أهل السُرى لابراهيم الكوني شيء من الحوار والتأمل وكثير من الرؤية الفكرية
جو 24 :
صدر أخيرا لدى "دار سؤال" مؤلّف "أهل السُرى" للكاتب ابراهيم الكوني المتحدر من ثقافة الطوراق والذي بلغ من طريقها ثقافة العالم.
في هذا العنوان، يواصل الكوني حرفة الإستفهام عن الناس وأحوالهم معرّجا هذه المرة على أهل السُرى الذين يصيبهم التنقّل كعدوى ولا يستطيعون أن يراوحوا مكانهم.
لا يختلف منحى الكتاب عن مناخ الكوني التأليفي حيث يلتئم التنظير والتأمل والحوار مع المؤلف مع مداخلات الكاتب في أكثر من مناسبة، فيصير أهل الترحّل نموذجاً يمكن القياس عليه بغية فهم عالمين يتنازع من الجهة الأولى سكان المكان الواحد وما يترتب على ذلك من مفاهيم، وسكان الأماكن المتعددة من جهة ثانية، وبين الفئتين لا بدّ من الإحاطة بماهيّة الفرد والتحديات التي يواجهها.
بين دفتي الكتاب نمرّ بمحطات من قبيل "ملاحظة في شأن المواطنة" و"هامش آخر في شأن الملاحم" إلى رسالة وجهها الكوني إلى إنسان ليس من هذا العالم وكانت نُشرت في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية في 2011 ناهيك بجموعة من المداخلات ألقى أولاها الكوني في البحرين وتناولت الواقع الذي نسكنه في مقابل الواقع الذي يسكننا وثانيها عن العدالة الإنتقالية وكانت ألقيت في مؤتمر في صوفيا.
نصل كذلك في سياق الكتاب المتعدد والذي يمكن التمهل عند أشكاله المختلفة، إلى تأمل في الثورة حيث يكتب الكوني "الثورة حلم رومانسي وهي كحلم مخيّبة دوما للآمال، لأنها تلك الضرورة التي تخون نفسها، لأنها تتبنى نهج من سبقها ولهذا السبب يقال إنها أفيون المثقفين" ممهدا لمجموعة من الإقتباسات في هذا الشأن. يروح بعدذاك يستعين بأرسطو وبردياييف وغوركي وبيسمارك وبواست ودانتون وآخرين من المتمهّلين عند هذه الثيمة.
بين الهنا والهناك بين الإنتماء إلى المكان الإعتيادي والقريب وبين التطلع الى المكان الآخر المخيف بعض الشيء والمثير للإهتمام كثيراً، بنى الكوني منطق رواياته وها إنه يدين للمقاربة عينها حين يأتي بأحدث إصداراته. وليس أفصح من الكاتب نفسه حين يردّ على سؤال صحيفة "ذي غارديان" في حوار يتضمّنه الكتاب، ليشرح عن مفاتيح عالمه الكتابي فنقرأه يؤكّد "كل كتبي نطفة من صلبي، أي انهم أبنائي برغم تعدد الزوايا التي يرصدون بها القضية المركزية الواحدة".
"النهار"