أغضبت الروس.. أغنية عن مسلمي القرم تصل بصاحبتها إلى نهائي أضخم مسابقة أوروبية
لماذا تقع غالبية جرائم الحرب والإبادات العرقية ليلاً؟ يحضر الزوار غير المرغوب بهم إلى المنازل في الثلث الأخير منه، ظناً منهم أن سكون الحركة في تلك الساعة سيمحو أثر جريمتهم من مجريات التاريخ. قد يحدث أن تنجح خطتهم لمدة ما، قبل أن تنفجر في وجوههم القصة التي حاولوا أن يُخفوها لعقود، فتظهر على شكل رواياتٍ يحكيها مَن تبقى مِن أبناء الضحايا وأحفادهم غناءً وشعراً وأدباً علّهم يذكّرون الأحياء بما قاساه الأموات.
جمالا المغنية الأوكرانية التي تنحدر من شبه جزيرة القرم، واحدةٌ من هؤلاء الأحفاد الرُّواة، لم تُذهل العالم بأغنيتها فقط، بل جعلته بأغنيةٍ حملت اسم "1944” يتذكر من جديد تلك الأحداث التي عاشها أجدادها تتار القرم المسلمون، حينما زارهم جنود ستالين ذات ليلة لاقتيادهم إلى صحراء سيبيريا الجليدية بتهمة "التعاون مع هتلر”.
جمالا تألقت فوق منصة مسابقة Eurovision العالمية للغناء حينما صعدت إلى الدور النهائي في العاصمة السويدية استوكهولم، مساء الخميس 12 مايو/أيار 2016.
ورغم اعتراض النقاد الروس على مشاركة الأغنية في البرنامج الذي يحظر الأغاني السياسية، فإن لجنة التحكيم سمحت لجمالا بأداء "1944” كون الأغنية لم تشر صراحةً إلى الأحداث التاريخية ولم تتهم جهةً بعينها بالمسؤولية عن التهجير القسري، واكتفت بالتلميح.
حكاية التهجير إلى سيبيريا
"حينما أتى الغرباء، جاؤوا إلى منازلكم، قتلوكم جميعاً، وقالوا إنهم ليسوا مجرمين.. ليسوا مجرمين”، هذه الكلمات لم تكن داخل منظمة حقوقية، بل تلك التي بدأت بها جمالا أغنيتها فوق المنصة، ولعل من الصدف وهي تروي قصة أبناء بلدها أن المأساة وقعت في مثل هذا الشهر.
في 18 مايو/أيار 1944، أمر الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين بتهجير كل تتار القرم المسلمين قسراً إلى سيبيريا ودولٍ أخرى من آسيا الوسطى مثل كازاخستان، بتهمة التعاون مع هتلر وخيانة روسيا خلال الحرب العالمية الثانية، ناقلين إياهم في قطارات وعربات نقل الحيوانات، ما أدى إلى وفاة وفقدان أكثر من 300 ألف شخصاً، ولم يتمكن الباقون من العودة إلى وطنهم الأم إلا بعد استقلال أوكرانيا في العام 1991 بعد استفتاء شعبي.
وبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، سمحت السلطات الأوكرانية لأول مرة لتتار القرم بأن يقيموا سنة 2015 مهرجاناً لإحياء ذكرى التهجير، كما اعتبر البرلمان الأوكراني في سابقة ما أقدم عليه الجيش السوفييتي بحق سكان القرم المسلمين حينهاجريمة إبادة جماعيةبعد 71 عاماً عن الحادثة.
لم نَشِب هناك بما يكفي
تقول جمالا في أغنيتها باللغة التترية القريبة من التركية إن شعبها "لم يتمكن من العيش في بلاده والوصول داخله إلى عمر الشيخوخة بما يكفي”، قبل أن تنفجر في وجه العالم سائلة إياه عن "مكان اختفاء عقله حينما كانت الإنسانية تبكي في بلادها”، وكأنها تتهم البشرية بالإعراض عن تقديم المساعدة لأهل القرم حينما كان ستالين يعذبهم ويفرّق بين أفراد عائلاتهم في أربعينيات القرن الماضي.
اعترى جمالا في أغنيتها التي أوصلتها إلى نهائيات مسابقة Eurovision، حنينٌ إلى أيام القرم، فبدأت تضع في الجزء الإنكليزي من الأغنية احتمالات الحياة هناك لولا ما حدث، حيث "كان بإمكاننا أن نبني مستقبلاً هناك في زمن السعادة، حيث الأفراد أحرار، من أجل العيش والحب”، لكن أمام عدم تحقق ما تمنته، عادت من جديد لتأنيب ضمير العالم سائلة إياه عن قلبه آنذاك.
وفي تصريحات نقلتها عنها وكالة "الأناضول” التركية للأنباء، قالت جمالا إنها أرادت أن تشرح وتحكي للعالم التراجيديا التي عاشتها "أمها الكبرى” القرم.
ويرجع تتار القرم المسلمون إلى أصول تركية أقامت في المنطقة منذ قرون قديمة جداً، ويتكلمون لغةً قريبةً جداً من اللغة التركية الحديثة، فيما يعيشون اليوم في دول عديدة مثل أوكرانيا وبولندا وبلغاريا وأوزبكستان ودول أخرى، فيما دخل الإسلام المنطقة في القرن الثامن الهجري على يد قبائل التتار المغولية.
لباس تتار القرم التقليدي
Eurovision تستمر
يُذكر أنه إلى جانب الأوكرانية جمالا، صعد إلى دور المسابقة النهائي، الذي سينظم السبت 14 مايو/أيار، 9 متسابقين من ضمنهم ممثل عن روسيا، البلد الذي انتقدته بشدة أغنيتها. وكانت أغنية "1944” الأغنية الوحيدة في المسابقة التي تضمنت كلمات بلغة محلية.
ويتوقع كثيرون فوز المغنية الأوكرانية بلقب هذه السنة من Eurovision، وبالتالي ضرورة تنظيم دورة السنة المقبلة في بلدها بحكم القوانين التي تحكم المسابقة، وهو ما يعني أيضاً عدم مُشاركة روسيا بسبب المشاكل السياسية بينها وأوكرانيا.
ومن جانب آخر، قالمدير هيئة الإذاعة والتلفزيون الأوكرانيةفي تدوينة عبر حسابه على فيسبوك إنه "حال فوز رجل اسمه لازافير (ممثل روسيا)، فإن أوكرانيا سترفض المشاركة السنة القادمة في المسابقة”.
يُشار إلى أن Eurovision مسابقة غنائية عالمية ينظمها الاتحاد الإذاعي الأوروبي سنوياً بالعاصمة السويدية استوكهولم منذ العام 1956، وتعد أكبر حدث يتابعه المشاهدون على التلفزيون بعد الأحداث الرياضية.