التوجيهي و التربية من يقيّم من؟
مع اقتراب الموسم السنوي الجديد لمسلسل «التوجيهي» التراجيدي، الذي ستكون الحلقة الاولى منه في الثالث عشر من الشهر المقبل، هنالك اسئلة «عميقة»، على حد وصف مراقبين، يجب الاجابة عليها.
ورغم ان طرح الاسئلة، يأتي بعد زمن بعيد من بدايات عقد امتحان «التوجيهي»، لجهة انها متاخرة، ولكن هذا لا يقلل من قيمة الاجابة عليها، بل يؤكد مركزيتها لانها لم تفقد أهميتها.
نظرة تاريخية
بدأ عقد امتحان الثانوية العامة «التوجيهي» لاول مرة عام 1961-1962، وخضع الامتحان لسيناريوهات من حيث التنفيذ، على فترات، إذ من (1962-1977) كان يعقد مرة سنويا ومن (1978-1996) يعقد على فصلين ومن الاعوام (1997-1999) عقد الامتحان مرة سنويا، ومن الاعوام (2000-2001) عقد الامتحان على دورتين، الاولى للطلبة النظامين والثانية ( تكميلية) للطلبة المخفقين بعدد من المواد، ومن العام 2002-2003 الى الان يعقد الامتحان على دورتين صيفية وشتوية وتخلل الفترة بين (2003-2004) تطبيق نظام الحزم وابتداء من 2005 طُبق نظام الفصول.
واقع وتساؤلات
ومنذ تطبيق الامتحان، فإن التركيز مجتمعيا من حيث الاهمية، اخذ جانباً واحداً، تمثل في «النتيجة» التي يحصل عليها الطالب في الامتحان، نظراً لارتباطها المصيري بمستقبل الطالب الاكاديمي، وتحديداً «القبول الجامعي» والحصول على «الشهادة» الذي اصبح مظهراً اجتماعياً اكثر منه تنموياً واقتصادياً وتعليمياً.
في حين لم تمنح الجوانب الاخرى للامتحان اي اهتمام، سواء على صعيد وزارة التربية والتعليم او باقي مؤسسات الدولة المعنية بتنمية الموارد البشرية او غيرها، باعتبار الامتحان مقياساً تحصيلياً للطالب بعد إنهائه للمرحلة الثانوية، ومقياساً لمدى فاعلية التعلم والتعليم وتحديد مواطن القوة والضعف.
ورغم المؤشرات «الخطيرة» التي تنبئ بها نتائج «التوجيهي» منذ العام 2010 وحتى 2015، فإن تركيز وزارة التربية والتعليم، اخذ محوراً إدارياً لا جوهرياً، يتضمن الحفاظ على سرية الامتحان، حتى لا تتكرر ازمة «تسريبات الاسئلة» مرة أخرى، والثانية إجراءات أمنية مشددة لضمان الحد من ظاهرة الغش، التي ارتفعت وتيرتها واساليبها في فترات، حيث نجحت الوزارة بتحقيق نتيجة جيدة، رغم تحفظات البعض على اليات المراقبة، التي وصلت في حالات الى تعطيل «العقل» تنفيذا للقرارات.
وبمقدار اهمية «التوجيهي» بالنسبة للطالب، فإنه ايضا اهم بالنسبة لوزارة التربية والتعليم، باعتباره مقياساً تقويمياً لمخرج مكونات العملية التعليمية، التي تضعها وتنفذها وتشرف عليها الوزارة في ان واحد، إلا أن اهمية النتائج ينتهي مفعولها، بانتهاء فعاليات المؤتمر الصحفي لإعلانها.
وأظهرت دارسة رصدت نتائج «التوجيهي» خلال فترة 6 سنوات انه خلال العامين 2014و2015 قدرت نسبة النجاح بـ(25%) ، مقابل (75%) نسبة الراسبين، وتشمل (اجمالي المسجلين للامتحان بما فيهم المتقدم وغير المتقدم)، وان النجاح انخفض بنسبة كبيرة مقارنة مع السنوات الاربع التي سبقتها.
وتراوحت نسبة النجاح خلال الاعوام (2010-2011-2012-2013) بواقع (51%) و(49%) و(48%) و(48%) و(48%) على التوالي.
وهنا تُطرح اسئلة كثيرة، للوقوف على اسباب هذا الانخفاض، لان ذلك يعتبر مقياساً لمؤشرات اداء وزارة التربية والتعليم خلال الفترة الدراسية السابقة للامتحان في مختلف محاور العملية التعليمية.
فهل الحد من ظاهرة الغش الى درجة «كبيرة»، هو السبب؟ ام أن النتائج اخُرجت «مجردة»، دون الاخذ بمعايير تقديرية لتحديد نقطة فاصلة بين الناجح والراسب ؟ أم هنالك خلل في العملية التعليمية ادى بتراكمه الى هذه النتيجة؟
ولا يخفى على أحد «شدة وصرامة» الاجراءات التي اتخذتها الوزارة للحد من ظاهرة الغش، وعدم التهاون بتنفيذها، حتى وان كانت هنالك مبررات مقبولة منطقيا.
يروي ولي امر طالب قصة لزميل ابنه حُرم من امتحان مادة، بسبب ان الطالب «نسي هاتف والدته معه، و خلال الامتحان رن الهاتف، تم التحفظ عليه، وتقرر حرمانه من المادة، رغم ان الطالب لم يجب على الهاتف، بالرغم من ان الطالب من المتفوقين في المدرسة وتثبت سيرته الاكاديمية ذلك .
خلال تلك الفترة، أُطلقت اوصاف رافقت إجراءات الوزارة الوقائية لضمان سلامة تنفيذ الامتحان، تمثلت بـ «إعادة الهيبة للامتحان» ، ولكن ماذا عن باقي مؤشرات نتائج الامتحان بالنسبة للوزارة؟
وقبل عشرة ايام، أعلنت وزارة التربية والتعليم اقرار برنامج الثانوية العامة للدورة الصيفية المقبلة، بعد دراسة جميع الملاحظات التي وردت على البرنامج المقترح، لكن هل راعت الوزارة تزامن الامتحان مع قدوم شهر رمضان المبارك ؟ واذا لم يكن هنالك مفر من عملية التقديم او التأجيل لارتباط التوجيهي بالقبول الجامعي هل يدرك القائمون على الامتحان مدى تاثير ان يتقدم طالب صائم لاربعة امتحانات متتالية لا يوجد يوم راحة للمراجعة قبل اي من تلك الامتحان؟ إلا إذا كانت توصيات من مختصين بعلم النفس والارشاد في التربية بانه لن يكون هنالك تأثير.
وهنا يطرح سؤال، من سيحاسب وزارة التربية في حال انعكست ظروف الصوم على أداء الطالب وعدم منحهم فترات مراجعة قبل كل امتحان؟ وما هي مبررات الوزارة في طرح الامتحانات متلاحقة؟
في وقت يتطلب عقد مثل هذا الامتحان المركزي ظروفاً وبيئة مناسبة، خصوصاً وان الامتحان بتبعاته يصنف بأنه «مصيري»، وان تأثير عدم مراعاة توفير تلك البيئة سينعكس على النتائج، التي هي انعكاس لصورة اداء عملية تعليمية تنفذها وتشرف عليها «التربية».
وينبثق عن هذا الواقع، اسئلة تحمل أُطراً أوسع في تكييف الواقع:
هل يجوز لمقدم الخدمة ان يكون ذاته من يقيمها؟ أم يجب ان يكون هنالك هيئة يوكل اليها تنفيذ الامتحان؟
هل تمتلك وزارة التربية والتعليم الامكانية في ظل مركزية إدارتها لمكونات العملية التعليمية، من حيث أنها مسؤولة عن اختيار المعلمين ومراقبة ادائهم ووضع المناهج وبناء المدارس وتنفيذ الاختبارات المدرسية والمركزية؟
هل الاعباء الملقاة على عاتق «التربية»، في ظل تلك المركزية اثرت على الاداء؟
ما هو مصير من يفشل في اجتياز «التوجيهي»؟
الراي