جردة حساب لحكومة عبدالله النسور
جو 24 :
ياسر شطناوي - ثلاث سنوات وثمانية أشهر أمضاها رئيس الوزارء السابق الدكتور عبد الله النسور في الدوار الرابع، شهد خلالها الكثير من المحطات البارزة والأحداث التي ترسخت في اذهان الاردنيين وسجلها التاريخ الاردني.
النسور الذي غادر منصبه الأحد الماضي سجل خلال فترة ولايته سابقة غير معهودة لرؤساء الحكومات الذين تعاقبوا في تاريخ الاردن، وذلك بتدوير اكثر من 70 وزيرا (معظمهم مكرر) في حقائب وزارية بعهده، ليكون بذلك أكثر رئيس وزراء غيّر وبدّل في تشكيلته.
البدايات
جاء تشكيل حكومة عبدالله النسور في 10 أكتوبر 2012، بعد إقالة حكومة الدكتور فايز الطراونة، تماشياً مع التعديلات الدستورية، والتي توجب إستقالة الحكومة بعد حل مجلس النواب، حسب المادة 74 من الدستور.
وأصدر الملك إرادته السامية بحل مجلس النواب في 3 أكتوبر 2012، تمهيداً لاجراء انتخابات مبكرة، لتقوم الهيئة المستقلة للانتخاب بإدارة الانتخابات والإشراف عليها وتحديد موعد إجرائها.
ورغم انتهاء فترة مجلس النواب لعام 2012 وقدوم مجلس النواب السابع عشر في عام 2013 ،استمر النسور في تسلمه رئاسة الدوار الرابع بعد مشاورات نيابية موسّعة وصفها البعض بالشكلية.
حالة من الغليان في الأوساط الشعبية اندلعت ضد سياسة حكومة النسور التي وصفت بأنها حكومة جباية، وما شهدته المملكة من ظروف صعبة خلال الشهر الأول من تسلّم النسور مهامه، حيث كان قرر رفع الدعم عن المحروقات في أول قرار استهدف جيب المواطن الفقير، لتبدأ بعدها موجة احتجاج واسعة عُرفت بـ"هبة تشرين" ورفع خلالها المحتجون شعارات ومطالب بسقف مرتفع لم يسبق أن رفعه الأردنيون.
في الاقتصاد
تركت حكومة النسور وراءها ملفاً إقتصادياً كبيراً أثقل كاهل المواطن الاردني بعد توالي قرارات رفع السلع والمواد الاستهلاكية والتي كان من أهمها أسعار المحروقات واسطوانة الغاز، إضافة إلى رفع أسعار التأمين ورفع أسعار الكهرباء ، ورفع أسعار الحديد والاسمنت.
كما عملت الحكومة المستقيلة على رفع أسعار قوائم المطاعم الشعبية، وأسعار الطحين، ورفع الضريبة على المكالمات والأجهزة الخلوية ، علاوة على رفع أسعار الرسوم على الملابس.
إن ما تركته حكومة الدين العام (حكومة دولة الدكتور عبدالله النسور) موجع للمواطنين، وتحمل المواطن أعباء جديدة، في الوقت الذي لا يسمح مجموع دخل الاسرة الاردنية لاستيعاب حصة الفرد الاردني من الدين العام والتي تقارب حدود خمسة الاف دولار، حيث بلغت قيمة الزيادة في الدين العام (7.45) مليار دينار لتلقي بظلالها بشكل مباشر على عاتق ما يقارب السبعة ملايين من المواطنين الاردنيين
مجموع الدين العام
وفي عهد هذه الحكومة المستقيلة وصل صافي الدين العام في نهاية الربع الاول من عام 2016 ارتفاعاً عن مستواه في نهاية عام 2015 بمقدار 496.1 مليون دينار أو ما نسبته 2.2% ليصل إلى حوالي 23344 مليون دينار أو ما نسبته 86.6% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لنهاية شهر اذار من عام 2016 مقابل بلوغه حوالي 22847.5 مليون دينار أو ما نسبته 85.8% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2015 أي بارتفاع مقداره 0.8 نقطة مئوية.
وأظهرت البيانات المتعلقة بالرصيد القائم للدين العام الخارجي (موازنة ومكفول) في نهاية الربع الاول عام 2016 ارتفاع الرصيد القائم بحوالي 131.1 مليون دينار ليصل إلى 9521.6 مليون دينار أو ما نسبته 35.3% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لنهاية شهر اذار من عام 2016 مقابل ما مقداره حوالي 9390.5 مليون دينار أو ما نسبته 35.5% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2015.
كما ارتفع صافي رصيد الدين العام الداخلي (موازنة عامة وموازنات المؤسسات المستقلة) في نهاية الربع الاول من عام 2016 ليصل إلى حوالي 13822 مليون دينار أو ما نسبته 51.3% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لنهاية شهر اذار من عام 2016، مقابل ما مقداره 13457 مليون دينار في نهاية عام 2015 أو ما نسبته 50.5% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2015، أي بارتفاع بلغ 365 مليون دينار.
في التشريعات
لعلّ حكومة الدكتور عبدالله النسور كانت الاسوأ بين نظيراتها فيما يتعلق باعادة صياغة التشريعات وبشكل استهدف المواطن الفقير أساسا وضيّق عليه في عيشه وحريته.
نذكر هنا أن حكومة النسور لم تقم بتعديل قانون المطبوعات والنشر المقيّد لحرية الصحافة بل إنها أعادت مبدأ توقيف الصحفيين عبر قانون مكافحة الجرائم الالكترونية، كما أن تلك الحكومة سنّت قانون منع الارهاب الذي يهدد بحبس أي مواطن متى ما شاء صاحب القرار ودون سبب وجيه حيث أن بنود القانون المجرّم كانت فضفاضة للغاية.
حكومة النسور قامت أيضا باقرار قانون انتخاب هجين لعلّه اسوأ من قانون الصوت الواحد، وضيّعت بذلك فرصة تعديل القانون ليصبح عصريا وديمقراطيا، كما أنها أقرّت قانون صندوق الاستثمار الذي يمكن وصفه بالمتعدي على السيادة.
وقامت حكومة الدكتور النسور بفرض تعديلات على نظام الخدمة المدنية جرّمت فيها الحراك العمالي، بالاضافة لتحويل نظام التعيين الى نظام عقود وصار أشبه بـ"العبودية.
التعديلات الدستورية
عدلت حكومة النسور الدستور مرتين خلال ثلاث سنوات ماضية ، الاولى كانت بتاريخ 17 من اب عام 2014 ، والتعديل الاخر بتاريخ 27 نيسان من عام 2016 .
وتضمن التعديل في عام 2014 - المادة 1 - يلغى نص الفقرة 2 من المادة 67 من الدستور ويستعاض عنه بالنص التالي : تنشأ بقانون هيئة مستقلة تدير الانتخابات النيابية والبلدية واي انتخابات عامة وفقا لأحكام القانون ، ولمجلس الوزراء تكليف الهيئة المستقلة بإدارة اي انتخابات اخرى او الاشراف عليها بناء على طلب الجهة المخولة قانونا بإجراء تلك الانتخابات.
المادة 2 يلغى نص المادة 127 من الدستور ويستعاض عنه بالنص التالي : المادة 127 : أ- تنحصر مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن وسلامته
ب- يبين بقانون نظام الجيش والمخابرات والشرطة والدرك وما لمنتسبيها من الحقوق والواجبات ج- على الرغم مما ورد في المادة 40 من الدستور، يعين قائد الجيش ومدير المخابرات بقرار من الملك.
اما التعديل الذي جرى عام 2016 والذي شمل على 6 مشاريع قوانين تمثلت بتعديل المادة 40 من الدستور باعتبار ما جاء فيها فقرة (1) واضافة فقرة (2) اليها بالنص التالي: على الرغم مما ورد في الفقرة (1) من هذه المادة يمارس الملك صلاحياته منفردا بتعيين الجهات التالية:
أ. ولي العهد
ب. نائب الملك
ت. رئيس واعضاء مجلس الأعيان
ث. رئيس واعضاء المحكمة الدستورية
ج. رئيس المجلس القضائي ح. قائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الدرك
كما تم تعديل المادة (50) من الدستور باعتبار ما جاء فيها فقرة (1) واضافة فقرة (2) اليها بالنص التالي: 1. إلغاء عبارة (أو وفاته) الواردة في الفقرة (1).
2. في حال وفاة رئيس الوزراء تستمر الوزارة برئاسة نائب رئيس الوزراء أو الوزير الأقدم حسب مقتضى الحال ولحين تشكيل وزارة جديدة.
اضافة الى تعديل الفقرة (1) من المادة (69) من الدستور بإلغاء عبارة سنة شمسية الواردة فيها والاستعاضة عنها بعبارة سنتين شمسيتين.
و تعديل المادة (127) من الدستور على النحو التالي:
اولا: بإلغاء عبارة (على الرغم مما ورد في المادة (40) من الدستور) الواردة في الفقرة(3) منها.
ثانيا: بإضافة عبارة (ومدير الدرك) بعد عبارة (مدير المخابرات) الواردة في الفقرة (3).
سياسة خارجية هشة
لم تنجح حكومة النسور بالتعامل مع القضايا الخارجية، وكان الصمت مطبقا دائماً عليها عندما يتعلق الامر بالاعتداء على اردني في الخارج، وتقودنا الذاكرة هنا الى الجريمة البشعة التي قام بها الاحتلال الصهيوني بقتل القاضي رائد زعيتر، والموقف السلبي الذي اتخذته الحكومة حيال القضية، والتحجج باجراء التحقيقات التي لم تعلن نتائجها حتى الان.
كما الحال في قضية الشهيد زعيتر لا يختلف كثيرا عن حال الزميل الصحفي المعتقل بالامارات تيسير النجار، والذي اعتقل على خلفية منشور له على فيس بوك، وما شهدناه من تراخ وعدم اكتراث لمحاولة اطلاق سراحه، تماما كما هو حال وزارة الخارجية مع الأسرى الأردنيين لدى الاحتلال الصهيوني.
كلّ هذا جاء إلى جانب دبلوماسية ضعيفة وهشّة قللت من دور وتأثير الأردن في مختلف القضايا الحاسمة التي تعيشها دول الجوار، فكنّا الحلقة الأضعف في كلّ الأحداث. كما فشلت تلك الدبلوماسية بايصال صوت الأردن ومعاناته نتيجة الازمات السياسية المختلفة التي تشهدها دول الجوار وبخاصة أزمة اللجوء السوري.
لم تنجح الحكومة بالتعاطي مع التهميش الخليجي رغم تقديمها كلّ شيء للأشقاء جنوبا وشرقا؛ امتثلنا لرغبات الأشقاء لكنهم لم يراعوا شيئا من واجباتهم تجاهنا وهذا بالتأكيد عائد لضعف في الدبلوماسية.
الحريات العامة
لا يمكن حصر القوانين المثيرة للجدل والتي اقرتها حكومة النسور المقالة، وتسببت بالتضييق على الحريات العامة، بالاضافة لما شهدته البلاد من اعتقال وتوقيف للنشطاء السياسيين، بما فيهم قيادات تيار المعارضة السلمية الأكبر.
قوانين منع الارهاب والجرائم الالكترونية والمطبوعات والنشر لم تكن الأمر الوحيد الذي قيّد الحريات، بل إن ممارسات عديدة كانت مثار سخط الشارع الأردني والسياسيين والحقوقيين، ولعلّ أبرزها التعامل الغريب مع ملف الاخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الاسلامي.
العلاقة مع النواب
لم تكن علاقة الحكومة مع مجلس النواب تسير بشكل ودي ومتقارب ، فقد برز بشكل كبير خلال السنوات الماضية عمق الازمة بين الطرفين ، حتى بات بعض النواب يرون ان الحكومة سعت بشكل واضح الى تهميش المجلس .
الكثير من المواقف التي اعلنها مجلس النواب صراحة حول سياسة التهميش المتعمدة التي تتخذها الحكومة ومنها ما اصدرته حكومة النسور من فتاوى في تفسير القوانين دون حضور المجلس ، ورفض الحكومة المتكرر برفض الرد على اللجان النيابية ، ناهيك عن تغييب الوزارء عن حضور اجتماعات لجان المجلس .
هذا خلافا لما جاءت به الحكومة التي نفت بالقطع مرارا نيتها أو سعيها للاستقواء على المجلس أو نزع أدواره الرقابية والتشريعية، وهو ما أكد عليه النسور مرارا وتكرارا .
و قدم خلال الدورة العادية الثالثة (292) سؤالاً و(9) استجوابات وطلبي مناقشة و(6) اقتراحات بقانون و(92) مذكرة نيابية ،حيث أجابت الحكومة على (220) سؤال ووردت الإجابة على (6) استجوابات وتمت الإجابة على (28) مذكرة نيابية.
التعليم العالي والتربية
شهد قطاع التعليم العالي خلال السنوات الثلاث الماضية انتكاسات متواصلة وحالة من عدم الانتظام التي شهدها التعليم العالي على مدار سنوات الماضية .
الحكومة المنحلة لم تعمل على تشخيص هذه العيوب وتصوبها ، حتى باتت الانتكاسات والتجاوزات في اوجها خاصة الوضع المالي للجامعات والكليات الاكاديمية .
نستذكر هنا التعديلات التي أدخلت على تشريعات التعليم العالي، والتي تمثلت بوضع بنود متعلقة باليات انهاء خدمات رئيس الجامعة والصلاحيات الممنوحة الى مجلس التعليم العالي مقارنة مع صلاحيات مجالس الامناء بالاضافة الى شكلية الاجراءات المتبعة في تعيين رؤساء الجامعات، بالاضافة لتغول وزير التعليم العالي الدكتور لبيب الخضرا على مجلس التعليم العالي وادارات الجامعات.
هذا التخبط التشريعي كان السبب باحداث حالة من التناقض بين المفاهيم وتعريف المصطلحات التي تنص عليها القوانين وبين الواقع الفعلي لادارة القطاع ومؤسساته.
الصحة
وعلى مدار السنوات الماضية من تولي حكومة النسور زمام الامور شهد القطاع الصحي اختلالات عدة ، تمثلت في ارتفاع حالات الاخطاء الطبية ، ونقص الكوادر في كثير من المراكز والمستشفيات و المستوصفات .
وبالرغم من السمعة الطيبة للاردن في قطاع الطب الا ان الحكومة المنحلة لم تؤسس لقواعد نجاح جديدة ، بل على العكس تماما تسببت بهجرة الكثير من الكفاءات الاردنية الى الخارج بعد حزمة القوانين والتعليمات .
وسارت حكومة النسور على خطى سابقاتها في التراخي الكبير بوضع قانون واضح للمسائلة الطبية ، وقانون يحمي الاطباء من الاعتداءات المتكررة .
الزراعة و المياه
اسهمت السياسة التي اتبعتها حكومة النسور بافلاس عشرات المزارعين ، واوصلتهم الى مستويات متدنية من الفقر بعد فرض المزيد من الضرائب عليهم ، ومنع تصدير منتجاتهم .
وشهد الشارع الاردني الكثير من الاعتصامات التي نفذها مزارعون والذين عبروا فيها عن سخطهم من سياسة النسور في افقارهم وتدمير القطاع عن بكرة ابيه .
ولم يتوقف الامر لهذا الحد بل فشلت حكومة النسور فشلا كبيرا في ملف احياء مصادر المياه واعادة صيانة السدود .
يسجل لحكومة النسور المنحلة ما قامت به من فرض عقوبات وغرامات على من يفتتح ابار جديدة ، وما رافق ذلك من ارتفاع اثمان المياه الدائمة الانقطاع .
الاستثمار
لم يحقق صندوق تشجيع الاستثمار اي تقدم يذكر على ارض الواقع ، بل ان الحكومة ممثلة باذرعها الرسمية عملت على اقرار تعليمات طردت المستثمرين من المملكة ، واخسرت الاردن ملايين الدولارات لفرضها رسوما اضافية على هذا القطاع الهام .
وبالرغم من اقرار صندوق الاستثمار في اخر ايام الحكومة المنحلة الا انه شابه الكثير من الاختلالات والهفوات ، اضافة الى افتقاره التعليمات و الاسس الثابتة في العمل به رسميا .
البطالة و العمالة الوافدة
وبلغ معدل البطالة في الاردن مع نهاية عام 2015 الى 13.8% لتكون بذلك قد وصلت الى مستويات غير مسبوقة وفقا للارقام الرسمية .
وبينت الارقام ان معدلات البطالة بين صفوف الشباب وصلت الى 11.1% فيما وصلت بين الاناث الى 25.1% .
وادى نقص التشغيل الذي تسبب به ضعف الانتاح إلى ازدياد معدلات البطالة وتراجع الدخل القومي، وانخفاض معدلات النمو التي لا تغطي حجم الزيادة السكانية المفاجئة في الأردن خلال السنوات القليلة الماضية، حيث استحوذت العمالة الوافدة على ما نسبته 50% من فرص العمل المتوفرة في السوق .