رمضان يعيد إحياء مهنة السقا في المدينة ومكة المكرمة
رغم توافر مياه الشرب داخل الحرم المكي والنبوي عن طريق المبردات المنتشرة في جميع أرجاء الحرمين الشريفين، لكن هذا لم يثن بعض أهالي مكة المكرمة والمدينة المنورة عن ممارسة مهنتهم السنوية المفضلة والمتمثلة في "السقا"، حيث يجوبون ساحات الحرم بهدف خدمة الزوار والمعتمرين عبر سقايتهم الماء البارد.
الباحث في التاريخ سعود محسن أوضح في حديثه لـ"العربية.نت" أن تاريخ مهنة "السقا" يعود إلى قرون خلت، حيث كان أهالي مكة المكرمة والمدينة، وكذلك الحجاج والمعتمرون يعتمدون على جلب وتوزيع الماء من الآبار والعيون، من خلال "السقا" وهو الشخص المسؤول عن نقل المياه إلى المنازل لعدم وصول المياه إلى هذه الأماكن.
وقال سعود: "إن حاجة الإنسان إلى الماء دفعته منذ القدم إلى الاهتمام بمصادر المياه ولهذا ارتبطت بمياه الشرب مجموعة من المهن القديمة، التي ظلت سائدة لعهود ثم انقرضت لتطور الحياة"، مضيفاً أن أهالي مكة والمدينة كانوا يعتمدون اعتمادا كليا على السقائين في توفير المياه لبيوتهم، لصعوبة الوصول للمياه في ذلك الوقت، بسبب التضاريس الجبلية المحيطة بهم، وهو ما صنع للسقا مهنة سيادية وجعله جزءا لا يتجزأ من حياة المنازل.
وأشار سعود إلى أن السقائين كانوا يحملون الماء على ظهورهم عبر قِرب مصنوعة من جلد الماعز محكمة بأربطة من الحبال، وعادة ما يرتدي السقا سترة جلدية فوق ملابسه ليتيح له سرعة الحركة ولحمايته من تدفق الماء عليه، حيث كان يقوم بوضع الماء في أزيار كبيرة حتى يبرد، ومن ثم يتم نقله إلى داخل الحرم، كما يجوب البيوت لسد احتياجاتها اليومية من الماء.
وتابع سعود: "وإن اندثرت هذه المهنة، فإنها تطورت وأخذت تمارس بطرق أحدث وبأشكال مختلفة ومن ضمنها الشباب (السقايين) حيث ينتهز الكثير من المتطوعين الشباب من أهالي مكة والمدينة فرصة حلول شهر رمضان المبارك، لخدمة الحجاج والمعتمرين عبر ممارسة مهن متعددة، ومن ضمنها مهنة السقا، حيث ينتشر الكثير من الشباب بين ساحات الحرم وأروقته ليسقوا الزوار، في صورة تُعيد إلى الأذهان شهر رمضان المبارك في بلاد الحرمين قديماً".
اليوم، تزدحم أروقة الحرم المكي والنبوي وساحاته قبيل الإفطار وحتى صلاة الفجر بمئات الآلاف من المعتمرين والزوار، فيما يتنافس الشباب السقاؤون فيما بينهم لخدمة ضيوف الرحمن، منذ دخول وقت الإفطار في رمضان وقبل أذان الفجر، حيث يعملون على توزيع الماء البارد سواء من ماء زمزم أو ماء الورد، وبعضهم يرتدي اللباس التقليدي من البقشة والعمامة والسديرية، ليضف بذلك أجواء مميزة لشهر رمضان في الحرمين الشريفين.