سنسقط هذه الطائرة . تهديد كتب على طائرة مصر للطيران قبل عامين من سقوطها!
في مصادفة غريبة، يبدو أن طائرة مصر للطيران التي سقطت في البحر الأبيض المتوسط الخميس الماضي كانت هدفاً في يوم من الأيام، حيث كتب من قبل على جزئها السفلي باللغة العربية "سنسقط هذه الطائرة".
وقال مسؤولون أمنيون من شركة مصر للطيران إن ذلك الجرافيتي، الذي حمل تهديداً واضحاً، كان موجوداً على الطائرة منذ عامين، وإن من كتبه هم عُمّال الطيران المدني بمطار القاهرة، في إشارة إلى التوافق اللفظي بين رمز تسجيل الطائرة "إس يو- جي سي سي" واسم الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، كما كتب عُمّال آخرون "خائن" و "قاتل".
وأفاد المسؤولون، الذين تحدثوا عن الحالة الأمنية للخطوط الجوية بشرط عدم الإفصاح عن أسمائهم، بأن الجرافيتي كان مرتبطاً بالموقف السياسي المحلي في مصر آنذاك وليس بالتهديدات التي تطلقها الجماعات المسلحة، فضلاً عن أن مثل ذلك الجرافيتي المناهض للرئيس السيسي، كان منتشراً في كل أنحاء العاصمة المصرية بعد أن أطاح الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي في عام 2013.
مصر للطيران فصلت بعض الموظفين
ومنذ ذلك الحين، خضعت الخطوط الجوية لمعايير أمنية جديدة، استجابةً للاضطراب السياسي الذي ضرب مصر سواء من جانب عنف الجماعات الجهادية أو الكوارث الجوية الأخرى، مثل تحطم الطائرة الروسية الذي تسبب في مقتل 224 شخصاً في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقد فصلت مصر للطيران بعض الموظفين بسبب ميولهم السياسية، وصعّدت من عمليات البحث بين طواقم العمل، كما زادت من عدد حراس الأمن غير المسلحين خلال الرحلات. وقد توفي ثلاثة من هؤلاء الحراس خلال تحطم الطائرة في الرحلة 804.
وحتى إن كانت تلك الخطوات كافية، يبقى ثمة تساؤل طرح نفسه يوم السبت بعدما بحث الخبراء عن بيانات متعلقة باللحظات الأخيرة للطائرة لتوضح السبب الذي أسقطها. وقد أكدت هيئة التحقيقات الفرنسية التي تبحث أسباب سقوط الطائرة أن البيانات أوضحت أن عديداً من إنذرات الدخان على متن الطائرة انطلقت قبل سقوطها في البحر.
غموض يكتنف سقوط الطائرة
بيد أنهم كانوا حريصين على أن تلك الإشارات التي أطلقها نظام المراقبة بالطائرة "إيرباص إيه 320"، لا توفر معلومات كافية لتبين ما الذي تسبب في إسقاط الطائرة.
وقال "سيباستيان بارت"، وهو متحدث باسم مكتب التحقيقات وتحليل البيانات الفرنسي "إن تلك الرسائل لا تمكننّا من تحليل أي شيء. فلو كان هناك دخان، فإن هذا يعني أن هناك احتمال وجود حريق في مكان ما، لكنه لا يخبرنا أين حدث ذلك الحريق، ولا يساعدنا على بناء فرضية توضح ما إذا كان عملاً إرهابياً أو عطلاً فنياً".
وفي رسالة صوتية بُثت يوم السبت لأبو محمد العدناني، المتحدث باسم جماعة تنظيم الدولة الإسلامية ومسؤول العمليات الخارجية، أدان خلالها الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الجماعة المسلحة، لكنه لم يذكر شيئاً عن تحطم طائرة مصر للطيران.
3 أفراد أمن كانوا على متن الطائرة المصرية
وقد تعرضت الإجراءات الأمنية لشركة مصر للطيران لاختبار خلال شهر مارس/ آذار الماضي، عندما ادّعى أحد المسافرين بالرحلات الداخلية أنه يرتدى حزاماً ناسفاً ليجبر الطائرة أن تغير مسارها وتتجه نحو جزيرة قبرص. وقد انتهت الأزمة في غضون ساعات قليلة، عندما استسلم الرجل، الذي تبين أنه يعاني من مشاكل نفسية. وسرعان ما نشرت السلطات المصرية فيديوهات المراقبة التي توضح أنه تم فحصه قبل الصعود إلى الطائرة.
ومن بين ال 66 شخصاً الذين كانوا على متن الرحلة التي تحركت من مطار شارل ديجول بباريس، كان هناك 3 أفراد أمن على متن طائرة مصر للطيران، مما يعني أنه كان هناك فرد أمن أكثر من العدد المعتاد لفرق أفراد الأمن التي من المفترض أنها تتكون من فردين فقط، وذلك لسبب غير واضح تماماً.
ويختلف حراس الأمن بشركة مصر للطيران في العديد من الأمور عن نظرائهم من الحراس السريين برحلات الخطوط الجوية الأمريكية. فالحراس المصريون غير مسلحين ويرتدون زياً موحداً يتكون من سترة سوداء وقميص أبيض، حيث يتم استدعائهم في حال وجود ركاب يصعب التعامل معهم، وهم يأتون من خلفيات ثقافية مختلفة ويحصلون على مرتب متوسط يصل إلى 400 دولار شهرياً.
المطارات الأوروبية لا تسمح لحراس الأمن بالتفتيش
وفي الغالب، يجلس أحد حراس الأمن في المقدمة في أول صفوف الدرجة الاقتصادية خلف درجة رجال الأعمال، بينما يجلس الآخر في مؤخرة الطيارة، وذلك حسبما قال أحد أعضاء طواقم الطائرات بشركة مصر للطيران. وتكمن مسؤولية حراس الأمن عند وقوف الطائرة بأحد المطارات الأجنبية في تفتيش العمال الذين ينظفون الطائرة وفحص أوراق جميع أعضاء طاقم الطائرة والموظفين الموجودين بالرحلة، وهم ليسوا مسؤولين عن مراقبة العمال الذين يقومون بتحميل حقائب المسافرين إلى الطائرة.
وقال المسؤولون الأمنيون إن هذه الإجراءات تمت خلال فترة الانتظار القصيرة التي قضتها طائرة مصر للطيران في مطارين إفريقيين بتونس وبالعاصمة الإرترية "أسمرا"، خلال الأيام التي سبقت الحادث. إلا أن تلك الإجراءات مختلفة في باريس، لأنّ المطارات الأوروبية لا تسمح لحراس الأمن بشركة مصر للطيران بتفتيش العمال المحليين، مما يتسبب في سخط لدى المسؤولين المصريين الذين يشعرون أنهم يتعرضون لنوع من التمييز.
طواقم الطائرات يخضعون لإجراءات أمنية صارمة
وقال حراس الأمن بالشركة إن زملاءهم وليد عودة، ومحمد فرج، ومحمود السيد، الذين قضوا في حادث الخميس، لم يظهروا أي سلوك غريب. حيث وصفوا فرج بأنه ذو قلب مضيء ودائماً يمزح معه زملاؤه لأنه ليس متزوجاً، بينما كان عودة قليل الكلام للغاية ومهذباً لأبعد الحدود.
كما أوضح الأصدقاء والأقارب أن الطيار محمد شقير قائد الطائرة (36 عاماً) والطيار المساعد محمد ممدوح عاصم (24 عاماً) كانا لا يثيران أي مشاكل. حيث قال أحد طياري مصر للطيران، والذي تحدث بشرط عدم الإفصاح عن هويته، إنه عمل معهما ووصفهما بأنهما طياران محترفان ولم تظهر عليهما أي مشاكل عقلية أو اجتماعية. كما قال إن الكابتن عاصم، كان يبلغ من العمر 24 عاماً، وهو العمر المتوسط لمعظم الطيارين المساعدين بالخطوط الجوية.
وقال الطيار إن أعضاء طواقم الطائرات الخاصة بشركة بمصر للطيران صاروا يخضعون لمعايير أمنية أكثر صرامة منذ حادث تحطم الطائرة الروسية في أكتوبر الماضي، حيث وصف تلك الإجراءات قبل الحادث بأنها كانت مهلهلة. وأوضح أن الإجراءات الجديدة تتضمن التفتيش الذاتي لمنع أعضاء طواقم الطائرات من تهريب السجائر والعملة.
وقد كُتب ذلك الجرافيتي المتعلق بالرئيس السيسي لمرات عديدة لحوالي عامين بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد السابق بجماعة الإخوان المسلمين، في يونيو 2013. وخلال هذه الفترة، كان يُنظر إلى الجرافيتي على أنه إشارة لحالة الانقسام السياسي المرير الذي تعيشه البلاد، أكثر من اعتباره تهديداً ضد الطائرة.
حركة تطهير في مصر للطيران
ومع هذا، فصلت شركة مصر للطيران عدداً من الموظفين، معظمهم كان من الموظفين الذين يعملون على الأرض، والذين أظهروا تعاطفاً مع جماعة الإخوان المسلمين، وذلك حسبما قال مسؤولون أمنيون. واتبعت بعض الشركات المصرية الأخرى نفس حركة التطهير خلال نفس الفترة.
يقول الطيار إنه خلال الفترة الأخيرة، تسببت المخاوف من العمليات الإرهابية في تشديد الإجراءات الأمنية بالمطارات الإقليمية، بما فيها تونس، التي كانت آخر محطة للطائرة "إيرباص إيه 320" قبل أن تغادر إلى باريس. وأشار إلى أن أفراد الأمن الموجودين على الطائرة صاروا يواجهون قيوداً على تحركاتهم، وأنهم يُمنعون الآن على سبيل المثال من مغادرة الطائرة والذهاب إلى المنطقة الحرة للتسوق.
فضلاً عن ذلك، تواجه رحلات مصر للطيران المتجهة إلى أوروبا معاييراً إضافية من الفحص والتفتيش، وذلك في ظل برنامج الاتحاد الأوروبي المعروف باسم SAFA أو "برنامج تقييم السلامة على الطائرات الأجنبية"، والذي يسمح بتفتيش موضعي على الطائرات الموجودة في المطارات الأوروبية، وفرض العقوبات على المخالفين.
المصريون تضامنوا مع الضحايا رغم الخلافات السياسة
وعلى الرغم من حالة الانقسام التي شهدها المجتمع المصري منذ الاضطراب الذي أتبع خلع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في عام 2011، فقد ظهرت حالة من التضامن الوطني منذ حادث تحطم الطائرة الذي وقع يوم الخميس. وانتشرت صور أقارب الضحايا الذين كانوا يبكون أقاربهم في جميع وسائل الإعلام. ومع بدء التحقيق الرسمي في تحطم الطائرة، كانت ردة فعل كثير من المصريين غاضبة تجاه أي تلميح يفيد بأن طاقم الطائرة يحمل أي مسؤولية عن تحطم الطائرة.
وقال عزت شقير، ابن عم قائد الطائرة المنكوبة، إنه كان حزيناً من بعض التغطيات الإعلامية.
حيث قال "لا تنصتوا إلى الأكاذيب التي يسوقها الناس منذ تحطم الطائرة". وأضاف شقير الذي بدأ في البكاء عندما قال "نحن نريد أن نعرف فقط أين جثته، وإلا كيف يستطيع ذووه الذين يفتقدونه زيارته إن أرادو ذلك؟" هافينغتون بوست عربي