باب الحارة والدراما الداعشيّة
شيل المزح عا جَنب، تصوّر أنك شخص لا يشاهد التلفزيون أو أقلّه الأعمال الدرامية العربية، أو أنك مثلاً عربي مهاجر إلى السويد منذ أكثر من 10 سنوات ولم تشترك في خدمة الدش بعد، أو واقع في أيّ سيناريو آخر يمنعك من متابعة مسلسل باب الحارة... وأنت في هذه الحال، قلتُ لك أنّ هناك مسلسلاً عربياً يروي حياة مجموعة من البشر تعيش في حارة معزولة عن العالم بباب خشبي سرمدي، جماعة لا تؤمن بحكم القانون وتأخذ حقّها بحدّ خنجرها، وتمنع الجنس اللطيف على جميع أشكاله من الحياة الاجتماعية، وتفرض على كلّ النساء والبنات اللباس الشرعي والخضوع الكامل لسلطة الرجل، وتعتمد بشكل أساسي على حكم رجل الدين في فضّ خلافاتها وتسيير أمورها، ولا تنغمس مطلقاً في ملذات الحياة بل تشغل نفسها دائماً بالمشاكل مهما كان حجمها... بشرفك، بعد أن تسمع كلّ هذه التفاصيل، ماذا يمكن أن تقول عن هذا العمل الدرامي؟ أمّا كنت لتَصفَه بالداعشيّ؟
وحتى لا تذهب مخيلتك لبعيد، نحن نتحدّث هنا عن الداعشية الاجتماعية حصراً، بعيداً من كل الاجتهادات السياسية والايديولوجية التي يمكن أن ينتشلها البعض من هذا المسلسل أو غيره. ونحن نتحدّث عن عمل درامي سوري يتمّ بثّه بشكل متواصل خلال شهر رمضان منذ 8 سنوات.
أمضى باب الحارة على الشاشة وقتاً أطول من فترة الانتداب الفرنسي، أمضى 8 مواسم يتناول نفس الموضوعات وبنفس العقلية الرجعية والميسوجونية المضخّمة، أمضى كلّ الاهتمام الذي منحه إيّاه المشاهد في تحقير المرأة وتسليعها وتشييئها ومنحها شهادات امتياز في طبخ "حرّاق إصبعو" و"الشاكرية"، وإلقاء اللوم عليها في سوء التربية وجَلب النحس وفضح العرض والتأثير بشكل مباشر في حركة الكواكب والنجوم.
إذا كان الخبيط بيعلّم الدبّ يرقُص، وإذا كان التكرار بيعلّم الحمار... فما المقصود من عَلّ قلب المشاهد في بثّ نفس الرسائل المهينة لصورة المرأة، المرأة كأمّ ومربية ومُرشدة ومدبّرة؟ وما النتيجة المفروض لَمسها في الشارع وفي المجتمع حتى يكفّوا عن غسل أدمغة البسطاء وغير المثقفين والراديكاليين والمستعدّين لاعتناق أي "دوغما" جديدة بهذا الكمّ من الرسائل المضلّلة والمخرّبة؟
أحيا المخرج الأموات من القبور وقلبَ أدوار الممثلين وصوّرَ ما لا يمكن تركيبه على قوس قزح، ووصلنا إلى الجزء الثامن من باب الحارة بالكاد نقدر أن نربط الممثل بدوره، فلا معتزّ معتزّ ولا دلال دلال ولا هذا ذاك، والحابل مَخلوط بالنابل... ومن أجل ماذا؟
من الجميل أن يحافظ الرجل الشرقي على عنفوانه ونخوته ووطنيته، لكن من المعيب على هذا الرجل أن يربط شرفه وعرضه وكرامته بحرية امرأته وابنته ووالدته ويحرمهنّ إيّاها كرمال راس أركيلة وجَلسَة مع الحكواتي.
ماذا تريدون حتى تتوقفوا عن إنتاج تخلّف الحارة؟ هل تريدون اعتذاراً من الفرنسيين؟ هل تريدون إلغاء شهر رمضان؟ هل تريدون نحر جميع النساء؟ بَس قولو وخَلصّونا... ألله يردّ عَنكُن.
(جوزف طوق - الجمهورية)