سبق في البلقان جيروكاسترا مدينة الحجر.. قصة مسجد وحيد وتاريخ فريد
جو 24 :
تعدّ مدينة جيروكاسترا في جنوب ألبانيا من جواهر التراث الثقافي العالمي. مع اقترابنا منها كان طابعها التاريخي أكثر حضوراً. يقال إنها تختزل الحضارة الألبانية والهندسة المعمارية البلقانية. هذه المدينة التي عُرفت بأنها مسقط رأس طاغية الشيوعية الزعيم الألباني السابق أنور خوجة.
هذه المدينة يقول عنها الشيخ أرماند إسلامي، وهو بالمناسبة مفتي المدينة وهو شاب صغير السن وما زال أعزب، يقول لـ"سبق": مدينتنا هذه تعود آثارها إلى ما قبل سبعة قرون. وبها آثار كثيرة تعود لوجود المسلمين، وفيها شواهد كبيرة على مدى التعايش بين المسلمين والنصارى وغيرهم".
في الطريق إلى المسجد تبهرك الأزقّة الحجرية الجميلة، وكذلك المباني القديمة. يضيف "إسلامي" وهو يتوسط بعض الأصدقاء في باحة المسجد: الحمد لله عدد المسلمين في تزايد. في الماضي بُنيت هذه البيوت من الأحجار وفي هذه المدينة فقط كان لدينا 13 مسجداً، ومع مجيء النظام الشيوعي بقي مسجد واحد حيث دُمّر البقية.
وعن النشاط الذي يشرف عليه المفتي الشاب: "نعمل على تعليم القرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي، وهناك أيضاً المدرسة التي تقوم بدور فاعل. والحمد لله المسلمون في تزايد، وتصلنا تبرعات من جهات عربية عديدة".
وتقع هذه المدينة الجميلة في وسط المنطقة التاريخية التي تسمى (إبيريوس). ويصنّف تراثها على النمط العثماني، ويقول السكان المحليون إن من بناها هم المزارعون الأثرياء وقتها.
وجغرافياً هي في وادٍ بين جبل ونهر. الجبل على ارتفاع يقارب 300 متر فوق سطح البحر. وتحتضن المهرجان الوطني الفلكلوري كل خمس سنوات، وبها جامعة تحمل اسم أبرز كتابهم "أكرم تشابي".
تُلقب بمدينة الحجر، وتعدّ متحفاً تاريخياً مفتوحاً كما تصفها اليونسكو. ومجرد جولة في أزقّتها الضيقة المرصوفة بالحجارة والمرصّعة بالمحالّ الشعبية على الجانبين تعيدك لزمن جميل، وتنثر في داخلك المتعة وكأنك تتنقل في مدينة طليطلة في الجنوب الأندلسي.
في المدينة كغيرها من مدن ألبانيا ترى ملامح التعايش؛ فالمساجد إلى جانب الكنائس أو قل العكس إن شئت. الحصون والقلعة الشهيرة تاريخ يتحدث.
يتحدث الأهالي عن فترة الشيوعية التي خلّفت فوضى كبيرة. غير أن بعضهم يذكر أن كون الطاغية الشيوعي "خوجة" من أبناء الجيوكاستريين منح أبناءها والجنوبيون بدرجة أقل صورة أقوى في مقابل تاريخ يرى أن أبناء الشمال في فترة الملك أحمد زوغو منحوا نفس الشعور. المدينة الآن من أبرز أهداف السياح. "خوجة" كما يقول التاريخ جعل للمدينة قيمة كبيرة بل حوّل بيته الذي وُلد فيه إلى "مزار".
ومن الأمور التي قد تلاحظها وجود ما يشبه الصومعة الحجرية -إن صح التعبير- ويقال إنها بُنيت من قبل النظام للجوء لها عند الحاجة في مواجهة الأعداد، وهي منتشرة في نواحي ألبانيا.
مدينة جيروكاسترا محتفظة بطراز مميز لبيوتها الحجرية، وحصلت على شهرة كبيرة من خلال روايات ابنها كاداريه لخوجا الشهير.
الأيام دول. فقد سقط "خوجة" ونظامه المأفون. وخسرت المدينة الحظوة، لذا تسلل الإهمال إليها، وإن حافظت على طابعها المعماري، وهي تحصل على صيانة شبه دورية من وزارة السياحة والثقافة.
السوق القديم في المدينة يعود في مظهره الحالي إلى قرابة 300 سنة. أما قلعة أرجيروس التي تطل بشموخ على جسر علينا فهي مفتوحة برسوم رمزية للزوار، وإن لم يتم تهيئتها داخلياً بما يليق بمعلم سياحي.
المدينة يتضمّن تاريخها سيطرة عثمانية عام 1417م ثم احتلتها اليونان قبل أن تعود للألبان عام 1913م. في المدينة التسوق له نكهته الخاصة والتذكارات جميلة جداً. وهناك فنادق وخدمات سياحية جيدة.