقل السياسة الخارجية المصرية، وبالذات في المسألة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي...لا أكثر ولا أقل.
وأن يرسل الرئيس سفيراً لمصر إلى تل أبيب، بعد سنوات من "فراغ المنصب"، فهذا من مندرجات المعاهدة والالتزام بها، وإن كان أمراً يمكن الدفع به لفترة طويلة قادمة...أما أن تُشن أقذع الحملات ضد القرار الأردني بإرسال السفير الأردني إلى تل أبيب، وضد السلطة الفلسطينية و"نهجها الاستسلامي، ويضرب صفحٌ عن الخطوة المصرية المماثلة، فهذا موقف لا يمكن إلا أن يوصف بالنفاق والازدواجية.
وأن يُحمّل السفير المصري، برسالة بروتوكولية حارة في مبناها ومعناها من الرئيس المصري إلى نظيره الإسرائيلي، فتلك أقرب للفضيحة منها إلى أي شيء آخر، ويبلغ المشهد ذروته الدرامية في واقعتين اثنتين، أعقبتا الرسالة...الأولى وتتمثل في إنكارها، ولاحقاً بالقول أنها "برتوكولية" يكتبها الموظفون عادة، من دون علم الرئيس أو اطلاعه...والثانية، القول بأن فضيحة الرسالة جرى تضخيمها، وأن منتقدي الإخوان والمتصدين لهم في المياه العكرة، فاتهم أن الرجل لم ينطق باسم إسرائيل منذ توليه مقاليد المنصب وحتى يومنا هذا، مع أن منطوق الرسالة، فيه من "الهرولة" أكثر من النطق باسم إسرائيل.
مرة أخرى، يفضل الإخوان المضي في "سياسة الإنكار"...لقد أكلوا نصف الرغيف أو ثلاثة أرباعه، ولكنهم مع ذلك، ما زالوا يكابرون، ويصرون على الاحتفاظ به كاملاً.
ليس لدينا شك، في أن مرسى وإخوانه، يودون لو يستفيقوا ذات صباح، فلا يجدون معاهدة ولا سفارة ولا سفير...ونعرف أن مرسي مكرهاً لا طائعاً، يجد نفسه مضطر لتدبيج الرسائل والكتب وتبادل السفراء..لكن من قال أن المسألة هنا تتعلق بالمشاعر الشخصية والرغبات، ومن ذا الذي يستطيع أن يجزم بأن أنور السادات، كان في أحسن لحظات حياته ومزاجه، عندما زار إسرائيل ووقع كامب ديفيد...المسألة أبعد من ذلك بكثير.
مرة أخرى، نحن نفهم أوضاع مصر وظروفها، الداخلية والخارجية، ونريد لها أن تخرج من ضائقتها أصلب عوداً وأشد مضاءً، ولا نريد لها أن تخرج من أزمة لتدخل في أخرى، ولا أن تدخل في مغامرات وحروب سابقة لأوانها، ونتفهم شعار الإخوان "الالتزام بالمعاهدات المبرمة"، ولا يساورنا شك في أنه سينطق باسم إسرائيل عاجلاً وليس آجلاً...ولكن من حقنا على الإخوان أن نستمع منهم، لتصوراتهم المباشرة والإستراتيجية للتعامل مع ملفي القضية والصراع مع إسرائيل...نريد أن نعرف منهم "الخطة ب" التي يتعين أن يكونوا قد بلورها، بعد أن ثبت بأن "الخطة أ" لم تكن في واقع الحال، سوى شعار تعبوي تحريضي، هدفه إسقاط النظام، وليس إسقاط كامب ديفيد أو تحرير فلسطين.
ونريد أن نسمع من إخوان الأردن وفلسطين على وجه الخصوص، وكل إخوان المنطقة بصفة عامة: ماذا هم فاعلون إن هم وصلوا للسلطة في دولهم ومجتمعاتهم...هل سيستمسكون بشعاراتهم "إياها أم أنهم سيستبدلونها بشعار "الالتزام بالاتفاقيات المبرمة"...وماذا يعني تراجع منسوب الاهتمام بالتحشيد ضد السفارة ووادي عربة، بدلالة الاعتصامات الهزيلة الأخيرة...وكيف سيبنون مواقفهم وتحالفاتهم في المرحلة القادمة، خصوصاً حين يتصل الأمر بحماس والسلطة، وهل سيظل الرئيس عباس وسلطته، عنواناً للتهافت والتخاذل، بعد أن جرت مياه "بروتوكولية" حارة بين الرئاستين المصرية والإسرائيلية؟...هل ستتدفق مياه مماثلة بين "الدوار الرابع" ومقر رؤساء حكومات إسرائيل في القدس، إن قُدّر لحكومات "التداول على السلطة" أن تأتي بالإخوان على رأس حكومة برلمانية في الأردن؟.
ليس في الأمر مزايدة أو مناقصة من أي نوع، مع أن أصحاب الرؤوس الحامية، ستنفر عروقهم لفرط غضبهم من أسئلتنا وتساؤلاتنا...هي دعوة لإعمال صوت العقل والمنطق، والتفكير بالخيارات والبدائل، وفتح باب حوار داخلي (إخواني) بداية، ومع بقية القوى والتيارات والمكونات على مسار موازٍ، للبحث في مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، في ضوء نتائج وتداعيات "الربيع العربي"، بدل التمترس في مربع "الإنكار" و"المكابرة" و"الاتهامية الجاهزة".
(مركز القدس للدراسات السياسية)