ألواح رومانية خشبية تكشف أسرار مدينة الضباب
يمكن الآن سرد اللحظات الأولى لقصة لندن، باعتبارها مدينة حدودية على هامش الإمبراطورية الرومانية، بعد أن عثر الباحثون الآثاريون على لوحات خشبية مغطاة بالشمع، تضم أقدم كتابات يدوية في بريطانيا.
وتظهر الألواح أن لندن اعتبرت آنذاك مكاناً سيئ الصيت، يضم تجاراً لا يتمتعون بسمعة حسنة، ومتمولين يفتقرون إلى حسن التقدير، وجمهوراً مولعاً بالمرح. ولكن الأمور تتغير. فالألواح الخشبية التي كانت تغطى بالشمع للسماح بالكتابة عليها، اكتشفت أسفل موقع لحانة ومطعم هدما لإفساح المجال لفتح مكتب لشركة «بلومبيرغ» للإعلام.
الشمع اختفى منذ زمن بعيد، ولكن بقية الكتابات المسجلة في الخشب، ألقت الضوء على حياة الشعراء والجنود المتمردين والتجار والطلبة.
ويرجع تاريخ أقدم لوح إلى الفترة ما بين عامي 43 و53 ميلادية. وتكشف النطاق عن المدينة، باعتبارها ملاذاً لرجال الأعمال قبل عشرين قرناً من انهيار سوق الأسهم، بفعل الرهون عالية المخاطر.
وهذه النقوش موجودة على لوح من بين 405 ألواح، أخرجها الباحثون التابعون لمتحف لندن للآثار من موقع قرب «مانسيون هاوس». ومن هذه الألواح، هناك 87 لوحاً تضم كتابات أمكن كشف أسرارها في عملية اقتضت جهوداً مكثفة استغرق كل لوح منها أسبوعاً لكشف أسراره.
أكثر اللحظات إثارة
وقال روجر توملين، الخبير الذي عمل على فك شفرات الألواح، إن أكثر اللحظات إثارة، كانت قراءة النقش الذي يظهر كيف تعافت لندن وسانت ألبانز من تدميرهما على يد الملكة بوديشا، زعيمة قبيلة آيسني. وهذا اللوح الذي تميز بتاريخ يعادل الحادي والعشرين من أكتوبر عام 62 ميلادية، يحدد ملامح صفقة بين تجار حول كمية كبيرة من الطعام.
ومكتوب على هذا اللوح: «لقد تعاقدت مع غايوس فاليريوس بروكوليوس، على أن يجلب من فيرولميم، عشرين حمولة من المواد الغذائية. وكتب أن قيمة تكلفة النقل تبلغ ربع دينار لكل نقلة». وتحتوي الألواح على 100 اسم، بما فيها «تيرتيوس معد الشراب»، الذي يعتقد علماء الآثار، أنه هو نفسه دوميتوس تريتيوس صانع الشراب الغني.
وتتحلل الأشياء الخشبية على الدوام تقريباً في التربة. إلا أن الألواح نجت، لأنها طمرت في الأرض من دون أكسجين في نهر وول بروك، وهو نهر مفقود، تحول إلى قنوات أخرى.
دراسات كلاسيكية
وهناك لوح نقشت عليه الحروف الأبجدية فقط، الأمر الذي يشير إلى أنه استخدم من أجل التدرب على الكتابة، ربما من قبل طفل. وتمكن دكتور تومالين، من قراءة الرسائل المكتوبة على الألواح بعد تصويرها، فيما الضوء مسلط عليها فقط من زاوية منخفضة من أربعة اتجاهات. ومن ثم، تم عرض الصور الأربع بعد ذلك رقمياً. وقال الاختصاصيون في الدراسات الكلاسيكية، إن هذه العملية تشبه فك الشفرات الرمزية. وأشاروا إلى أن الأمر يشبه حل الألغاز. وعقب أكثر من 19 قرناً، أمكن تخيل شكل الأشخاص الذين أسسوا مدينة لندن الجديدة آنذاك. ومن المقرر أن تعرض الأشياء التي تم استخراجها في مبنى «بلومبيرغ» الجديد، في معرض يقام عام 2017.
وبحسب ما اكتشف من ألواح مدفونة تحت سطح الأرض، فإن أول مرة كتبت فيها كلمة «لندن»، كانت قبل 50 عاماً من إتيان المؤرخ تاسيتوس على اسم هذه المدينة. ووجد اسم «ترتيو براسيريو» مكتوباً على لوح آخر، وهو من صانعي المشروبات. وعثر على لوح ثالث كتب عليه مقولة: ناشدتك بالخبز والملح، أن ترسل إلي في أقرب وقت ممكن 26 ديناراً في شكل أنصاف دنانير. وعشرة دنانير في صورة البيتاريو.
ولا يطلب كاتب الكلمات، إعادة دفع الدين فقط، وإنما يذكر المقترضين بإسداء خدمة فقط. وكلمات أناشدك بالملح والخبز، تعني في صدد حسن الضيافة شراء غداء لأحدهم.