القدس في الوجدان الأردني.. كتاب للسواعير
(القدس في الوجدان الأردني) كتاب يعكف على اللمسات الأخيرة منه الزميل إبراهيم السواعير، راصداً في أكثر من خمسمئة صفحة من القطع الكبير احتفالية الأردن بالقدس عاصمةً للثقافة العربية عام ألفين وتسعة، الاحتفالية الأبرز عربياً، بسبب الوشائج القوية المتينة بين الأردن وفلسطين.
صدَّرَ السواعير الكتابَ، الذي قدّم له رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري، بقول جلالة الملك عبدالله الثاني: (نحن في الأردن الأقرب إلى فلسطين وإلى الشعب الفلسطيني، ومصالح الشعبين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية متشابكة ومترابطة، وكثير من الأسر الأردنية لها أخ أو قريب أو عزيز في الضفة الغربية، لذلك فإن كل ما يجري في الأراضي الفلسطينية يتأثر به الأردن).
يرصد هذا الكتاب أنشطة وزارة الثقافة الأردنية والهيئات والمؤسسات المعنيّة في احتفاليّة الأردن بالقدس عاصمةً للثقافة العربية، منذ انطلاقها عام 2009 وحتى ندوة القدس الدوليّة التي أقامتها الوزارة عام 2012.
في تقديمه للكتاب قال المصري إنّ البعد الثقافي والحضاري يشكل نقطة ارتكاز رئيسه في تاريخ القضية الفلسطينية. فمنذ بداية الاستعمار الصهيوني لفلسطين ، أدركت الحركة الصهيونية أن النجاح الموهوم لمخططها الظالم بحق فلسطين، لا يمكن له أن يتحقق، إلا بإلغاء الرابط الوطني الوجداني التاريخي بين الشعب الفلسطيني ووطنه فلسطين. ومن هنا أمعنت في تنفيذ خططها التفصيلية، والقائمة على مشروعات طمس الهوية الوطنية الفلسطينية أملاً في بلوغ هذا الهدف، وانتزاع الوطن الفلسطيني من ذاكرة أهله الشرعيين، باستخدام القوة العسكرية وتهجير الشعب الفلسطيني عن وطنه ، وممارسة أبشع سياسات الاستعمار الاستيطاني للأرض الفلسطينية، في مسعى يعتقد بإمكانية إلغاء واقع تاريخي متجذر، وإحلال واقع جديد مكانه.
وأضاف المصري: ومن أجل ذلك ، فلم تتردد الإستراتيجية الاستعمارية الصهيونية في العمل على اقتلاع الإنسان والشجر والحجر ، وإيجاد حالة حضارية مزيفة في فلسطين قوامها بيئة ثقافية وحضارية جديدة ذات مسارب سياسية واقتصادية واجتماعية طارئة لا ارتباط لها بالوجود التاريخي الحضاري الإنساني لفلسطين التاريخية . وقال إنّ السياسات الاستعمارية الظالمة أسهمت ومواقف الدول الكبرى في تمكين الحركة الصهيونية من تنفيذ معظم مخططاتها على الأرض وضد المواطن الفلسطيني المتشبث بأرضه وبحقوقه التاريخية ، مثلما أسهمت المواقف المتخاذلة للقيادات السياسية في العالمين العربي والإسلامي في إتاحة الفرص للمخططات الصهيونية لأن تجد طريقها للتطبيق ، باعتبار أنها مواقف تطغى عليها الشعارات المؤيدة لعدالة القضية الفلسطينية ، أكثر منها مواقف عملية ذات أثر على ارض الواقع .
وبالطبع ، فقد أدركت الحركة الصهيونية كذلك ، أن « القدس» وبما تمثل من ذاكرة عقدية دينية راسخة في الذهنية الإنسانية الفلسطينية بخاصة، والعربية والإسلامية بعامه ، لابد وان تكون محور الارتكاز لسائر خططها الاستعمارية ، فالقدس هي أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين ، وهي حاضنة المسجد الأقصى المبارك ، وكل حجر أو ذرة تراب فيها تحمل في ثناياها ، جملة مفيدة في التاريخ الفلسطيني والحضارة العربية والإسلامية والإنسانية ، ولهذا ، فقد تواصلت ومازالت ، المحاولات الإسرائيلية الصهيونية اليائسة لاجتثاث القدس من تاريخها وذاكرة الشعب الفلسطيني والعرب بعامه . وقال رئيس مجلس الأعيان إنّ تلك المحاولات استمرت يوميا عبر منهجية التهجير وتضييق سبل العيش وإقامة المستوطنات ومواصلة الحفريات حول وتحت أساسات المسجد الأقصى المبارك ، أملا في العثور ولو على حجر أو ذرة تراب يمكن من خلالها تزوير التاريخ بادعاء العثور على «الهيكل المزعوم» ، وان لم يكن ، فتقويض أساسات المسجد وتعريضه لخطر الانهيار بذريعة زلزال أو أي مبرر آخر .
وبرغم إدراكها العميق للحقائق ، ودهائها النادر في قلب الحقائق ، واستدرار تعاطف القوى الاستعمارية التقليدية الظالمة ، إلا ان الحركة الصهيونية تقارب الغباء كله حين لا تدرك أن القدس والمسجد وسائر المعابد الإسلامية والمسيحية في القدس وفلسطين ، ليست مجرد مبان يمكن بهدمها وتغيير معالمها طمس تاريخ وشطب حضارة وإلغاء وطن . فالأمر يتعدى ذلك ليجسد حقيقة غير قابلة للنقض حتى تقوم الساعة ، وهي أن في القدس عقيدة إيمانية راسخة ، وحالة حضارية مستمرة ، وذاكرة وجدانية لم ولن تُمحى ، مهما اشتد جبروت وصلف المحتل الغازي الفاقد لكل الشرعيات الإنسانية التي تعارفت عليها البشرية منذ فجر التاريخ . فالحركة الصهيونية وببساطة، كما رأى المصري، ، تقوم فلسفتها الاستعمارية لفلسطين على أساس ادعاء ديني لم ولن يكون بمقدورها إثباته ، في وقت تتناسى فيه ان مثل هذا الإدعاء لا يحمـــل قوة حق التملك لأرض الآخر ، لا بل فإن فلسفة الحركة الصهيونية دون سواها من حركات الكوكب وعبر التاريخ ليس لها من قوة المنطق نصيب على الإطلاق ، وإنما هي فلسفة آليتها الوحيدة هي منطق القوة العسكرية المجردة ، حتى في وسائلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة . فإسرائيل اليوم هي قلعة عسكرية بالكامل ، مما يفقدها أصلا صفة دولة وهي صفة تسعى لامتلاكها دون جدوى ، وعتاة الحركة الصهيونية يدركون هذه الحقيقة ، ولهذا وتشبثا واهيا بصفة الدولة ، فقد أطلقوا على إسرائيل اسم «دولة إسرائيل» .
وجد المصري أنّ من بين الحقائق التاريخية التي لابد للعرب والمسلمين من إدراكها ، حقيقة أن القرن التاسع عشر كان قرن النزاع بين القوميات ، وأن القرن العشرين كان قرن النزاع بين الأيديولوجيات ، أما القرن الحادي والعشرون ، فإن الخشية من أن يكون قرن النزاع بين الحضارات وربما الأديان ، ولا شك في ان «القدس» والنزاع عليها هي في صلب هذه الحقيقة .
ووفقا لهذا الفهم ،كما قال المصري، فإن العرب والمسلمين يتحملون مسؤوليات كبرى إزاء القدس وفلسطين ، حيث الشعب الفلسطيني الرازح تحت أبشع احتلال عرفه التاريخ ، بأمس الحاجة إلى مواقف عملية داعمة من شأنها المساهمة في دعم صموده ، وتمكينه من مواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية الظالمة التي تستهدف اقتلاعه من وطنه ، وإحلال يهود الأرض مكانه ، وطمس جوهر ومعالم الوجود الفلسطيني والعربي والإسلامي في القدس وسائر فلسطين.
رأى المصري أنّ المسؤولية العربية والإسلامية تجاه فلسطين والقدس ، تبرز اليوم أكثر من أي وقت مضى ، وذلك في ظل اشتداد المخطط الإسرائيلي الصهيوني الذي يستغل الظروف العربية والإقليمية والدولية ، لتنفيذ أهدافه على الأرض ، وهي مسؤولية لم تعد تقبل التردد أو التخاذل ، خاصة وأن التاريخ لا يعفي أحدا من مسؤولياته تجــاه شعب أعزل يواجه الاحتلال وأدواته ومخططاته بقوة الإرادة الرافضة للتخلي عن الوطن ، والمدافعة عن المقدسات الإسلامة والمسيحيــة نيابة عن الأمة. وما من شك في ان الدعم المادي السخي ، والدفاع الممنهج وعبر المحافل العالمية كافه ، ومساندة الإنسان الفلسطيني المتشبث بحقه والصامد على أرضه ، وإدامة وهج القضية الفلسطينية حضاريا وسياسيا وثقافيا وعلى كل صعيد ... هي من الأمور المفصلية التي تتطلب اهتماماً عربياً وإسلامياً أكبر.ومن الطبيعي أن البعد الثقافي المتصل بالقدس وعروبتها هو من المسائل بالغة الأهمية.
وعن قيمة الكتاب قال المصري: ولهذا فإن هذا الكتاب القيم الذي يوثق للاحتفالية الأضخم عربيا بمدينة القدس «احتفالية الأردن» يعد مساهمة مهمة في سياق الاهتمام المطلوب بالقدس والمقدسات ، خاصة وأن المؤلف بذل جهداً واضحاً يستحق التقدير في تناوله للنشاطات التي احتفت بالقدس وتداولتها من وجهة نظر ثقافية وسياسية واجتماعية وعمرانية وسكانية واقتصادية وتعليمية وبحثية ، بمشاركة علماء ومفكرين عرب وأجانب .
وقال رئيس مجلس الأعيان إن ارتباط الأردن بفلسطين والقدس على وجه الخصوص ، يشكل علامة بارزة في تاريخ العلاقة بين الأردن وفلسطين. ومن المؤكد أن للأردن دوره المميز في الدفاع عن القدس، وعن عدالة القضية الفلسطينية، وبالذات في مجال الحفاظ على عروبة القدس وصون مقدساتها وإعمارها. وما الإعمار الهاشمي إلا جهداً طيباً مباركاً في هذا الإطار.
وأضاف المصري أنّ هذا الكتاب لمؤلفه السواعير يستحق الاهتمام والإحاطة بمحتواه؛ بوصفه وثيقة قيمة تضيف جهداً نوعياً للمكتبة العربية والإسلامية ذات العلاقة بالقدس . وقال إنّ لوزارة الثقافة دورها وإسهامها المميز على هذا الصعيد، إلى جانب الهيئات العديدة العاملة من أجل القدس في الأردن . وهو دور لا بد وأن يتواصل ويتنامى لإذكاء شعلة الوعي الثقافي في مجمل الشؤون المقدسية، وبصورة تضامنية مع مختلف الهيئات المعنية في العالمين العربي والإسلامي. فلم يعد مقبولاً أبداً الاكتفاء بمجرد إصدار البيانات وإطلاق الشعــــارات التي تدين الهجمـــة الاستعمارية الصهيونيـــة على القدس وفلسطين، ولا بد للفعل العملي المخلص المؤثر، من أن يجد طريقه نحو مساندة كفاح الشعب الفلسطيني في مواجهة هذه الهجمة الظالمة، كي تحافظ القدس على ألقها الحضاري العربي والإسلامي، وكي يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة كاملة على أرض آبائه وأجداده، باندحار الغزاة وجلاء المحتل وعودة الحق إلى أهله.
وختم المصري تقديمه الكتاب بقوله: صحيح أن لمناسبة «القدس عاصمة للثقافة العربية» أثرها في دعم الهوية التاريخية للمدينة المقدسة، إلا أن الأهم من ذلك، هو استمرار زخم العمل الجماعي العربي والإسلامي لدعم عدالة القضية الفلسطينية، وكشف الزيف الصهيوني والصلف الإسرائيلي بحق فلسطين وشعبها المكافح، باعتبار أن ذلك واجب قومي وديني وأخلاقي لا بد وأن ينهض به كل عربي وكل مسلم على وجه الأرض.إذ من الغبن في جانب، والعار في جانب آخر، أن تترك فلسطين وشعبها ومقدساتها، نهباً لمخططات الصهاينة وأعوانهم، وعلى مرأى من سائر العرب والمسلمين وأدعياء التحضر ودعاة العدل والحق واحترام الحقوق في هذا العالم.
يشار إلى أن الكتاب مدعّمٌ بالصور وأعمال ندوة القدس الدولية ومؤتمر القدس الدولي، في اشتغال إعلامي وتوثيق لكلّ الأنشطة والندوات منذ عام 2009 وفي ما بعد، كما يشتمل على بانوراما تلخّص الحراك الثقافي في الأردن تجاه القدس تأليفاً ونشاطاتٍ واستضافات أدبية. وكان شارك في تقديم الكتاب وزير الثقافة السابق د.صلاح جرار وأمين القدس الحاج زكي الغول، وفي الكتاب حوارات قام المؤلف بإجرائها مع شخصيات مقدسية حول المناسبة. الرأي