ما الذي يجمع بين قصي خولي وتيم حسن؟

بعدما تابعنا أول ثماني حلقات من الأعمال الدرامية لهذا الموسم الرمضاني، أصبح بالإمكان تكوين فكرة عامة عن المسلسلات التي تتبارى في سباق الماراتون الرمضاني عبر الشاشة الصغيرة. وضمن تلك الأعمال، سنتطرّق للحديث عن مسلسليْن يندرجان ضمن قائمة الأعمال اللبنانية السورية المشتركة ألا وهما جريمة شغف ونص يوم، وللتنويه ليس في غايتنا المقارنة بين هذين العملين إذ لا وجه مقارنة بينهما بقدر ما نستطيع وضعهما في إطار من المقاربة بين العناصر الدرامية المشتركة وهي الفكرة، الحبكة، الشخصيات، والحوار. فهذه العناصر تُعدّ لازمة في كل نص درامي مهما كان إطاره الفني.

 

التأثيرات النفسية عنصر أساسي

بداية، ومع مواكبة تطوّر سياق الأحداث الدرامية نلاحظ أنّ هناك تركيزاً على العوامل النفسية في المسلسليْن المذكورين بمعنى أنّ هناك تركيزاً على التأثيرات النفسية لما يتلقّاه المشاهد عبر حواسّه من النظر والسمع، فالمشاهد العربي بات أكثر وعياً وتركيزاً على أدق التفاصيل ما يجعل المؤلف الدرامي يصبّ اهتمامه في أمور مساعدة للحبكة الدرامية لكي يكتمل المشهد فلم يعد أداء الممثّل وحده كفيلاً بإتمام المشهد بقدر ما أصبحت الأكسسوارات ضرورية مثل الاستعانة بستايلست لانتقاء الأزياء الخاصة بالشخصية التي تدفع المشاهد للاقتناع أكثر بدور البطل مع الجو العام للمشهد كالموسيقى التصويرية والإضاءة وغيرها من الركائز التي أصبحت مرادفاً للعناصر الدرامية. وهذا ما نلمسه أكثر وأكثر مع كل عمل درامي جديد لا سيّما خلال الموسم الرمضاني الحالي. وما إن يشهد العمل خللاً ما ضمن تلك العناصر وأكسسواراتها حتى يصبح عرضة للنقد والانتقاد.

 

العوامل النظرية - النفسية لها دور فعال

وبالنسبة لمسلسل "جريمة شغف"، فلنبدأ من البوستر الدعائي للمسلسل، وإذا دقّقنا جيداً في البوستر فسنجد أنّ نظرات أبطال العمل كفيلة بأن تخبرنا عن الشخصيات التي يجسّدها كل فرد منهم، فالبطل قصي خولي لن يبقى بشخصية الرجل الهارب والضعيف المستسلم أمام قدره بل سيتغلّب على الظروف التي تعاكسه، كذلك الأمر بالنسبة لبطلات العمل، نادين الراسي التي لديها شغف الانتقام من قصي، جيسي عبده بشخصية المرأة "المكسورة" إن صحّ التعبير، أمل عرفة التي تخبّئ حزنها وخيبة أملها من الحياة ونجلاء بدر بشخصية المرأة التي تتحدى دون كلل أو ملل.

ومن العوامل النظرية – النفسية التي لا بد من التطرق إليها، نلاحظ كيفية اعتماد الأبطال على الألوان القاتمة ولا سيما الأسود في معظم مشاهد المسلسل وهذا ما يرمز إلى سوداوية نفوسهم.

 

الأداء المسرحي يبهر المشاهد

من ناحية أخرى، ومع تطور الأحداث الدرامية، لفتنا الأداء المسرحي الذي يعتمد عليه الخولي، بالمعنى الإيجابي لهذا الأمر، فالأداء المسرحي هو ذاك الذي يعتمد على أداء الممثل فقط مع افتقار متعمّد لباقي الأدوات أي بعيداً عن الإبهار النظري أو السمعي وهذا ما يركّز عليه قصي في جريمة شغف خاصة في المشهد الذي شاهدناه خلال الحلقة الثامنة وهو يخاطب نادين الراسي في خياله مع صورة لها رسمها بيده وكأس وسيجارة، علماً بأنّ الخولي ليس من الأشخاص المدخنين ومع ذلك أتقن كيفية التعامل مع سيجارته التي لا تفارقه في معظم المشاهد وهذا دليل على أنّه يبحث عن وسيلة للتخلص من القلق والتوتر عبر تدخين السجائر.

 

الأبطال مرضى نفسيون

وإذا تعمّقنا في شخصيات "جريمة شغف"، نلاحظ أنّ أبطال العمل يعانون من أمراض نفسية، فبطله قصي الخولي ما دفعه لخيانة زوجته هو شغفه لإثبات رجولته بسبب العقم الذي يعاني منه، وهذا أول محرّك درامي مبطّن لتصاعد أحداث العمل. أما بطلته نادين الراسي فأصبحت مريضة بشغف الانتقام، وكذلك الأمر بالنسبة للممثلة أمل عرفة التي تبدو كأنها تساعد صديقتها "جمانة" التي تجسّد دورها نادين، لكن أمل في باطن اللاوعي لديها تساعد صديقتها لكي تحاول مساعدة نفسها بعدما هزمها المرض وأفشلها في تكوين أسرة، حتى الأبطال الثانويون مثل تقلا شمعون ونهلا داوود تعاني كلّ منهما من أمراض نفسية، وهذا ليس بغريب عن واقع مجتمعنا الحالي. وذلك ما عكسته مؤلفة العمل نور شيشكلي بحبكة درامية وأسلوب متقن اكتمل مع حسن الإخراج تحت إدارة المخرج وليد ناصيف الذي ما زال يعمل على مونتاج باقي الحلقات بحسب معلوماتنا.

 

المسلسلان مزيج من الدراما العاطفية والتشويقية

وفي ما خصّ مسلسل نص يوم، نجد التركيز عينه على ذات العناصر والعوامل، فالألوان القاتمة ضمن معظم المشاهد تساعد على التفاعل أكثر مع عنصر التشويق والإثارة الذي يطغى على هذا المسلسل منذ الحلقة الأولى فإنّ اعتماد تلك الألوان ساعد المشاهد على الغوص في شخصية البطل تيم حسن فمن الطبيعي أن يرتدي تلك الألوان القاتمة إذ يتصف بشخصية الإنسان التقليدي الكلاسيكي حتى إنّ طريقة حبّه كلاسيكية بالمعنى الأفلاطوني الذي لم نعد نراه في معظم الأعمال الدرامية التي تطغى عليها قصص الخيانة بعيداً عن رومانسيات الدراما.

والبطلة نادين نسيب نجيم لاحظنا في معظم مشاهدها أنها تخبّئ إحدى عينيْها خلف شعرها الأسود الداكن وفي ذلك دلالة رمزية على أنها تلبس قناعاً مخادعاً سيوقع البطل تيم حسن في فخّ شرّها لاحقاً. وهذا أيضاً ما ركّز عليه مؤلف العمل باسم توفيق السلكا تحت إعداد، إشراف وإخراج سامر البرقاوي.

 

الأداء المسرحي هو النقطة المشتركة بين العملين

والأداء المسرحي الذي اعتمد عليه قصي بحرفية في أحد مشاهد الحلقة الثامنة من جريمة شغف كان النقطة المشتركة بينه وبين تيم في الحلقة الثامنة من نص يوم في المشهد الذي استفاق فيه من حلم اليقظة حينما تخيّل زوجته الهاربة يارا أمام عينه، فاعتماده على لغة الجسد ونبرة الصوت التي تنخفض وتعلو في ذات المشهد أقرب إلى أداء مسرحي منه إلى أداء تلفزيوني.

والعملان يعتمدان على عنصر التشويق في حبكة الأحداث مع محاور درامية أخرى منها العلاقات العاطفية وجرائم القتل والأمراض النفسية.

ولا بد من الإشارة إلى أنّ قناة الجديد التي تعرض هذين المسلسلين قد اختارت التوقيت المناسب لكل منهما، إذ تعرض نص يوم مباشرة بعد نشرة الأخبار المسائية أي عند حوالى الساعة الثامنة والنصف ويليه مباشرة جريمة شغف عند التاسعة والنصف وهذا يُعد التوقيت المناسب لتحقيق نسبة مشاهدة عالية للمسلسلات خاصة في الموسم الرمضاني.