قمرة أحمد الشقيري و صحافة المواطن
كثيرة هي المحاولات التي قامت عليها الشاشات العربية في سبيل تحقيق فكرة ما يعرف بـ»إعلام النحن» أو «صحافة المواطن» أو «إعلام الناس» على اختلاف مظاهر وأشكال هذا المفهوم، فسعت الكثير من البرامج والقنوات والمواقع الإلكترونية إلى محاولة استثمار هذا الشكل الإعلامي الذي بُشر به مع التوسع الكبير في استخدام تكنولوجيا الاتصال.
بعض هذه التجارب ما زال ماثلاً ويحاول جاهداً، بطرق مختلفة، ضمان استمراره، وبعضها خبا وتراجع في مؤشر يستحق البحث والاهتمام، لمعرفة خلفيات عزوف المواطنين عن إنتاج مواد تعبر عن تجاربهم ومواقفهم وإرسالها لبرامج تعرض على شاشات عربية يشاهدها الملايين.
وسط تلك الحالة تحضر تجرية الإعلامي أحمد الشقيري في برنامجه الجديد «قمرة» (برنامج ومسابقة، هو في جوهره بداية لتلفزيون على الشبكة يحمل الاسم ذاته). البرنامج الذي يعرض على شاشة «أم بي سي» خلال شهر رمضان حضر له جيداً، وهو أمر يرصد حجم المشاركات وتنوعها ففي البرنامج مواطنون من أكثر من 70 دولة عربية وأجنبية من دون أن تقف اللغة حاجزاً.
وكما يقول الشقيري في الإعلان الترويجي إنه «إعلام الناس للناس» وحسبي أن هذه فكرة مثالية تستحق كل الجهود التي تبذل في سبيل تطبيق مظاهر منها، فالفكرة قد يتحقق جزء منها ولكن يستحيل أن تتحقق بصورة كاملة تضمن الديمومة والجودة الفنية معاً.
«قمرة» هنا ليس برنامجاً تلفزيونياً بل هو منصة إعلامية متاحة لمن يرغب في المشاركة من كل دول العالم، والهدف من هذه المنصة إثراء المحتوى الإعلامي بأعمال تلفزيونية «هادفة» ومميزة بحسب تعبير الشقيري.
ومسألة المحتوى سواء على الشاشات العربية أو على شبكات الإنترنت وتمازجهما معاً في غاية الأهمية في ظل ضعف المحتوى العربي عموماً وسيادة محتويات ليست ذات قيمة وبأشكال تقليدية ومباشرة، لتأتي هذه المبادرة كترجمة لمجموعة كبيرة من مبادرات عربية هدفت إلى التوعية بأهمية العمل على تطوير المحتوى العربي بالمجمل والتعبير عن الذات بهدف التغيير الإيجابي.
والتجربة الحالية التي يقودها الشقيري ومؤسسة «مجتمع جميل» تأتي مستثمرة كل ذلك، وهي مع ذلك فيها الكثير من ضمانات النجاح، إحداها الشقيري نفسه الذي يحتل مكانة رفيعة في قلوب قطاع عريض من الشباب المتحمس والمليء بالدافعية. أما مسألة الجوائز المالية الثلاث فليست هدف معظم المشاركين، بل أن الوقوف على خلفيات هؤلاء يجعلنا نكتشف أنهم متنوعو المواهب والأماكن والاهتمامات والفئات الاجتماعية، إنهم تعبير حي عن رغبة جامحة للتعبير وإيصال الرسائل لأكبر قطاع من المشاهدين.
في جعبة البرنامج الكثير من المفاجآت وعلى الشاشة العربية إدراكها على صعيد الموضوعات وطرق التعبير واستثمار المواهب. هذا كرنفال بصري وعلى الشاشة رصده واستيعاب المناسب منه، أما مسألة المحتوى «الهادف... ناصع البياض» فتبقى الأكثر إشكالية!