قِراءةٌ في التكريم الملكي للجامعة الهاشمية...
جو 24 :
إبراهيم العظامات
"الجامعة الهاشمية" شجرةٌ مباركةٌ غرسها الراحل الكبير الحسين بن طلال طيب الله ثراه هنا في الزرقاء أرض العسكر والعمال، وحين افتتح الراحل الحسين هذا الصرح في 3 كانون الأول 1995، قال: "أملنا في عَطاء هذه الجامعة كبير جداً للوطن ولأعضاء الأسرة الأردنية وللعلم والمستقبل" فها هو أمل الحسين طيب الله ثراه يتحقق، وها هي تعطي أطيب الجنى علماً وبحثاً وتميزاً في ظل دعم ورعاية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، فمسيرة الرعاية الملكية للجامعة لم تتوقف يوما إذ حظيت الجامعة بزيارات ملكية متواصلة، وقد شرَّفَ جلالة الملك عبدالله الثاني الجامعةَ برعاية حفل تخريج الفوج الأول عام1999م، وافتتح جلالته مُجمع "ابن سينا الطبي" للكليات الصحية عام 2011، كما كانت الجامعة محظوظة بزيارات دائمة لجلالة الملكة رانيا العبدالله كان آخرها في 24/2/2016.
وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين من أيار عام 2016 في الذكرى الغالية للاستقلال كان للجامعة موعد مع التكريم، إذ كَرَّمها جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم بأن أنعم عليها "وسام الاستقلال من الدرجة الأُولى"، تسلمه رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور كمال الدين بني هاني "تقديراً للمستوى المتميز الذي حققته الجامعة منذ تأسيسها، وإنجازاتها الريادية في رفد مسيرة التعليم العالي ودعمه، وتميزها في المجالات التعليمية والعلمية والبحثية، واستخدام الطاقة المتجددة وتطبيقها في مرافق الجامعة".
ويشير هذا الوسام "الهاشمي" الرفيع إلى تفوق الإدارة الريادية وجهود العاملين في الجامعة في تنفيذ المشاريع الطموحة، وهو وسام يحتفي بالمنجز الوطني الذي حققته المؤسسات الناجحة، وسهر عليه كوكبة من رجالات الوطن الذين أنجزوا وأبدعوا خدمةً لوطنهم.
ونَقرَأُ، هنا، أبرز ما شهدته الجامعة عبر مسيرتها وبخاصة في سنواتها الأربع الماضية، من مبادرات تطوير، ومشاريع تحسين، وبرامج عمل للوصول بها إلى أفضل المراتب، والتي ترتكز على عدة عوامل أهمها:
أولاً: العمل الجماعي بروح الفريق الواحد، فأسرة الجامعة من أكاديميين وإداريين وطلبة ساهموا في النجاح والإنجاز الجمعي والتراكمي فتشرفوا بالتكريم الملكي السامي، إذ يعملون بتنسيق وتكامل للتفوق على الذات، وتحقيق أهداف الجامعة ورسالتها المستمدة من رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم.
ثانياً: "إدارة مُبادِرة وريادية" تطرح المبادرات البنّاءة والمشاريع المنتجة، وتلتقط الأفكار المفيدة والبرامج الريادية، وتعمل على تنفيذها بسرعة عالية، فالفكرة تتحول إلى ورشة عمل ثم إلى قصة نجاح، وهناك الآن (12) مشروعاً في الجامعة جاري تنفيذها أو تم، ويمكن وصفها بأنها مشاريع كبرى وحيوية بالإضافة إلى عشرات الخطط، والبرامج، والمبادرات الأكاديمية والطلابية التي تُنفذ.
ثالثاً: "البساطة في الطرح والعبقرية في التنفيذ"، طرحت رئاسة الجامعة العديد من مشاريع تدشين مباني القاعات الصفية الحديثة والطاقة الشمسية، وكثير من جامعات الدنيا تطرح وتبني هكذا مشاريع، لكن التنفيذ هنا تم "بشكل فريد" عما ألفناه من حيث أنها مبان خضراء رفيقة بالبيئة، مستخدمة تقنية الحصاد المائي، وتستخدم الخلايا الشمسية في توفير الطاقة، وتتوافر فيها بيئة تعلمية مثلى، وبأنها صديقة لأولي الضرر (الصعوبات)، كما تمتاز بالجمال المعماري المُنسجم مع المحيط البيئي مما يجعل منها مكاناً جاذباً للعمل والدراسة بالإضافة إلى الأسماء المنتقاة التي تم إطلاقها على المباني والمشاريع الكبرى لتعبر عن التاريخ والثقافة الأردنية، والتعاون العربي الخير، مثل: مُجمع الحارث الرابع: ملك الأنباط، ومبنى الملك ميشع المؤابي، ومجمع الشيخ زايد بن سلطان.
كما امتاز مشروع "شمس الهاشمية" بمزايا عديدة، فخلافا لأنه مشروع يحافظ على البيئة كما هي مشاريع الطاقة المتجددة، لكنه يوفر احتياجات الجامعة من الطاقة لـ(30) سنة قادمة، ويخفض النفقات إذ ينتج ضعف الحاجة فهو مشروع بيئي واقتصادي، كما يوفر ممرات مظللة و(جمالية) للطلبة تمتد على طول المحور الرئيسي للمشاة في الجامعة وكذلك مواقف مظللة للسيارات، لكن الأهم في المشروع أنه أوجد فرص التدريب وبناء القدرات للطلبة والأساتذة لتصبح الجامعة مركزاً متقدماً في دراسات الطاقة المتجددة وبحوثها، وما انطبق على تفرد المشاريع السابقة ينطبق على مشاريع أخرى كثيرة.
رابعاً: جامعة متطلعة للمستقبل، مستشرفة الآفاق البعيدة، وهي تسير وفق رؤية بعيدة وواثقة في طريق الإنجاز فعندما تنفذ الجامعة مشروعا أو برنامجا تتطلع لآخر قادم، هاجسها دائما الجديد والمفيد فخططها الاستراتيجية تستشرف عام 2030، على الرغم من أنها تتطلع لأبعد من ذلك، متجاوزة التحديات والصعوبات بحنكةٍ وحكمةٍ.
خامساً: إدارة "شديدة الحرص" على المال العام، و"صلبة في ضبط النفقات" انطلاقا من أنه "واجب شرعي وقانوني"، فـ"احسنت إدارة الموارد" المادية، إذ "تم تعزيز الإيرادات، وضبط النفقات" خاصة في الأمور غير الضرورية ولكنها سخية فيما يتعلق بالعملية التعليمية، والبحثية، والمشاريع المستدامة، وخدمة الطلبة. فالجامعة تنفذ مشاريع بقيمة (110) مليون دينار (منها 15 مليون دينار من المنحة الخليجية ومنحة المملكة العربية السعودية للتعليم التقني) دون عجز أو ديون أو دعم حكومي مالي مباشر، و"تدعم الجامعة أية فكرة أو عمل مفيد مهما كلف من مبالغ مالية كبيرة، ولكنها لا تسمح بأي هدر ولو كان بسيطاً جداً" كما يؤكد رئيس الجامعة الدكتور بني هاني. وتم ضبط النفقات بقيمة تتجاوز الـ(7) مليون دينار كل سنة وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، بإجمالي يصل إلى (28) مليون دينار.
سادساً: "التوزان الذكي في إدارة الموارد البشرية" من خلال الموازنة بين نسبة الأكاديمي إلى الإداري للوصول إلى النسبة العالمية؛ فأوقفت الجامعة التعيين على الكادر الإداري -بصلابة - منذ أربع سنوات بشكل نهائي، وسط مطالبات لا تنتهي للتعيين في الجامعات الحكومية، فانخفض العدد بواقع (167) إداريا ولم يعين بديل لهم خلافا للمعتاد، في مقابل إيقاف التعيين الإداري حققت الجامعة قفزة نوعية في تعيين الأكاديميين، وزيادة عدد المبتعثين إذ تم في الفترة المذكورة تعيين وإيفاد حوالي (530) كفاءة وطنية إلى أرفع الجامعات العالمية وأفضلها تصنيفاً وهي مستمرة في ذلك لاستدامة الثروة العلمية الوطنية التي لا تقدر بثمن، والآن هناك إعلان مفتوح يشمل جميع الكليات والتخصصات لاستقطاب مبتعثين من جامعات عالمية عريقة.
سابعاً: تؤمن بالاستراتيجي، وتحرص على الاستدامة، وتأنف من الترفي والنمطي وتبتعد عن الاستعراضي؛ فشرعت بتنفيذ المشاريع الاستراتيجية والحيوية ضمن أفضل المعايير الهندسية العالمية بالإضافة إلى إنشاء مختبر أنظمة الإنشاءات بكلفة (4) ملايين دينار ليكون الأميز على مستوى المنطقة العربية وأوروبا وكذلك الاستثمار المجدي في الطاقة البشرية، ويمكن القول إنه تم "إنشاء جامعة جديدة" ضمن الجامعة الحالية.
ثامناً: التطوير الدائم والتحسين المستمر لجودة المخرجات، وتعمل الجامعة على تعديل الخطط الدراسية والمناهج باستمرار وضمن مدد زمنية محددة بسقف زمني لا يسمح بتجاوزه؛ وذلك لمواءمة مخرجات التعليم مع مهارات الحياة، ومتطلبات سوق العمل، ومواكبة المستجد في العلم والتكنولوجيا.
تاسعاً: بناء الشراكات المثمرة، التشبيك الناجح مع مؤسسات محلية عامة وخاصة، وإقليمية وعالمية، والتشديد على تفعيل اتفاقيات التعاون الأكاديمية والبحثية والتعليمية.
عاشراً: العمل المُمنهج والمستمر في تعزير القيم الوطنية والإسلامية السمحة المعتدلة وتعزيز قيم الحوار، واحترام الاختلاف عند الطلبة للمساهمة في نهضة الوطن وازدهاره، فقد بادرت الجامعة بإيجاد نظام القوائم النسبية المفتوحة مع "حد العتبة" منذ العام 2014 كأول مؤسسة في الوطن تعتمد هذا النظام الديمقراطي المتقدم، وقامت بتأسيس أندية الحوار الطلابي، وإطلاق الطاقات الطلابية الخلاقة من خلال المبادرات والمسابقات، وتعديل مساق التربية الوطنية بحيث أصبح جزءا منه عمليا وفي مختبرات الحياة الجامعية، كما زينت الجامعة قاعاتها بأسماء شهداء الجيش العربي الذين ضحوا بأرواحهم فداءً للوطن والأمة في معركة الكرامة الخالدة، وعَزَّزَت ثقافة الريادة والإبداع والتميز بين الطلبة من خلال إنشاء مختبرات ومنصات الإبداع بدعم من كبرى المؤسسات والشركات المحلية والعالمية، ونشرت منظومة القيم الأخلاقية والحضارية النبيلة بين الطلبة خلال المحاضرات المنهجية والنشاطات غير الصفية المُكثفة.
حادي عشر: التميز في استثمار التكنولوجيا في التعليم، وتوفير البيئة الإلكترونية المتكاملة والشاملة بجهود العاملين فيها، وتفعيل التكنولوجيا المتطورة لتسهيل مهمة الطلبة، وأعضاء الهيئة التدريسية، والعاملين في الجامعة.
ثاني عشر: الحرص على تحقيق رضا العاملين والتحسين المستمر لأوضاعهم المعيشية وقد بلغت زيادة الدخل للعاملين بحد أدنى (62%)، وتوفير الخدمات المناسبة لهم كإنشاء حضانة نموذجية لأبناء العاملين والعاملات لينعكس ذلك استقطابا للمزيد من الكفاءات وزيادة في الإنتاجية.
ثالث عشر: السخاء في دعم البحث العملي ورعاية الباحثين في الجامعة من خلال زيادة مستمرة لميزانية البحث، وصرف حوافز مالية للباحثين الذين ينشرون إنتاجهم العلمي في مجلات ذات معامل تأثير عالٍ، بالإضافة إلى دفع أجور النشر في المجلات العالمية المرموقة.
رابع عشر: سعي الجامعة الجاد لاجتراح حلول للتحديات الوطنية الكبرى وعلى مساحة الأردن كونها "جامعة وطن" وبخاصة في مجال الأراضي الجافة التي تشكل (80%) من مساحته من خلال إنشاء أكاديمية الأراضي الجافة بالتعاون مع المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، وإيكاردا؛ لتنمية الموارد الطبيعية والبشرية في البادية الأردنية، كما تسعى الجامعة لتكون "جامعة منتجة" بإكثار بذار شجرتي (الهوهوبا) التي تمتاز بقيمة طبية و(الجاتروفا) التي تمتاز بقيمة اقتصادية. كما تسعى الجامعة بشكل جاد لتقديم المزيد من الحلول المستدامة لتحديات الطاقة، والمياه، والبيئة، والأمن الغذائي، والصحة، والتعليم والتنمية وغيرها في مختلف مناطق المملكة.
خامس عشر: تطوير البيئة الجامعية لتكون صديقة لذوي الاحتياجات الخاصة (ذوي الضرر)، وتقديم منح كاملة للمتفوقين منهم، وإطلاق مبادرة أصدقاء ذوي (الضرر)، واعتماد كودة بناء تراعي متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة في كافة مبانيها الحالية والجاري تنفيذها والمستقبلية.
سادس عشر: استمرارية إدارة الجامعة، وقد عانت الجامعة في فترات سابقة من سرعة تغيير الإدارات الجامعية، إذ جاء قرار التمديد المبني على نتائج ومؤشرات أداء الذي تم في فترة زمنية امتدت على ثلاثة أشهر، فقد صدرت الإرادة الملكية بالموافقة على تجديد تعيين الدكتور بني هاني رئيسا للجامعة الهاشمية في 9/1/2016م، ويعد الدكتور بني هاني الرئيس التاسع للجامعة، وهو أول رئيس يُجدد له بعد مرحلة التأسيس؛ وقد عَمِلَ رئيسا للجامعة الهاشمية خلال الفترة (7/2/2012-8/1/2016).
ويذكر أن عمر الجامعة الهاشمية يتجاوز الـ(20) عاماً: (1995- 2016)، وتضم منظومة متكاملة من الكليات الصحية، والعلمية، والإنسانية، والاجتماعية موزعة على (16) كلية وتقدم (52) تخصصا في البكالوريوس ومجموعة واسعة من برامج الماجستير، ويبلغ عدد طلبتها حاليا (26) ألف منهم (60%) من الإناث، ورفدت الوطن بـحوالي (60) ألف خريجاً.
03/06/2016