أول مقابلة مع الشباب الذين حاولوا الإنتحار قرب الداخلية
جو 24 :
هم خمسة شباب أردنيّين لم يحالفهم الحظ في العثور على فرص عمل، ما دفعهم إلى التفكير في الانتحار، قبل أن يتمسكوا بأمل جديد
أنهى خمسة شبان أردنيّين رحلتهم الفاشلة في البحث عن عمل بشكل لافت. صعدوا إلى سطح مبنى مهجور في أكثر مناطق العاصمة ازدحاماً، مهدّدين بانتحار جماعي، في ظل ارتفاع معدلات البطالة في البلاد. هؤلاء الشبان الذين يقيمون في إحدى بلدات محافظة عجلون (76 كيلومتراً شمال غرب عمّان)، كانوا عازمين على الانتحار، لأنّ الحياة في ظل الفقر والحاجة لا تختلف عن الموت، هم الذين يقولون إنهم "يعيشون من قلّة الموت". وحده الأمل جعلهم يتراجعون عن قرارهم، بعدما وُعدوا من قبل فريق التفاوض الأمني بتأمين وظائف لائقة لهم.
التقت صحيفة "العربي الجديد" أربعة من الشبان الخمسة في بلدتهم عرجان في عجلون، وهم رائد السواغنة ومحمود السواغنة وسلامة بني سعيد وحسن الغرايبة. يخبرون أنهم، في 11 مايو/أيار الماضي، غادروا خمستهم البلدة قاصدين العاصمة بهدف البحث عن عمل. يقول رائد السواغنة (31 عاماً)، وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال، "لا فرص عمل في عرجان. فكرنا في الذهاب إلى العاصمة. قصدنا مطاعم وفنادق من دون أن نجد عملاً".
هذه النتيجة دفعت الشبان الخمسة إلى التفكير في الانتحار. يضيف رائد: "بعدما أغلقت كل الأبواب في وجوهنا، رأينا مبنى مهجوراً، وقررنا الصعود إلى سطحه والانتحار". على الرغم من شهرة هذا المبنى الذي يطلق عليه "مبنى الانتحار"، إلا أنّهم يصرون على عدم معرفتهم بذلك سابقاً.
ظل الشباب نحو ساعة على سطح المبنى قبل أن ينتبه إليهم المارة ويبلغون الجهات الأمنية التي هرعت إلى المكان، وصعد فريق تفاوضي إليهم لثنيهم عن الانتحار. يؤكد رائد أنّهم كانوا عازمين على الانتحار، لكنّ الوعد الذي قدّمه فريق التفاوض جعلهم يعدلون عن قرارهم. يضيف: "كنت أوّل من تراجع عن الانتحار، لأنّ الضابط الذي صعد إلينا حلف بشاربيه بأن يؤمّن لنا وظائف. ثم أقنعت الباقين بالتراجع".
قبل بدء معاناتهم مع البطالة، كان أربعة شبان منهم يعملون ضمن القوات المسلحة الأردنية، قبل تسريحهم من الخدمة العسكرية بسبب تجاوزات ارتكبوها. محمود السواغنة، لم يتمكّن من الالتحاق بالقوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية بسبب مشاركته في شجار حين كان مراهقاً.
تجدر الإشارة إلى أنّ الأغلبية العظمى من سكان البلدة يلتحقون بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، حالهم حال معظم سكان المحافظة، فيما يعمل الباقون في وظائف حكومية أو في قطاع الزراعة. وتعدّ نسبة البطالة والفقر في المحافظة السياحية، التي توصف بـ"رئة الأردن" بسبب الغابات التي تغطيها، مرتفعة. بحسب الأرقام الرسمية، تبلغ نسبة البطالة في المحافظة 11.4 في المائة، فيما تقدر نسبة الفقر بـ25.6 في المائة.
لم يدفع رائد بدل إيجار منزله لمدّة عام، وهو مهدّد بالطرد في أي لحظة. يقول: "لا أعرف أين أذهب في حال طردت من البيت. كل ما أريده وظيفة لأعيش وعائلتي". من حين إلى آخر، يعمل في مجال نقل الحجارة أو الباطون أو تركيب الخيام، إلا أنها أعمال لا تتوفّر باستمرار.
يكشف أنّ محاولة الانتحار هذه لم تكن الأولى. قبل عام، رمى وابن عمه محمود نفسيهما من أحد المباني. يقول الأخير: "حين كنت في الـ13 من عمري، شاركت في شجار. وبسبب هذا الأمر، لم أتمكن من الالتحاق بالجيش". اليوم، يعيش من دون أمل، مضيفاً: "يستحيل أن ألتحق بالجيش. لماذا أعيش إذاً؟".
أما بني سعيد، فيعزو فشله في الحصول على عمل إلى عدم رغبة أصحاب العمل في توظيف أردنيين. يقول إنّ "أصحاب العمل يرغبون في تشغيل سوريين ومصريين لأن رواتبهم أقل". لا يبدو متفائلاً بالوعود. بعد لقائهم مندوب وزارة التنمية الاجتماعية في المحافظة في اليوم الذي تلا محاولتهم الانتحار، أخبرهم بأن يبحثوا عن عمل "نقول له إنّ الوظائف غير متوفّرة، وهو يطلب منا أن نعمل".
حال الغرايبة ليس أفضل من رفاقه. يقول إنّه "يعيش من قلّة الموت". في الوقت الحالي، يؤمّن مصروفه من خلال العمل في قطاع البناء وأحياناً العتالة. يضيف: "حتّى أهلي لا يساعدونني. يقولون إنني شاب وقادر على العمل". ينتظر الشبان تنفيذ وعود تشغيلهم، مؤكدين أنّه في حال عدم وفاء الجهات الرسمية بوعودها، وعدم عثورهم على عمل، لن يتردّدوا في الانتحار. "إذا كانوا قد اعتقدوا أننا نمثّل في المرة السابقة، سيعرفون أننا جادون في المرة المقبلة".
شهدت السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في عدد المنتحرين. وبحسب أرقام إدارة البحث الجنائي التابعة لمديرة الأمن العام، شهد عام 2011 نحو 39 حالة انتحار، ليرتفع العدد إلى 86 حالة في عام 2012، ويصل إلى 108 حالات في عام 2013، ويتراجع قليلاً بعدها إلى 100 حالة في عام 2014. أما العام الماضي، فشهد 113 حالة انتحار. علماً أنّ لا إحصاءات حول عدد الذين يهدّدون بالانتحار، باستثناء إحصائية للمركز الوطني لحقوق الإنسان صادرة عام 2013، أشارت إلى تهديد 417 شخصاً بالانتحار بسبب رغبتهم في الحصول على عمل، أو احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية.
في السياق، تنتقد أستاذة علم النفس، فداء أبو الخير، التقليل من خطر الانتحار. تقول: "عادة، ينظر إلى كلّ من يقدم على الانتحار على أنّه مريض نفسي. وهذا ظلم. لا يقدم كل مريض نفسي على الانتحار". وتوضح أنّ بعض المصابين بالاكتئاب الشديد أو الفصام أو الذهان قد يقدمون على الانتحار، لافتة إلى أنّ ثمّة أسباب عدة قد تدفع الإنسان إلى الانتحار، منها المشاكل الاقتصادية كالفقر والبطالة والمشاكل الاجتماعية وغيرها.
وتشرح أبو الخير دوافع الانتحار من الناحية النفسية، قائلة إنها "تشوّهات معرفية. مثلاً، تطبّق أفكار مغلوطة بطريقة تحتمل التعميم على غرار: ليس لديّ واسطة، ما يعني أنني لن أجد عملاً. فلماذا أعيش"؟. تضيف: "أحياناً، تتمثل التشوّهات المعرفية التي تدفع إلى الانتحار في المثالية الزائدة أو السعي إلى الكمال المطلق". تضيف أنّ "التعرّض لإساءة وإدمان المخدرات والتقليد (على غرار تقليد الأطفال ما يشاهدونه على التلفاز)، كلها عوامل قد تؤدي إلى الانتحار". وترفض أن يتحوّل الانتحار إلى ظاهرة حتى تتدخل السلطات.