ميلاد يوسف: التقييم الحقيقي لمسلسل «باب الحارة» لن يحدث الآن
جو 24 :
ميلاد يوسف فنان تصدى عبر مسيرته الفنية للأدوار الصعبة، وسعى من خلال الشخصيات التي قدمها إلى التنويع وعدم التقوقع ضمن إطار معين، فبرز نجماً يمتلك أدواته التعبيرية وحضوره المؤثر، وهو اليوم يقف على أرض صلبة مرسّخاً هويته الإبداعية الخاصة، مانحاً عمله كل الحب، الأمر الذي حمّله مسؤولية الاختيار فحرص على تقديم المميز دائماً...
في لقائنا معه، يكشف لنا ميلاد يوسف أسرار شخصية «عصام» في «باب الحارة»، وما تحمله من جديد بعد ثمانية أجزاء من العمل المتواصل... كما يحدّثنا عن أعماله في دراما الجرأة والدراما الاجتماعية.
بابا حارة!
- بعدما كان هناك بابا حارة، انتهى الخلاف بأن يكون هناك باب واحد... ما تأثير ذلك وكيف ترى الأمور بعد انطلاق تصوير الجزء الثامن من «باب الحارة»؟
للخلاف علاقة بالنجاح الذي حققه المسلسل، فبسبب جماهيريته وانتشاره الواسع، كان معرضاً في العديد من محطاته للمشكلات، إذ دائماً ما تحاول التوجه نحو كل ما هو ناجح لتكون جزءاً منه أو شريكاً فيه، ولكن كان هناك في المقابل من يدافع عن «باب الحارة» وعن قيمته الفنية لأنه بات علامة فارقة في الدراما السورية، شأنه في ذلك شأن أي منتَج قد يتعرض لتدخلات من يريدون أن يثبتوا وجودهم من خلاله.
وقد حُلّ الخِلاف بين الشركتين، ودافع عن المشروع المخرج بسام الملا والممثلون الذين هم شركاء أساسيون فيه، وهو أمر إيجابي، بحيث فضّلوا أن يبقى المسلسل قائماً بشركته الأم وبإشراف المخرج بسام الملا، فهو صاحب المشروع أصلاً، ومن الجيد أن يأتي من يدافع عن مشروعه ويرفض أي مغريات أخرى لحرفه عن مساره.
وهذا الأمر بحد ذاته يشيع جواً من التفاؤل في الوسط الفني بأن هناك من يقاوم المغريات ويتمسك بالثوابت حتى النهاية، كما يعود بالفائدة على الحراك الدرامي ككل. فكثيراً ما تحدث مشكلات في الوسط الفني.
- أمن هذا المنطلق فضلت الوقوف إلى جانب المخرج بسام الملا؟
لست أنا وحدي، فهذا الأمر لا يقتصر على ميلاد يوسف وحده، بل يتعلق بمجموعة كبيرة من الممثلين الذين يشاركون في هذا المسلسل، وهو موقف يُسجّل لهم، فالوفاء جميل، ومن الجيد أن تصل في النهاية إلى نتائج إيجابية.
لغط وجدل...
- بعد الجزء الثالث من «باب الحارة»، تعرض العمل للكثير من اللغط، ولكن كان هناك إصرار على إنجاز أجزاء جديدة منه رغم اتساع دائرة الجدل حوله!
أرى أن الجدل الذي أثاره المسلسل جزء من نجاحه، فأي عمل فني لا يثير الجدل يكون عملاً فاشلاً، وحالة الجدل هذه هي التي تحرض على إنجاز أجزاء مغايرة للأجزاء السابقة.
كما أن التقييم الحقيقي لمسلسل «باب الحارة» لن يحدث الآن، وإنما بعد مدة زمنية قد تكون طويلة على انتهائه، وحينها سيُعاد تقييمه بكل أجزائه، لأنه عندما يكون هناك فاصل زمني بعيد، تتخلص من الشوائب والتنظير الآني عن المشروع، ويصبح محفوظاً في ذاكرتك وتعيد تقييمه جيداً.
- ولكن شهدت الأجزاء الأخيرة مواقف باتت مادة دسمة للتندّر، كغياب شخصيات ومن ثم معاودة ظهورها فجأة، وإعلان موت شخصية في جزء وبث الحياة فيها في جزء آخر...
هو شرط فني، فالشرط الفني قد يكون فيه تغريب أحياناً، وأنا أشبّه «باب الحارة» بفرقة مسرحية بات عمرها عشر سنوات، نراها كل عام تقدم عرضاً جديداً... وطالما أن هناك جمهوراً يحضر هذه المسرحية، يمكننا أن نتجاوز تلك الأمور.
جديد «باب الحارة»
- ما الجديد الذي يحمله الجزء الثامن من «باب الحارة»؟
هناك تطور كبير في العمل، كما أن الموضوعات وطبيعة الشخصيات وعلاقاتها المتشعبة ستكون كلها مختلفة، بحيث سينفتح المسلسل على بقية عناصر المجتمع السوري والفكر والتنوير، وهذا هو التوجه الصحيح، فكيف لك أن تتطور من دون أن تحتفظ بمجموعة من التراكمات؟ لذا، أرى أن الجزء الثامن سيكون من أهم الأجزاء.
- أين تكمن خصوصية شخصية عصام في المسلسل؟
سيطل عصام بشكل جديد، بحيث تتطور شخصيته ويطرأ عليها العديد من التحولات وتشهد الكثير من الأحداث المرتبطة بعائلته وبيته، كما سنراه خارج الحارة ينسج علاقات جديدة تكون مُفاجِئة، حتى أن المأساة التي تتعرض لها عائلته ستكون أحد المحاور الرئيسة لهذا الجزء.
تفاصيل الحياة
- كيف تقرأ تجربتك في مسلسل «في ظروف غامضة»؟
هي تجربة مهمة لأسباب عدة، أهمها أنها أتت في ظروف كنا نحتاج فيها إلى هذا النوع من الدراما الواقعية التي تحكي عن تفاصيل نفتقدها حتى في الحياة العامة، كعلاقات الحب في زمننا، زمن الحرب.
والعمل يضم خطاً رفيعاً رسمه فادي قوشقجي بشفافية، وهو يتمثل بعلاقة مازن ودارين، وقد غلبت هذه الحالة على كل الجوانب المأسوية في المسلسل من جريمة القتل إلى الأزمة التي نعيشها... ويأتي تعاطف الجمهور مع هذه العلاقة الشفافة بمثابة دليل على أن الناس يتوقون إلى رؤية الجمال ومعاني الحب والرقة والتفاصيل الدمشقية رغم السواد الذي يحيط بنا.
مدرسة الحب
- بمَ تميّزت مشاركتك في ثلاثية «نور العين» ضمن مسلسل «مدرسة الحب»؟
«نور العين» ثلاثية مميزة من إخراج صفوان نعمو، فيها جانب مأسوي والكثير من الحب، والعمل سلس بشكل عام، ويحمل صفة جميلة وهي تناول العلاقة بين المرأة والرجل، إلى جانب موضوعات أخرى... فالحب لا يجمع بين الرجل والمرأة فقط، وإنما قد يكون بين الأم والابن، أو حتى حب الوطن... ولكن دوري كانت له علاقة بالوفاء بين الرجل والمرأة، فالثلاثية تحكي عن مصمم أزياء يعشق عارضة أزياء، فتربطهما علاقة جميلة، ولكن تتطور الأحداث فجأة بعد وقوع حادث أليم يحرف الأمور عن مسارها، فيعيشان صراعاً مريراً.
- موضة الخماسيات والثلاثيات التي تتناول موضوعاً محدداً ضمن مسلسل، هل ساهمت في تقديم مُقترح درامي يُغني الدراما السورية أم شتّتت ذهن المتلقي؟
أؤيد هذا النوع من الأعمال، فالمُشاهد بحاجة أحياناً إلى وجبة خفيفة، لأن من خلال الدراما التلفزيونية يمكن تقديم الفكرة والضحكة والقضايا المهمة والابتسامة... وبالتالي تضم الدراما تنوعاً كبيراً، والخماسيات والثلاثيات أعمال ليست غريبة عنها، لا بل إن الدراما السورية قدمت منذ تأسيسها أيام الأبيض والأسود سباعيات وخماسيات درامية.
الجرأة ومفرداتها
- ولكن باتت توصف هذه الأعمال بأنها الأكثر جرأة وتغوص في أعماق لا تجرؤ أعمال أخرى على الاقتراب منها...
أتحفظ على تلك الأعمال التي تشير إليها، رغم أنني شاركت في بعض الخماسيات التي كانت تتضمن نوعاً من الجرأة الزائدة، ولكن يبدو أن مجتمعاتنا لم تكن جاهزة لاستقبالها.
- مجتمعاتنا لم تكن جاهزة لها أم أنها أتت خارجة عن المألوف!
قد تكون أعمالاً خارجة عن المألوف، وشعرنا بأنها فجة لأنها كانت مختلفة عن الموضوعات التي تُطرح في الدراما، ولكن في النتيجة هي تجربة تجد من يقبلها أو يرفضها.
- كيف تتعامل مع موضة الدراما المعاصرة الجريئة؟
أؤيد هذه الدراما على أن تخضع لشروط معينة، أهمها أن يكون توقيت العرض مختلفاً، فمناقشة هذه القضايا تهم الأشخاص الكبار في السن، وبالتالي يمكن وضع شارة تحدد العمر المناسب لمشاهدتها، ولكن لا بد من التنويه بأن الغزو الخارجي الذي يأتينا من الدراما الأخرى يحوي كل ما هو فج، والطامة الكبرى أن مجتمعاتنا تتقبله.
وبما أن الدراما التلفزيونية تدخل كل بيت، أرى أن من الضروري أن تكون هناك ضوابط اجتماعية وأخلاقية تحكم هذه الظاهرة، خاصة أننا نفتقر إلى سينما تمكّننا من طرح الموضوعات الجريئة، فغياب السينما يجعلك أكثر جرأة في الدراما التلفزيونية، وقد تخرج عن المألوف في زحمة الموضوعات الاستهلاكية، مما يجعلك تتمرد على رتابة الدراما، أو تذهب باتجاه الموضوع الجريء، وفي غياب السينما نحن محرومون من هذه الجرأة.
- الأعمال المعاصرة الجريئة التي تؤيدها وتطرح موضوعاتها (للكبار فقط)... هل تعتبر جرأتها حقيقية أم تهدف إلى التسويق والبزنس؟
لنكن صريحين، فهذه المعادلة تتضمن أحياناً جانباً تسويقياً، ولكن في مجتمعاتنا، كما تجد الأبيض تجد كذلك الأسود، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هناك ما نُخبئه دائماً عن مجتمعاتنا؟
أرى أن المشكلة لا تكمن في طرح هذه الموضوعات على الشاشة، وإنما في كيفية معالجتها بطريقة فنية راقية وهادفة، فتكون للعمل فائدة في تسليط الضوء على مشكلة مهمة... وإن كانت جريئة ولكنها تحمل هدفاً، فمن دون هدف فإنك تسوق مادة استهلاكية سيئة.
الأعمال العربية المشتركة
- لماذا لم نرَك في الأعمال العربية المشتركة؟
كانت الأفضلية للأعمال السورية البحتة، هو خيار.
- أهو خيارك أم خيار المنتجين؟
هو خياري بالتأكيد، وأرى أنه مهما هجر الفنان الدراما السورية إلا أن أساسه يبقى فيها، ولكن هذا الأمر لا يمنعه من أن يتغّرب في لحظات، وقد شاركت العام الماضي بعمل مشترك عنوانه «سبعة» من إنتاج «روتانا»، وإخراج عامر الحمود، وصوّر جزء منه في لندن، وكان عملاً خفيفاً ومميزاً. ولا بد من الإشارة إلى أننا لم نكن بعيدين عن الأعمال المشتركة، فمن مسلسل «ليل السرار» و«الزير سالم» و«ملامح بشر» الذي صوّرته في البحرين، كانت هناك مجموعة أعمال تُعد في فترتها أعمالاً مشتركة، وهي موجودة ضمن مسيرتي الفنية أساساً.
- لكن تختلف الحالة بين تلك الأعمال المشتركة وبين ما يجري اليوم على الساحة!
مما لا شك فيه أن هناك ما هو مختلف، ولكن المشاركة في هذه الأعمال ليست خطأ طالما أنها حالة فنية جيدة والمُشاهد يحرص على متابعتها، وقد قدمت خليطاً من الدراما العربية (سورية، لبنانية، مصرية، الخليجية...) وبالتالي إرساء معادلة ناجحة بين هذه الدرامات هو أمر جيد بحد ذاته، ولكن ينبغي أن يبقى الفنان مُحافظاً على كيانه ووجوده ضمن بيته الحقيقي، وهو الدراما السورية لأنه خرج منه، ولا مانع في التغريب أو التجريب في لحظات عبر تجارب جيدة ومقبولة، ولكن شرط الحفاظ على الأساس.
- هل سبب ابتعادك عن هذه الأعمال هو ما يُشاع حولها بأن شللها مُغلقة على أسماء معينة؟
لم تخطّ تاريخها بعد لنستطيع تقييمها وفق هذا المبدأ، فهي تجارب لا تزال فتية ولم تصل إلى هذه الحالة بعد. أما في ما يتعلق بتكرار بعض النجوم فيها فأدافع عن هذا الأمر مؤكداً أن هناك ثنائيات أو مجموعة عمل تنجح أحياناً فلا مانع في أن تُكرر التجربة بشكل ذكي وجديد، وهي حالات موجودة في المسرح والسينما والتلفزيون، لا بل إنها تشبه إلى حد ما حالة «باب الحارة»... فهناك فريق عمل متكامل، والاعتماد على مجموعة عناصر عملت ضمن هذا اللون تحديداً لا أراه مشكلة طالما أنك تحقق النجاح من خلالها...