جريدة الحق يعلو جاءت لتكمل مسيرة جريدة القبلة

كتب شفيق عبيدات - 

كانت جريدة القبلة التي وصلني منها حوالي تسعة اعداد من صحفنا الاردنية , الرأى والدستور والغد , تصدر في مقر الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه , ويشرف على تحريرها محب الدين الخطيب كما هو موثق على راس صفحتها الاولى .

وقد طبعت جريدة القبلة على مطابع في ذلك الزمن بديات القرن الماضي , وهذا الشي مهم ان يكون في الحجاز مطابع في حين ان شرقي الاردن لم يعرف اي نوع من المطابع الا عام 1923 عندما قام المرحوم محمد الشريقي بزيارة الى مدينة القدس لاحضار مطبعة نقلت بواسطة ( البغال ) كما جاء في كتاب عامان في عمان للاديب محمد الانسي , وذلك بهدف طباعة جريدة الشرق العربي التي بقيت تصدر حتى عام 1927 بعد ان تحولت الى (الجريدة الرسمية ) لنشر القرارات والارادات وكل الاعلانات التي تصدر عن الدولة الاردنية وهي لا تزال تصدرحتى الان من رئاسة الوزراء والمدير المسؤول عنها الاخ عادل الشرمان .

وعندما وصل المغفور له الملك عبدالله ابن الحسين من الحجاز الى الاردن وحط رحاله في مدينة معان , اراد ان يكمل مسيرة جريدة القبلة التي توقف صدورها بعد اعلان الثورة العربية الكبرى التي نحتفل نحن الاردنيون هذه الايام بمرور (100) عام على اطلاق الرصاصة الاولى , وذلك باصدار اوامره من معان لاصدار جريدة اسماها ( الحق يعلو ) لتكون الناطقة باسم الثورة العربية الكبرى .

وصدر من هذه الجريدة خمسة اعداد فقط , ثلاثة اعداد صدرت في مقر الامير عبدالله في معان , وعددان صدرا في مقر الامير عبدالله في عمان .

واصدر سمو الامير عبدالله انذاك في عام 1920 ميلادية اي 1339 هجرية اوامره للسيد محمد الانسي الذي جاء الى معان مع احرار بلاد الشام من سورية ولبنان وفلسطين والعراق الذين التحقوا بسموه للوقوف الى جانبه ودعمه لتأسيس الدولة العربية التي كان يريد اقامتها في بلاد الشام .. واصدر سموه اوامره للاشراف واصدار جريدة ( الحق يعلو ) التي كان يرى فيها سموه انها ستكمل مسيرة جريدة القبلة , الا ان عدم توفر وسائل الاستمرار لهذه الجريدة من حيث المطبعة والكادر الذي يعمل فيها اوقفها عند خمسة اعداد فقط .

كانت وسيلة اصدار جريدة ( الحق يعلو ) التي أشرف على اصدارها كما ذكرت السيد محمد الانسي يساعده السيد عبد اللطيف شاكر , هي عبارة عن لوح من الشمع كان يسمى ( البالوظه) والحبر وقلم من المعدن مدبب الراس , ويستخدم لحفر الكلمات على لوح من الشمع ويطمس الكلام بمادة الحبر , ثم ياتى بالورق الابيض لطبع مجموعة من النسخ مكونه من صفحة واحدة او صفحتين .

وكان هدف سمو الامير عبدالله انذاك ارسال هذه النسخ التي كانت تحتوى على بعض القصائد لسموه , ودعوات لاحرار العرب للالتحاق بسموه وبعض الاخبار التي تحدث في المنطقة والعالم واخبار عن تكريم بعض القادة من قادة الثورة وذلك بالانعام على بعضهم من قبل ملك العرب المغفور له الحسين بن علي مثل ..سعادة سعد باشا خير برتبة امير لواء مع تهاني جلالته الخالصة له .

ونشرت الحق يعلو التي صدرت في مقره في عمان يوم الاثنين المواقف 27 جمادي الثاني عام 1339 هجرية كلمة وداعية مؤثرة القاها سمو الامير عبدالله وهو يودع الاهل والمقاتلين وبعض القادة مغادرا مدينة معان متوجها الى عمان , جاء فيها : (( كلكم يعلم ما جرى في البلاد .. واننا نرى دماءنا واموالنا رخيصة في سبيل الوطن وتخليصه , ولقد قطعتم الفيافي والقفار والتحقتم بنا للذب عن البلاد والاعراض , وقد كان سعيكم سعيا مشكورا وعملا مبرورا , وهذا شاني فيكم وأحيي شعوركم الصادق ... اني الان مودعكم واود ان لا ارى بينكم من يعتري الى اقليمه الجغرافي بل احب ان ارى كلا منكم ينتسب الى تلك الجزيرة التي نشأنا فيها وخرجنا منها , والبلاد العربية كافة هي بلاد كل عربي .. الخ )) .

كما نشرت جريدة الحق يعلو قصيدة شعر في عددها الذي صدر في معان يوم السبت المواقف 18 جمادي الثاني عام 1339 هجرية , وجاء بالقصيدة بامضاء ( قتادة زيد ) وهو اسم مستعار لسمو الامير عبدالله جاء فيها :

وان قصدت سراة العرب تندبهممنهم امامك للارواح قد بذلوا

تلك السراة وان رام الطغاة بها شرا وخانوا حقوق العهد لا تكلوا

فلم تتخل ابدا عن اصل مبدأها وليس يعرو قواها الوهن والفشل

تواصل السعي لا يثنى عزائمها خلف الوعود ولا التسويف والحيل

في كل وقت لها سعي يناسبه وخطة ملؤها الاقدام والعمل

هذه نماذج مما نشرته جريدة ( الحق يعلو) اول جريدة اردنية صدرت عام 1920 ميلادية , وانني احتفظ باعدادها الخمسة التي صدرت في معان وعمان , بعد ان عثرت على هذه الاعداد من ورثة المرحوم عبد اللطيف شاكر وانا اعد رسالة الماجستير التي حصلت عليها عام 1983 .