التلوث الضوئي يحجب أضواء النجوم
عندما أطل فان غوغ من نافذة المستشفى النفسي الذي كان يقيم فيه في سان ريمي عام 1889، رأى النور الساطع لنجوم لا تُحصى في سماء جنوب فرنسا، ما ألهمه برسم لوحته الشهيرة «ليلة النجوم».
لكن مليارات البشر محرومون الآن من الاستمتاع بضوء النجوم، بعدما قال باحثون في معهد «التلوث الضوئي والعلوم والتكنولوجيا» في إيطاليا أمس (الجمعة)، أن نحو 83 في المئة من سكان العالم ومنهم أكثر من 99 في المئة في أوروبا والولايات المتحدة يعيشون في مناطق «تلوث ضوئي» بسبب نور المصابيح الكهربائية.
وانتشرت الأضواء الكهربائية لدرجة أن أكثر من ثلث سكان الأرض ومنهم نحو 80 في المئة من سكان أميركا الشمالية و60 في المئة من الأوروبيين لا يستطيعون رؤية نجوم مجرة درب التبانة والتي ظلت مشهداً مألوفاً على مدى عصور طويلة من الوجود البشري.
وشرح قائد فريق البحث فابيو فالشي: «المدهش أنه على مدى عقود طويلة من تطور الإضاءة (الكهربائية)، غطينا معظم الإنسانية بستارة من الأضواء تحجب رؤية أعظم عجائب الطبيعة... الكون نفسه».
وأضاف فالشي: «جذور حضارتنا مرتبطة بالسماء خلال الليل في كل مجال من الأدب إلى الفلسفة والدين وبالطبع العلوم».
وقال عالم الفيزياء في مركز «جي إف زي» الألماني للأبحاث والعلوم الجغرافية كريستوفر كيبا: «تقدير الجمال هو جزء مما يجعلنا بشراً».
واستخدم الباحثون بيانات من أقمار صناعية وأخرى عن بريق السماء لإعداد أطلس عالمي عن التلوث الضوئي، وهو الإضاءة الصناعية للسماء في الليل، الكافية لحجب ضوء النجوم، وتُعد واحدة من أكثر التغيرات البيئية التي تسبب فيها الإنسان.
وأشار فالشي إلى أن «دول كبيرة مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا لا تملك موقعاً واحداً على أراضيها لمشاهدة السماء صافية خلال الليل».
وقال الباحث في «هيئة المتنزهات الوطنية الأميركية» دان دوريسكو: "على رغم المساحات الشاسعة المفتوحة في الغرب الأميركي، فإن نصف الأراضي الأميركية تعاني من ليال ملوثة ضوئياً»، مضيفاً «ويتأثر الساحل الشرقي بشدة في ظل إمكان رؤية السماء الصافية من جزء من ولاية مين والجزر الواقعة في نهاية فلوريدا كيز».
وتُعد سنغافورة أكثر البلدان في العالم تلوثاً بالضوء، أما أشد بلدان مجموعة العشرين تضرراً، فهما إيطاليا وكوريا الجنوبية.
ولا تزال هناك مناطق محدودة في غرب أوروبا لم تتأثر بهذا النوع من التلوث نسبياً وغالبها في اسكتلندا والسويد والنروج، فيما تُعتبر أستراليا وأفريقيا الأقل تضرراً بين القارات المأهولة.