شهادة وفاة «للمجلس الوطني» بتوقيع كلينتون
عريب الرنتاوي
جو 24 : في الحادي عشر من آب الفائت، أعلنت السيدة هيلاري كلينتون من أنقرة، عن وفاة “الممثل الشرعي” للشعب السوري، عندما رفضت الالتقاء بوفدٍ منه في مكان ولادة المجلس الوطني السوري ومسقط رأسه...أمس أصدرت كلينتون “شهادة وفاة” المجلس بإعلانه كياناً غير مؤهل لقيادة المعارضة السورية وتمثيل الشعب السوري، وأنه بالكاد، يمكن النظر اليه كفريق أو مجموعة من فرقها الكثيرة ومجموعاتها المتعددة.
ما قالته السيدة كلينتون في المجلس الوطني، لمسناه وقلناه وتحدثنا به وكتبنا عنه بعد أشهر قليلة من الولادة غير الطبيعية للمجلس، ومن موقع المعايشة الحسيّة للمجلس والمتابعة الحثيثة لتجربته، والمعرفة الشخصية بكثير من رموزه وقادته...هؤلاء مضى على غالبيتهم أزيد على ثلث قرن في المهاجر والمنافي، الإجبارية والاختياريه...عاش كثيرون منهم كمواطنين لدول أجنبية وتماهوا مع مؤسساتها وسياساتها وأحياناً ثقافتها، ولم يحتاجوا لأكثر من خمسة عشر أسبوعاً لكي يقطعوا مسيرة خمسة عشر عاماً أمضتها التجربة الفلسطينية للوصول إلى الترهل والفساد والإفساد والارتباط بالعواصم القريبة والبعيدة.
المجلس بنى إستراتيجية كاملة على “رهان” واحد: التدخل العسكري الدولي، واشتق منها أن لا حاجة لتوسيع أطره، ولا معنى لـ”وحدة المعارضة”، طالما أن التغيير لن يحصل من الداخل...وكلما كان يتأكد له بأن لا تدخل دولياً في الأفق، كان يزداد توغلاً في “الإنكار” و”المكابرة”، ويصب جام غضبه على داعميه ومموليه ورعاته، كأن له عليهم “ضربة لازم” لإنجاز المهمة نيابة عنه، وتمهيد الطريق لعجائزه لتسنم سدة الحكم في سوريا.
وإيغالاً في “حالة الإنكار، أغمض المجلس عيونه عن معظم المشاكل الجدية التي تواجه عملية الإصلاح والتغيير في سوريا...أصم أذنيه عن التحذيرات من مخاطر خضوعه للون “إخواني” واحد سائد، وأغمض عينية عن “خطر التطرف والأصولية الجهادية” الذي يجتاح الثورة السورية ويهدد باختطافها...رفض التمييز بين أجندات القوى الإقليمية والدولية من جهة وأجندة الشعب السوري من جهة ثانية، فباتت الدوحة والرياض وأنقرة عواصم “الديمقراطية الأنجلوساكسونية” وموطن حقوق الإنسان الأول...المجلس “ركب رأسه” ورفض الإصغاء لكل الأصوات التي تدعو لتعظيم الحلول السياسية والانتقال السلمي بسوريا إلى ضفاف الحرية والديمقراطية، استمع لنصائح “فقهاء الظلام” “وضابط الأقبية والغرف الخلفية، الذين زيّنوا له أن التغيير قادم في سوريا، وبأسرع مما يُظن ويُعتقد، وأن جُلّ ما عليهم أن يفعلوه، هو التحلي بالصبر وانتظار صهوة الدبابات الأطلسية لامتطائها.
عطّل المجلس، بأوامر من رعاته العرب والإقليميين، كل المحاولات التي بُذلت لتوحيد المعارضة، بزعم أنه هو المعارضة، يختصرها في كيانه الهزيل، وينبري للنطق باسمها، حتى أنه غضب من “أصدقاء سوريا” الذي اجتمعوا في اسطنبول للاعتراف به ممثلا شرعياَ للشعب السوري...لقد أراد أن تُستتبع كلمة شرعي بكلمة وحيد، حتى تدين له مختلف تشكيلات المعارضة بالطاعة والولاء، وحتى يشرع في منافسة النظام على وحدانية وشرعية تمثيل سوريا، دولة وشعباً...وعندما قرر وضع “خريطة طرق” للمرحلة الانتقالية، لم يلحظ لغيره أي دور، اللهم باستثناء دور “إطاعة الأوامر” منحه للجيش السوري الحر، فهو قائد البلاد سياسياً، والجيش المذكور يخضع لأمرته السياسية من داخل ثكناته التي سيتعين عليه العودة إليها سريعاً...أنظروا أي وهم عاشه هؤلاء وأي ضيق أفق حكم نظرتهم لواحدة من أخطر أزمات المنطقة والعالم.
لم تكفه الهزات المتكررة، ولا الانشقاقات المتسلسلة التي رافقت تجربته القصيرة جداً، لكي يتعلم الدرس ويرعوي...مضى قدما في “المكابرة” و”الإنكار” و”التنكر”...أنكر وجود مشكلة طائفية في سوريا، ونفى وجود أزمة مشاركة من قبل “الطوائف والأقليات” في الثورة السورية، وهو الذي بالكاد ضم في صفوفه، حفنة صغيرة من الرجال والنساء من ممثلي تلك الأقليات، وغالباً بما لا يزيد على أصابع اليد الواحدة.
أعمى السفر على الدرجة الأولى والإقامة في فنادق الخمسة نجوم، والطلب المتكرر على رموزه للاجتماعات والمؤتمرات، والتنقل المكوكي من عاصمة لعاصمة ومن قارة إلى أخرى...أعمى كل هذا وذاك وتلك، أعضاء المجلس، ومعظمهم حديثي عهد بالسياسة والنعمة، عن رؤية الواقع المحيط بهم وبشعبهم ودولتهم..بدأوا يحدثونك عن “المراسم والبروتوكول” الذي يليق بزياراتهم ومشاركاتهم، بدأوا يبحثون عن “نظرائهم” في الدول التي يزورونها، قبل أن تدين لهم الدولة السورية، وقبل أن يصبحوا حكومتها..بدأت تعجز عن حفظ أرقام “موبايلاتهم” القطرية والمصرية والسعودية والتركية والفرنسية، فلكل واحد من هؤلاء “حزمة” منها، تحتاج لموازنة عشر أسر سورية متوسطة، لإدامة الحرارة والرنين في عروقها.
انتهى المجلس الوطني سريعاً بمثل ما كانت ولادته سريعة وقيصرية...خرج من التداول مثلما دخل إليه، بقرار من الخارج غير مستند إلى قاعدة اجتماعية صلبة...ولولا تصريح السيدة كلينتون من زاغرب، لما عدنا للسماع عنه أو الاستماع إليه أو الكتابة عن تجربته.
لا ندري ما الذي ستكونه عليه المعارضة في مرحلة ما بعد المجلس الوطني السوري..هل ستجتاز تذررها وتشققها؟...هل ستنجح ببناء هيكل مشترك، يضم الجميع تحت سقفه؟..هل سيكون للمعارضة سقف وشعار وبرنامج ورؤية موحدة؟...على أي أساس ووفقاً لأية قواعد وضوابط ومحددات...أو بالأحرى خدمة لأية أجندات، لاسيما أن الاجتماع الموسع القادم للمعارضة سيعقد في قطر، رافعة لواء “الحسم العسكري” و”التدخل الدولي” والراعي الرسمي لإخوان سوريا وحلفائهم، ممن يدورون في فلك “الشيخ” و”المفكر العربي”، أدوات الدبلوماسية القطرية في مرحلة الربيع العربي.
لا ندري شيئاً عن ماهية الأطر التي سيتمخض عنها هذا النسج المعقد والفسيفسائي للمعارضات السورية، السياسية والمسلحة، وما إن كان بمقدوره استيعاب ومواكبة التطورات العميقة في مجريات الأزمة السورية في الداخل، وتداعياتها الإقليمية والدولية...أسئلة نأمل أن لا تتأخر طويلاً الإجابة عليها، فالوقت في سوريا من دم وتفجيرات وإرهاب وعنف متبادل..الوقت في سوريا يقاس بأزيد من مائة ضحية يومياً، كان الله في عون السوريين.
(الدستور)
ما قالته السيدة كلينتون في المجلس الوطني، لمسناه وقلناه وتحدثنا به وكتبنا عنه بعد أشهر قليلة من الولادة غير الطبيعية للمجلس، ومن موقع المعايشة الحسيّة للمجلس والمتابعة الحثيثة لتجربته، والمعرفة الشخصية بكثير من رموزه وقادته...هؤلاء مضى على غالبيتهم أزيد على ثلث قرن في المهاجر والمنافي، الإجبارية والاختياريه...عاش كثيرون منهم كمواطنين لدول أجنبية وتماهوا مع مؤسساتها وسياساتها وأحياناً ثقافتها، ولم يحتاجوا لأكثر من خمسة عشر أسبوعاً لكي يقطعوا مسيرة خمسة عشر عاماً أمضتها التجربة الفلسطينية للوصول إلى الترهل والفساد والإفساد والارتباط بالعواصم القريبة والبعيدة.
المجلس بنى إستراتيجية كاملة على “رهان” واحد: التدخل العسكري الدولي، واشتق منها أن لا حاجة لتوسيع أطره، ولا معنى لـ”وحدة المعارضة”، طالما أن التغيير لن يحصل من الداخل...وكلما كان يتأكد له بأن لا تدخل دولياً في الأفق، كان يزداد توغلاً في “الإنكار” و”المكابرة”، ويصب جام غضبه على داعميه ومموليه ورعاته، كأن له عليهم “ضربة لازم” لإنجاز المهمة نيابة عنه، وتمهيد الطريق لعجائزه لتسنم سدة الحكم في سوريا.
وإيغالاً في “حالة الإنكار، أغمض المجلس عيونه عن معظم المشاكل الجدية التي تواجه عملية الإصلاح والتغيير في سوريا...أصم أذنيه عن التحذيرات من مخاطر خضوعه للون “إخواني” واحد سائد، وأغمض عينية عن “خطر التطرف والأصولية الجهادية” الذي يجتاح الثورة السورية ويهدد باختطافها...رفض التمييز بين أجندات القوى الإقليمية والدولية من جهة وأجندة الشعب السوري من جهة ثانية، فباتت الدوحة والرياض وأنقرة عواصم “الديمقراطية الأنجلوساكسونية” وموطن حقوق الإنسان الأول...المجلس “ركب رأسه” ورفض الإصغاء لكل الأصوات التي تدعو لتعظيم الحلول السياسية والانتقال السلمي بسوريا إلى ضفاف الحرية والديمقراطية، استمع لنصائح “فقهاء الظلام” “وضابط الأقبية والغرف الخلفية، الذين زيّنوا له أن التغيير قادم في سوريا، وبأسرع مما يُظن ويُعتقد، وأن جُلّ ما عليهم أن يفعلوه، هو التحلي بالصبر وانتظار صهوة الدبابات الأطلسية لامتطائها.
عطّل المجلس، بأوامر من رعاته العرب والإقليميين، كل المحاولات التي بُذلت لتوحيد المعارضة، بزعم أنه هو المعارضة، يختصرها في كيانه الهزيل، وينبري للنطق باسمها، حتى أنه غضب من “أصدقاء سوريا” الذي اجتمعوا في اسطنبول للاعتراف به ممثلا شرعياَ للشعب السوري...لقد أراد أن تُستتبع كلمة شرعي بكلمة وحيد، حتى تدين له مختلف تشكيلات المعارضة بالطاعة والولاء، وحتى يشرع في منافسة النظام على وحدانية وشرعية تمثيل سوريا، دولة وشعباً...وعندما قرر وضع “خريطة طرق” للمرحلة الانتقالية، لم يلحظ لغيره أي دور، اللهم باستثناء دور “إطاعة الأوامر” منحه للجيش السوري الحر، فهو قائد البلاد سياسياً، والجيش المذكور يخضع لأمرته السياسية من داخل ثكناته التي سيتعين عليه العودة إليها سريعاً...أنظروا أي وهم عاشه هؤلاء وأي ضيق أفق حكم نظرتهم لواحدة من أخطر أزمات المنطقة والعالم.
لم تكفه الهزات المتكررة، ولا الانشقاقات المتسلسلة التي رافقت تجربته القصيرة جداً، لكي يتعلم الدرس ويرعوي...مضى قدما في “المكابرة” و”الإنكار” و”التنكر”...أنكر وجود مشكلة طائفية في سوريا، ونفى وجود أزمة مشاركة من قبل “الطوائف والأقليات” في الثورة السورية، وهو الذي بالكاد ضم في صفوفه، حفنة صغيرة من الرجال والنساء من ممثلي تلك الأقليات، وغالباً بما لا يزيد على أصابع اليد الواحدة.
أعمى السفر على الدرجة الأولى والإقامة في فنادق الخمسة نجوم، والطلب المتكرر على رموزه للاجتماعات والمؤتمرات، والتنقل المكوكي من عاصمة لعاصمة ومن قارة إلى أخرى...أعمى كل هذا وذاك وتلك، أعضاء المجلس، ومعظمهم حديثي عهد بالسياسة والنعمة، عن رؤية الواقع المحيط بهم وبشعبهم ودولتهم..بدأوا يحدثونك عن “المراسم والبروتوكول” الذي يليق بزياراتهم ومشاركاتهم، بدأوا يبحثون عن “نظرائهم” في الدول التي يزورونها، قبل أن تدين لهم الدولة السورية، وقبل أن يصبحوا حكومتها..بدأت تعجز عن حفظ أرقام “موبايلاتهم” القطرية والمصرية والسعودية والتركية والفرنسية، فلكل واحد من هؤلاء “حزمة” منها، تحتاج لموازنة عشر أسر سورية متوسطة، لإدامة الحرارة والرنين في عروقها.
انتهى المجلس الوطني سريعاً بمثل ما كانت ولادته سريعة وقيصرية...خرج من التداول مثلما دخل إليه، بقرار من الخارج غير مستند إلى قاعدة اجتماعية صلبة...ولولا تصريح السيدة كلينتون من زاغرب، لما عدنا للسماع عنه أو الاستماع إليه أو الكتابة عن تجربته.
لا ندري ما الذي ستكونه عليه المعارضة في مرحلة ما بعد المجلس الوطني السوري..هل ستجتاز تذررها وتشققها؟...هل ستنجح ببناء هيكل مشترك، يضم الجميع تحت سقفه؟..هل سيكون للمعارضة سقف وشعار وبرنامج ورؤية موحدة؟...على أي أساس ووفقاً لأية قواعد وضوابط ومحددات...أو بالأحرى خدمة لأية أجندات، لاسيما أن الاجتماع الموسع القادم للمعارضة سيعقد في قطر، رافعة لواء “الحسم العسكري” و”التدخل الدولي” والراعي الرسمي لإخوان سوريا وحلفائهم، ممن يدورون في فلك “الشيخ” و”المفكر العربي”، أدوات الدبلوماسية القطرية في مرحلة الربيع العربي.
لا ندري شيئاً عن ماهية الأطر التي سيتمخض عنها هذا النسج المعقد والفسيفسائي للمعارضات السورية، السياسية والمسلحة، وما إن كان بمقدوره استيعاب ومواكبة التطورات العميقة في مجريات الأزمة السورية في الداخل، وتداعياتها الإقليمية والدولية...أسئلة نأمل أن لا تتأخر طويلاً الإجابة عليها، فالوقت في سوريا من دم وتفجيرات وإرهاب وعنف متبادل..الوقت في سوريا يقاس بأزيد من مائة ضحية يومياً، كان الله في عون السوريين.
(الدستور)